منير أبو المعالي يكتب.. شيك على بياض دون رصيد

18 يوليو 2019 - 18:05

حليمة عسالي، سيدة بألف رجل، في حزب الحركة الشعبية طبعا. لقد نجحت في تحويل اسمها إلى علامة مسجلة مثيرة للفزع داخل كيان سياسي دون رائحة. لقد حققت ما لم تنجح فيه أي سيدة أخرى؛ الحصول على سلطة القرار كلها. نعم، إن عسالي هي كل شيء في الحركة الشعبية، وباقي الرجال، كما النساء، مجرد إكسسوارات تتقلدها كيفما تشاء ووقتما تشاء.

هذه حقيقة لا ينكرها أحد، فهي دخلت إلى حزبها من باب كونها «زوجة أحدهم»، لكنه، دون شك، لم يكن مثل أي أحد آخر. في الحركة الشعبية، يتعاظم شأن السلالة حتى تتحول إلى مقدس، و«القايدي» لقب يرهبه ذوو الشأن في ذلك الحزب، وكان من الضروري أن تنتقل تلك الهالة التي تغلفها الرهبة إلى عسالي.

ليس لدينا سجل حاسم بخصوص الطريقة التي تُمارس بها عسالي الفعل السياسي، فهي تشبه سيدة كواليس، تنجح في لي أذرع الرجال في الأوقات المناسبة، ثم تمنحهم لاحقا أفضلية إعلان النتائج وكأنها صادرة عن إرادتهم المحضة.

في تقييم الأثر السياسي للنساء، يكتب اسم عسالي بزهو منقوعا في محبرة الوجل. من الطبيعي، إذن، أن نبدو، نحن مراقبي الشؤون السياسية، وكأنه قد أصابنا الذهول من نبأ خسارتها في الحصول على مقعد في دائرتها. هذه ليست النهاية المتوقعة.

إن السيدة خططت على مهل، ووضعت رسائل موافقة من كافة الأحزاب بالعاصمة في حقيبة يدها، قبل أن تحمل تزكية حزبها إلى السلطات في دائرتها. ولقد شرعت، في ذلك الوقت، في المشاركة في نشاطات حزبها في الرباط دون أي اكتراث بما يجب أن يفعله مرشح للانتخابات. كل شيء مضمون. وغذت المعالجات الصحافية المبسطة شعور العظمة لديها، ثم سقط صندوق الاقتراع هزيلا فوق رأسها.

بالنسبة إلى سيدة لم تذق طعم الهزيمة سوى مرة واحدة، عندما أقيل صهرها محمد أوزين من منصبه الحكومي، فإن على الجميع -وليس وحدها فحسب- أن يؤدي فاتورة الخسارة.

باستعمال مفردات تغرف من المثالية، وبخت عسالي، علنا، المسؤولين المركزيين في بعض الأحزاب يسارا ويمينا. وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها شخص بالحركة الشعبية إلماما بما يعنيه الالتزام السياسي.

حق لعسالي أن تطلب الثأر؛ لكن من الصعب علي تحديد شيء صادق في كل ما حدث. حزبان من الأغلبية الحكومية، ينتميان معا إلى الخيمة الشاردة لأحزاب السلطة، قررا دفع مرشحيهما إلى تلك الدائرة. هذه ليست مشكلة كبيرة في نهاية المطاف. لكن، إليكم التدقيقات الضرورية لفوضى سياسية حدثت؛ التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب يشكل فريقا مشتركا بمعيّة الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، دون مجلس المستشارين -وهذه صيغة غريبة لمفهوم الشراكات السياسية داخل البرلمان- سيقرر التصويت لصالح مرشح الحركة الشعبية. الاتحاد الاشتراكي ظهر بوجهين لاحقا؛ في واحد منهما يطرد عضوا منه لأنه لم يصوت لصالح عسالي، فيما سيأمر عضوا آخر بإصدار بيان ضد عسالي نفسها. خدع قديمة يستعملها اليسار وهو يتحول إلى ثكنة.

من السهل أن تتهم منتخبين بأنهم أشخاص مرتشون حينما تعجز عن السيطرة عليهم. وكل ما كان لدى عسالي كي تقوله هو هذا: «لقد غدروا بي»، ثم تزيد: «لقد طلبوا مني المال». لم تقدم عسالي شكوى للمحكمة. من اليسير تغليف الخسارة بمزاعم سهلة التصديق من لدن العامة.

وتكتمل الفوضى حينما نعلم أن عسالي ضمنت بالرباط، أمرا بالتصويت بأوراق بيضاء من لدن أعضاء حزب العدالة والتنمية. لم يحدث ذلك لأن هؤلاء الأعضاء لم يروا صاحب الأمر، أي لحسن الداودي، منذ ثلاث سنوات. لم يعد يعنيهم في شيء وهو يتقلب بين كرسي حكومي وآخر. ماذا بقي لعسالي؟ أعضاء حزبها مثلا. لا، فحتى هؤلاء فقدت السيطرة عليهم.

التجربة الشخصية لحليمة عسالي جيدة لكي نفهم الانتخابات، وأيضا لنحلل تأثير هذه الشخصيات الانطباعية في الشعور الانتخابي. لم يشأ الناخبون المحليون أن يساقوا إلى صندوق الاقتراع من لدن أشخاص لا يعرفونهم، ودون شك لا يفهمونهم. وبغض النظر عما إذا كان للمال تأثير، وهذه قضية عامة على كل حال في انتخابات مجلس المستشارين، فإن الناخبين المحليين شكلوا قناعات مستقلة إزاء مركز مخدوشة مصداقيته.

سقطت عسالي لأن الانتخابات لا تدار دائما بالأنساب والسلالات، وسطوة المركز الاجتماعي، أو سلطة النفوذ السياسي. لقد تغيرت الكثير من معادلات الانتخابات من 2011 حتى الآن، وهي المتغيرات نفسها التي تقود الحركة الشعبية نفسها إلى الهاوية منذ ذلك الحين. إن التجمعات السياسية للأعيان يمكن هزيمتها بسهولة إن تُرك الخوف يتبدد من القدرة على الانتقام. وعسالي تسعى إلى ألا يحدث ذلك.

ليس من الضروري خشية أولئك الذين يحملون أكياس الأموال خلف ظهورهم، أو سلالة وألقابا في سجلات أحوالهم المدنية، أو شيكا على بياض من قادة سياسيين فاقدي البوصلة. إن درس حليمة عسالي هو هذا بالضبط: يمكن أن تقسط رغم كل ما سبق. وقليلون من سيشعرون بالانزعاج.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي