أبوعلي: لا يمل رئيس الحكومة والوزراء في تبرير الجريمة المقترفة في حق العربية

02 سبتمبر 2019 - 20:00

كيف تتبعتم الجدل الذي صاحب نقاش قانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين في البرلمان؟

كل المتابعين للشأنين التربوي والتعليمي لم يكونوا يتوقعون أن النقاش حول القانون الإطار للتربية والتكوين سيخلق كل هذا الجدل والتجاذب بين الأطراف السياسية والإعلامية والأكاديمية. فالصيغة التي قُدم بها إلى مجلس النواب، والتسويق الإعلامي والسياسي الذي حظي به، إضافة إلى محاولات وزارة التعليم التقديم له عبر فرض الفرنسة وتشجيع مسالكها وتجنيد موظفيها من مديرين ورؤساء جامعات ورؤساء أقسام… من أجل التسويق لمسار الفرنسة وترسيخ الاعتقاد بأن لغة موليير، التي اعتبروها لغة حية، هي الأنسب لتدريس العلوم، لم تمنح النص سلطة القبول الشعبي من طرف عموم المجتمع المغربي عبر ممثليه الحقيقيين ورموزه الوطنية.

فالنقاش العلمي حول لغة التدريس أبان عن ضعف كبير لزاد المنافحين عن الفرنسة علميا وأكاديميا، كما تفتقر جبهتهم لمختصين حقيقيين ينافحون عن التدريس بلغة باريس. فجل المتصدرين للمشهد يفتون في قضايا اللغة والتربية بمنطق عامي لا يصمد أمام أبسط أبجديات البحث العلمي، لذا وجدنا كبار اللسانيين والتربويين المغاربة الذين قدموا علوم اللغة والتربية للعالم العربي يرفضون هذا التصور، كما يرفضه كبار المفكرين والأدباء والمبدعين والنقاد الذين آمنوا بقوة المغرب الحضارية والمعرفية.

فما الذي تبقى إذن؟ لم يتبق إلا أصوات متناثرة في فضاءات التواصل والإعلام والثقافة تفتقر إلى معطيات العلم والمعرفة، إن أحسنا الظن بها، وبعض السياسيين والبرلمانيين الذين يصفون حساباتهم الحزبية عبر اللغة، وبعضهم الآخر يبحث عن مكانه المستقبلي عبر التوافق الوهمي على حساب اللغة، إضافة إلى مسؤولين عن مؤسسات عمومية يدافعون عن مركزهم بتقديم فروض الولاء للأجنبي.

والقاسم المشترك بين هؤلاء، هو تناول القضية عبر طرق شعبوية يعجز العالِم عن مجاراتهم لأنه كما قِيل قديما: “أجسر الناس على الفتيا أقلهم علمًا”. لكن الأهم في النقاش الحالي، أنه كان فرزا حقيقيا بين المؤمنين بقدرات الوطن وانتمائه، وبين من يرى كل ذلك رأسمالا للمقامرة من أجل مصلحته هو وقبيلته السياسية والفكرية، بين من يضع السؤال اللغوي في سيرورة بناء وطن ديمقراطي يسع الجميع، وبين من يتخذ اللغة مطية لتصفية حساباته السياسية والإيديولوجية… لذا، شهدنا في الأيام الماضية توافقا فريدا في جبهة الفرنسة بين الاستئصاليين الذين يختبئون وراء وهْمِ التعددية، والسياسيين الذين خلقوا لتمييع المشهد الوطني، ومسؤولين بإمكانهم بيع كل شيء من أجل منصب زائل، لكن الأهم هو أن هذا القانون قد أكد مرة أخرى انعدام استقلالية للقرار الحزبي، حيث تحولت كل الأحزاب إلى مجرد أشكال انتخابية تستجدي فتات السلطة، ومستعدة لتقديم التبريرات الضرورية.

بعد المصادقة على القانون وتشكيلكم رفقة عدد من الشخصيات البارزة في المغرب جبهة ضد الفرنسة، هل تعتقد أنكم قد تصمدون في وجه التيار الفرنكفوني في المغرب؟ 

نحن نسأل عن الفعل وليس النتيجة. فالفعل هو أن العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية والمدنية اختارت الشروع في تنسيق جهودها، من أجل وقف هذه المجزرة الهوياتية. ولعل الإقبال الذي عرفته المبادرة بمجرد الإعلان عنها من مختلف أطياف الشعب المغربي، لدليل على أنها أتت للتعبير عن رفض الضمير الجمعي لهذا المسار. وخلال الأيام المقبلة سنعلن عن انطلاقة مسار المقاومة الذي نعرف أنه طويل وأفقه استكمال السيادة الوطنية وتحرير الإرادة المغربية سياسيا واقتصاديا وثقافيا. لكن الأكيد أن النصر قدرنا.

يؤكد أعضاء الحكومة وعلى رأسهم العثماني أن التناوب اللغوي، الذي جاء في القانون، سينعكس إيجابا على اللغة العربية ومستوى التعليم في المملكة، ما رأيكم؟

هناك مغالطات لا يمل أعضاء الحكومة في تبرير الجريمة المقترفة، في حق العربية ومستقبل المغاربة من تكرارها. فهم مقتنعون أن الحديث في موضوع لغة التدريس يحتاج إلى خبراء في التربية واللغويات، وليس إلى خطباء أو وعاظ، ومن ثمة، فلأول مرة نشهد فهما جديدا للتناوب اللغوي الذي عرف في الأدبيات اللغوية أنه تناوب بين اللغات الرسمية أو الوطنية، إلا في الحالة المغربية حيث يصبح التناوب بين لغة رسمية وأخرى وطنية. هذا من حيث المبدأ والمفهوم. لكن القراءة الواقعية تثبت أن الصيغة أصلا كتبت من أجل التمكين للفرنسية. فمذكرات الوزارة والاستعجال في إخراج النص في الجريدة الرسمية بنتوءاته والإجراءات الوزارية التي تعمل على فرض الفرنسية لغة وحيدة للتدريس، تثبت أن ما يروج له وزراء حكومة العثماني مجرد أوهام لتبرير تسليمهم المدرسة الوطنية إلى فرنسا. فهنيئا لهم على هذا الإنجاز الكبير الذي سيدخلهم التاريخ، خصوصا وأنهم استطاعوا تنفيذ ما عجزت عنه نخب الفرنكوفونية لعقود خلت.

في نظركم بعد تطبيق مضامين المادة 2 و31 من القانون الإطار، ما مصير اللغة العربية في المنظومة التعليمية؟

اللغة العربية مع قانون أمزازي والصمدي ستصبح لغة مدرسة، مثلها مثل الإسبانية والألمانية. ثم إن لفظة لاسيما الواردة في مواده لحصر المواد العلمية والتقنية، دليل على أن الفرنسية ستغدو لغة التدريس الأولى، وربما، الوحيدة. لذا، فاللغة العربية ستجد نفسها غريبة في وطنها ويفقد معها المغاربة ذاكرتهم وهويتهم. لكن الأكيد أن هذه المرحلة المظلمة من تاريخ المغرب ستنقضي بسرعة، مادامت هناك أصوات حية تنافح وتقاوم .

نلاحظ أن عددا من وزراء العدالة والتنمية يدافعون عن الفرنسة ويقولون إن التعريب أثبت فشله. ما رأيك؟

أعتقد أن السؤال موجه لما قاله السيد خالد الصمدي في حوار صحافي الأسبوع الماضي. وبعيدا عن اقتناعنا بأن السيد غير مؤهل علما وتخصصا للحديث في الموضوع، وعن الرغبة المحركة لهذا القول النشاز، التي تجعل السياسي يغير قناعاته حسب مقام النجار كما يُقال، نعتقد أن تقييم سياسة التعريب ينبغي أن يكون من خلال دراسات موضوعية، وليست أبحاثا موجهة. فلا يمكن أن يكون دفاعنا عن اللغة العربية مدعاة لتجاهل الاختلالات التي رافقت التعريب، وفي مقدمتها توقيفه عند حدود الباكالوريا. فالتعريب قرار وطني شارك في صياغته رجالات الحركة الوطنية، ونظر له وشيد مفاهيمه رموز الفكر المغربي، من علال الفاسي إلى الجابري، ليأتي شخص رمت به الصدفة في كرسي الوزارة لينتقد ويرمي كل هذا التراث بجرة لغو، أو يأتي ليعتبر العربية لغة ميتة. مما يؤكد المستوى الذي يتمتع به مسؤولونا. في نظرنا التعريب هو الحل الوحيد للنهوض بالتعليم المغربي، وما عداه اجترار للفشل تربويا وتنمويا. والأيام بيننا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي