القدوري: التاريخ جوهر الفهم عند عبدالله العروي!

28 أغسطس 2019 - 23:20

خلال رمضان الماضي، نشرت «أخبار اليوم» سلسلة حوارات حول أعمال عبدالله العروي، حاولت أن تعود إلى إبداعاته الأدبية، الروائية خصوصا، وأن تستقصي جوانب مختلفة من مشروعه الفكري. وإذ لمست الجريدة ما حظيت به هذه الحوارات من اهتمامات لدى القارئ، وما أثارته من أسئلة، فإنها صممت على متابعة نشر حلقات أخرى حول الموضوع ذاته، بمحاورة شخصيات أخرى ومعالجة مغايرة.

 

يحمل كتابك الأخير، الذي صدر عن المركز الثقافي للكتاب بمبادرة من معهد العالم العربي في باريس، اسم المفكر «عبدالله العروي». هل يمثل هذا العمل سيرة غيرية؟ أم محاولة لفهم فكر وأبحاث صاحب «الإيديولوجيا العربية المعاصرة»؟

ليس الكتاب سيرة أو محاولة للتعريف بعبدالله العروي كشخص، ولكنه يركز، أساسا، على مساره الثقافي والفكري داخل المغرب أو خارجه من جهة أولى، ويرصد التطور الذي حصل في هذا المسار من جهة ثانية، ويعرف بالظروف الداخلية والخارجية التي ساهمت في بلورة فكر عبدالله العروي وشخصيته من جهة ثالثة.. أضف إلى هذا أن الكتاب يهدف، أساسا وإجمالا، إلى الإحاطة بمشروع عبدالله العروي، ومحاولة تقديمه في شموليته، لا في جزئياته، لأن الذين تناولوا عبدالله العروي عادة ما يختارون، إما مفهوما وإما نقطة من النقاط التي تعرض لها، ويكتبون حولها. إذ أعتقد أن الهدف الأساسي من هذا الكتاب هو تقديم كتابات عبدالله العروي كمشروع.

من هنا، جاء هذا الكتاب استجابة لطلب معهد العالم العربي في باريس- كما تفضلت في سؤالك- الذي يملك مشروعا مشتركا مع الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل، غايته إصدار “مائة كتاب وكتاب”، ومحاولة التعريف بستين مثقفا ومفكرا عربيا وأربعين من نظرائهم الأجانب. إذ يروم هذا المشروع تكريم هؤلاء وتعميم أفكارهم. والمطلوب من جهة ثانية ألا يبقى الكتاب محصورا على مستوى فكري عميق، بل أن يتمثل أبعادا ديداكتيكية؛ بمعنى آخر، أن يقرب مشروع عبدالله العروي من أكبر عدد من القراء. هذا هو المشروع، باختصار شديد.

في نظرك، هل يمكن اعتبار هذا الكتاب هو وليد شكوى عبدالله العروي من كونه لم ينل العناية المطلوب، ولم يحظ بالتلقي الكافي؟ أم هناك سياقات مغايرة أملته، بحسب ما يحيل عليه ضمنيا الجواب عن السؤال الأول؟

معك حق. يعود المشروع، كذلك، إلى احتكاكي بعبدالله العروي. إذ يرجع هذا الاحتكاك إلى سنين طويلة، حيث كان قد بدأ خلال سنوات الثمانينيات. وأنا كمؤرخ، قرأت كل ما أنتجه عبدالله العروي، وجرت بيني وبينه نقاشات طويلة وعميقة، ووجهت العديد من الطلبة لتحضير شهادات حول آثاره الفكرية والبحثية. إذًا، ما لاحظته من خلال القراءة والنقاش أن الكثيرين صنفوا عبدالله العروي تصنيفات عدة؛ منهم من يقول إن العروي “مفكر الدولة” أو “مفكر القصر”، ومنهم من يقول إن العروي يوجه كتاباته للنخبة…

بينت لي هذه المواقف، عند قراءتها، أن كل هؤلاء الذي كتبوا عن عبدالله العروي وصنفوه ضمن هذه التصنيفات لم يفهموا ولم يستوعبوا جوهر فكره، بل ينطلقون من إشكاليات تهمّهم أو قضايا تطرح على الساحة الثقافية، ويحاولون انطلاقا منها تأليف كتاب أو كتابة مقالة فيها. ومن جهة ثانية، لاحظت أن عددا من السياسيين والأدباء والباحثين في الفلسفة ناقشوا عبدالله العروي، ولكن قلة قليلة من المؤرخين هي التي كتبت عنه وحول كتاباته. ومن هنا، فقد مثل هذا الكتاب مناسبة لمحاولة تقديم مشروع العروي وتبسيط أفكاره وأعماله. إذ تبين لي أنه لا يمكن قراءة مشروعه باختيار هذا المفهوم أو ذاك، وهذه التيمة أو تلك، وإنما بقراءته ككل منسجم ومتناسق.

من أين كان المنطلق في هذه القراءة؟

انطلقت من كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، الرحم الذي تفرعت منه كل الكتب الأخرى. إذ سيكتب فيما بعد كل أعماله انطلاقا من فصوله الأربعة. من ثمة، تكمن الفكرة الأساسية في أنه ينطلق منهجيا من فكرة جوهرية قوامها أن التاريخ يمثل صلب الفهم، حيث يقول إن الذي لا يعي التاريخ، لا يمكنه أن يتكلم عن السياقات الراهنة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي