تشهير بقاصر اعتقل في قضية الطفل "رضى" مقابل تكتم عن هوية وصور الشرطي منفذ "الإعدام" غير القانوني في البيضاء..هل هي انتقائية؟!

15 يوليو 2019 - 21:20

أثارت إعادة تمثيل الجريمة المروعة لقتل الطفل رضا في مكناس جدلا واسعا، بعدما سمحت قوات الأمن بتصوير المشتبه فيه القاصر أمام عدسات الكاميرا، واستنطاقه أمام الإعلام مع إظهار ملامحه، في إجراء مثير للجدل، في الوقت الذي تم التكتم فيه عن هوية الشرطي الذي تسبب في مقتل شخصين في الدار البيضاء بالرصاص، ولم يُعد تمثيل جريمته أمام وسائل الإعلام بذات الشكل، علما أن الأمر يتعلق بجريمة مرعبة وعملية “إعدام” خارج نطاق القانون، تمت في الشارع العام.

وفي مقاطع فيديو منتشرة على نطاق واسع لوسائل إعلام محلية بمكناس، ظهر المشتبه فيه في جريمة قتل الطفل رضا بمكناس، وهو يعيد تمثيل مشاركته في الجريمة.

ونقلت وسائل الإعلام مقاطع فيديو إعادة تمثيل الجريمة ظهر فيها وهو يبكي، في الوقت الذي يُحقق معه رجال الأمن، أمام الملأ، في مشهد استثنائي.

نقاش إعادة تمثيل الجريمة، وخصوصا عندما لا تحترم إعادة التمثيل حقوق المشتبه فيهم ليس جديدا، فوسط تجمهر العشرات من المواطنين، تحرص الضابطة القضائية بين الفينة والأخرى على تسجيل عمليات إعادة تمثيل بعض الجرائم، إذ يصير مسرح الجريمة أشبه بمسرحيات للفرجة، مجانية، ومفتوحة في وجه العموم.

وبين من يعتبر إعادة تمثيل جريمة معينة إهانة لـ”المشتبه فيهم” حينها، وإجهازا على حقوقهم، وكرامتهم، ومن يرى أن المسألة لا تعدو كونها وسيلة لإثبات الاعترافات، المتضمنة  في محاضر التحقيق الأولية للضابطة، ومزج بين الاعتراف بالصوت مع الصورة، يقر المتخصصون بأن إعادة تمثيل الجريمة، تمثل مسا بقرينة براءة المشتبه فيهم، ولا تعدو أن تكون فرجة، وقد يؤثر على سرية التحقيق.

غياب نص تشريعي وخرق صارخ لقرينة البراءة 

وفي تصريح سابق لـ”اليوم 24″، حسم عبد الرزاق الجباري، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، والباحث في العلوم الجنائية وحقوق الإنسان، التساؤل حول قانونية ما يصطلح عليه بمسطرة “إعادة تمثيل الجريمة”، مؤكدا أن ليس هناك في التشريع الجنائي المغربي أي نص يقضي، أو يأمر بسلكها، مستدركا “أن الوضع العملي خلاف ذلك، حيث لا تتردد الشرطة القضائية باختلاف ألوانها، بإعمال هذه المسطرة، والإشراف عليها في بعض الجرائم الخطيرة، خصوصا في الجنايات”.

وعن فلسفة النيابة العامة في تقرير هذه المسطرة، شدد الجباري على أن الكثير من الباحثين، يذكرون “بوجود مذكرة إدارية صادرة عن وزارة الداخلية، فيما تتمثل غاية أجهزة البحث من ورائها، في تعضيد محاضر الاستماع أمام الضابطة القضائية في الجنايات، والتي لا تعدو أن تكون مجرد معلومات، وبيانات لا حجة لها أمام المحكمة، في إثبات الجريمة من الناحية القانونية، بمشاهد من الواقع، وتكون، في الغالب الأعم، مفصلة، ومتناسقة، مع تصريحات الفاعل، الذي غالبا ما يكون معترفا بها تمهيديا”.

وفي حديثه عن تأثير مسطرة إعادة تمثيل الجريمة، ونشرها عبر وسائل الإعلام، لا سيما السمعية البصرية على البحث، أكد المتحدث نفسه أن المسألة تعد خرقا صارخا لمبدأ قرينة البراءة، وإفشاء لسرية البحث، وإجراءاته، وهو ما قد ينعكس حتى على السير الأمثل للبحث نفسه، وبالتالي على سير العدالة في تلك القضية”.

ويضيف الجباري أن “القيام بإعادة تمثيل الجريمة بناء على مذكرة إدارية، إن صحت هذه المعلومة، يعد مخالفة صارخة للدستور، الذي يعد أسمى تعبير عن إرادة الأمة، كما أن مبدأ “الأصل في المتهم البراءة”، أو ما يعرف بـ “قرينة البراءة”، الذي يجعل من كل المشتبه فيهم أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الشيء، المقضي به، وغير قابل لأي طريق من طرق الطعن، تطبيقا للفصل 119 من الدستور، وكذا المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية.

وخلص الكاتب العام لنادي قضاة المغرب إلى أن إعادة تمثيل الجريمة، ونشر مشاهد ذلك عبر وسائل الإعلام، فيه مساس بهذا الأصل، الذي يعد حقا كونيا، ومبدأ دستوريا، بما يحمله ذلك من تشهير للمشتبه فيه من جهة، ومساس بسمعة ذويه من جهة أخرى، طالما أن من شأن محاكمته أن تفضي إلى براءته.

وأضاف الجباري أن “مبدأ “سرية البحث والتحقيق”، الذي يقضي بسرية كل إجراءات البحث من قبل الضابطة القضائية، أو إجراءات التحقيق في مرحلة التحقيق الإعدادي، طبقا للمادة 15 من قانون المسطرة الجنائية.

إعادة التمثيل.. إقرار بجريمة قبل حكم القضاء وفرجة للمواطنين 

بالإضافة إلى الأسئلة القانونية، يطرح إجراء تمثيل الجريمة أسئلة مجتمعية وحقوقية أيضا، على اعتبار أن إعادة تمثيل “المشتبه فيه” للجريمة أمام المواطنين، عقوبة إضافية، خصوصا حين يصير “المتفرجون” طرفا، ويطالبون بـ”الإعدام” للمعني كما وقع خلال تمثيل جريمة قتل شابين لشاب في “القرية” في سلا، قبل أشهر، إذ تعالت أصوات المواطنين، الذين التحقوا بكثافة إلى مسرح الجريمة لـ”الفرجة” مطالبين بإعدامه، مما أسفر عن “ثورة” المعني.

وفي هذا الإطار، قال عبد المالك زعزاع، الحقوقي، والمحامي في هيأة البيضاء، إن إخضاع المشتبه فيهم إلى إعادة الجريمة، التي يتم التحقيق فيها، إقرار بالجريمة المنسوبة إليه.

وأضاف المتحدث نفسه، في حديث سابق مع “اليوم 24″، أن هذه المسطرة صارت تُشكل فرجة للمواطنين، خصوصا في المناطق الشعبية، فيما يمثل المتهم الطريقة، التي تم فيها “قتل” الضحية” بطريقة بشعة، موضحا أن التمثيل إذا كان مصاحبا للتحقيق، قبل أن ينتهي، فذلك يخالف مقتضيات المادة 15 من المسطرة الجنائية، وسرية التحقيق.

ووصف زعزاع إعادة تمثيل الجريمة، بـ”بالسلوكيات المنحرفة، التي كان يقوم بها المخزن”، في إشارة إلى “طواف المتهمين مثلما حدث مع بوحمارة، حين تم الطواف به”، كما اعتبرها أسلوبا قديما خارج القانون، والإنسانية.

واعتبر المحامي في هيأة البيضاء أن إعادة تمثيل الجريمة، “جريمة في حق المشتبه فيه خارج القانون، وعقوبة إضافية قبل أن يقول القضاء لكلمته، في حين أن القانون، والشريعة، يشددون على قرينة البراءة، التي أصبحت دستورية، والمتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته”.

وأضاف زعزاع أن الأمر يمس ببعض الضحايا، وبشرفهم، وعرضهم، سيما حين يتعلق الأمر بجريمة قتل، مصحوبة باغتصاب، فيما يتم تبرير الأمر بتهدئة الوضع أمنيا، والتخفيف من روع المواطنين، وهي تبريرات “واهية”، حيث لم يستطع جهاز الأمن الحد من الجريمة، على اعتبار أن لديها عدة مدخلات، ويتعلق الأمر بالتعليم، والتربية، والتهميش…ولا يمكن بالمقاربة الأمنية -وحدها- الحد من تنامي الإجرام.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يونس منذ 4 سنوات

ماذا تتتظرون من دولة باك صاحبي؟

التالي