غويتيسولو بالعربي.. رقعة الشطرنج في الشرق تغيرت رأسا على عقب -الحلقة14

18 يوليو 2019 - 22:21

بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931)، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة.

من الصعب التنبؤ كيف سيحدث هذا التحول الديمقراطي الذي لا مفر منه تحت رعاية الجيش. فبعض تدابير التغيير المثيرة للشفقة التي عرضها مبارك قبل ساعات من تنحيته عن الحكم، لم يقبلها الشعب المصري، لأنه يطالب بديمقراطية حقيقية تستوعب وتشارك فيها جميع الحساسيات السياسية والدينية؛ جمعية تأسيسية، وحكومة مؤقتة، وانتخابات حرة ونزيهة، وإطار دستوري جديد، وسياسات المساعدة الاجتماعية للفئات الأكثر حرمانا وهشاشة. ويجب تحقيق كل ذلك على أرض الواقع، ويجب التحرك، بسرعة وبراغماتية، بحثا عن إجماع لا يقصي أي تجمع أو حزب.

التنبؤات التشاؤمية بخصوص استحواذ جماعة الإخوان المسلمين على الثورة الشعبية، سيرا على منوال ما حدث مع جبهة الإنقاذ الإسلامي في الانتخابات الجزائرية التي دعا إليها بنجديد، لا تستند إلى أي أساس. فالإسلاميون أنفسهم يدركون حقيقة إخفاقاتهم السابقة، ولا يريدون أن يسقطوا في الخطأ نفسه. انتصار الحراك الشعبي في مصر هو في حد ذاته أكبر ضربة (نكسة) تلقتها الحركات الدينية المتطرفة منذ هجمات 11 شتنبر. أوباما نفسه فهم ذلك جيدا في خطابه الشهير بالقاهرة، عندما أكد قائلا: «الديمقراطية، وليس الديكتاتورية مثل ديكتاتوريتي بنعلي ومبارك، هي أفضل وأنجع حصن منيع ضد إرهاب القاعدة».

يجب الإقرار بأن انتصار الجماهير الغفيرة في ميدان التحرير هو انتصار للشعوب العربية جمعاء، يهدد سياسة «كلما كانت الأمور أسوأ، فذلك أفضل» لنتنياهو كما السلطة الوطنية الفلسطينية، كما ليبيا القذافي، كما إيران أحمدي نجاد. رقعة الشطرنج السياسية في الشرق انقلبت رأسا على عقب، والقلق الذي يدمر الأنظمة الثيوقراطية في شبه الجزيرة العربية ليس أقل من ذلك الذي يدمر إسرائيل التي تعاني مرض التوحد أكثر من أي وقت مضى، والتي لم تعد أيضا تلك «الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»، كما تعتقد.

الثورة التي نعيش على إيقاعها عرت الدور البائس للاتحاد الأوروبي في علاقته بالضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط. تواطؤ ساركوزي وبرلسكوني مع الدكتاتوريين المخلوعين كان ساخرا بقدر ما أنه ضار. يجب ألا تسود المصالح المشتراة على الدفاع عن القيم التي نتبجح بها في الواجهة والعلن. يجب أن يخجل هؤلاء من كثرة نفاقهم وهم يشاهدون ملايين المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع. لنشرب ونتقاسم نخب المتظاهرين في القاهرة والإسكندرية والمدن المصرية الأخرى، الذين رفضوا أن يكونوا رعايا قوة قمعية وفاسدة. إنهم اليوم يحتفون بانتصارهم وانتزاعهم حق المواطنة للتو.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي