بوعشرين يكتب: تونس.. آلام الانتقال

08 سبتمبر 2019 - 18:00

خرجوا، قبل سبع سنوات، بالآلاف إلى الشوارع لإسقاط الدكتاتور. واليوم، يخرجون بالآلاف لإسقاط القانون المالي الجديد. كان التونسيون، قبل سبع سنوات، يتألمون في صمت، خوفا من عصا الجنرال بنعلي. اليوم، لا يصرخون فقط، من الألم في الشارع العام، بل يضغطون من أجل إجبار الحكومة على التراجع عن سياسة التقشف، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الزيادات على أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. هذه هي تونس اليوم، مجتمع حي وديناميكي انتقل من المطالبة بالحرية والتعدّدية إلى المطالبة بالعدالة الاجتماعية، حتى وإن كانت الحصيلة مؤلمة: شهيد وعشرات الجرحى و700 معتقل، فإن البلاد على الطريق الصحيح، لتعلم درس الديمقراطية التي تعطي الحق للفقراء أن يحتجوا، وللعاطلين أن يصرخوا، وللمهمشين أن يسمعوا صوتهم إلى من يحكم، ديمقراطية تسمح للمواطن بالضغط على الحكومة، من دون المسّ بثوابت الدولة، ولا بكيان الأمة… لو خرج الآلاف للتظاهر في بلاد عربية أخرى بالليل والنهار لإسقاط قانون المالية أو لرفض شروط صندوق النقد الدولي، لجرت أنهار من الدماء في الشوارع، ولانقلب الاحتجاج إلى ثورة أو شبه ثورة، لكن تونس اليوم، وهي النموذج الوحيد في العالم العربي الذي تعايش مع ربيعه، وأخرج منه أفضل ما فيه، تسير على درب إرساء نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، بعدما أرست قواعد نظام سياسي جديد.

اعترف رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، بأن البلاد تمر بصعوبات، تدفع الحكومة إلى قرارات قاسية، ليس لها من خيار سوى رفع الضرائب. وتأمل بذلك تقليص العجز إلى 4.9% من الناتج الداخلي الإجمالي، مقارنة مع نسبة 6% التي وصل إليها العام الماضي. هذه التعديلات جزء من شروط صندوق النقد الدولي التي وافقت عليها الحكومة، في مقابل حصولها على حزمة من القروض، تبلغ 2.8 مليار دولار في 2016. وقد جمّد الصندوق الشطر الثاني من المبلغ، لأن الإصلاحات كانت تسير ببطء شديد.

تجارب الانتقال الديمقراطي التي جرت في أوروبا سواء في نهاية السبعينيات (إسبانيا والبرتغال واليونان)، أو التي جرت في نهاية الثمانينيات (دول شرق أوروبا)، كلها استفادت من حزمة مساعدات اقتصادية كبيرة ومهمة، سواء من الاتحاد الأوروبي، أو من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك من أسباب تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عن الأنظمة التي خرجت من تحت عباءة الديكتاتورية العسكرية، أو المدنية، في هذه البلدان، لكن تونس الآن، لا تواجه فقط، ندرة المساعدات الاقتصادية من أشقائها العرب، وأصدقائها الأوروبيين، بل تواجه تداعيات الثورة المضادة التي تقودها الرياض وأبوظبي والقاهرة، وثورة مضادة ترمي إلى إفشال أي تحول ديمقراطي في العالم العربي، مخافة انتقال العدوى إلى أنظمتها التي تقاوم الإصلاح السياسي، وتعادي الديمقراطية، وتسعى إلى تأبيد الاستبداد في بلدانها.

احتمال الصعوبات الاقتصادية التي تمر منها تونس، على الرغم من قساوتها، ممكن، بعدما تخطت البلاد مخاطر كثيرة، كان أولها موجة الاغتيالات السياسية التي كانت ترمي إلى إشعال فتيل الحرب الأهلية داخل بلاد الزيتون، ومنع قيام أي توافق بين الإسلاميين والعلمانيين بشأن الوثيقة الدستورية وأسس الحكم الديمقراطي. وثانيها، الخطر الإرهابي الذي كان يريد أن يمس أسس النظام وثقة الشعب في الدولة التونسية… البلاد على أعتاب انتخابات بلدية جديدة هذه السنة، وانتخابات تشريعية السنة المقبلة، وما لم تصلحه الثورة سيصلحه صندوق الاقتراع المدعو إلى إبراز نخب جديدة، وعقول جديدة، وآمال جديدة.

 

نشرت في العربي الجديد 17 يناير 2018

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي