يونس مسكين يكتب.. اقرؤوا كتاب نبيل

07 أكتوبر 2019 - 18:00

بات مؤكدا، منذ ليلة الجمعة الماضية، أن حكومة سعد الدين العثماني، إن كُتب لها الاستمرار وأفضت المشاورات الجارية إلى وصول التعديل الحكومي إلى بر الأمان، ستكون دون حزب التقدم والاشتراكية.

هذا الأخير ظلّ يشارك في الحكومات منذ اتفاق الكتلة الديمقراطية مع الملك الراحل، الحسن الثاني، على تشكيل حكومة التناوب التي ستشرف على مرحلة انتقال العرش إلى الملك محمد السادس، وهو ما جعل بعض الظرفاء يعلّقون على حدث الأسبوع الماضي بالقول إن الحكومة تغادر حزب التقدم والاشتراكية.

قد لا تؤثر هذه الخطوة في الاستقرار السياسي للحكومة الحالية، بالنظر إلى أن انتقال نواب حزب «الكتاب» إلى صفوف المعارضة لا يُفقد التحالف الحكومي أغلبيته البرلمانية، لكننا أمام حدث يستحق الوقوف عنده لقراءته، في حدود حجمه وتداعياته. هذا صحيح، لكن الأهم من ذلك هو صدّ هذا السيل الجارف الذي يضرب كل شيء في أيامنا هذه، حاملا معه ما تبقى من معنى، كما لو أن الضحالة بسطت سيادتها الكاملة علينا، وباتت قدرنا المحتوم.

نعم، هناك وهن شبه شامل يكاد يشلّ أطرافنا، دولة ومجتمعا، لكن محاولة إقناع المغاربة بأنهم باتوا فاقدين للإرادة، أو عاجزين عن الفعل والدفاع عن إرادتهم واختيارهم، هو إجرام في حقهم. ومن الخطير الصمت أمام هذه الآلة التي تسارع إلى «طحن» كل خطوة أو فعل تقدمه القلة المحتفظة بأمل الإصلاح من داخل المؤسسات، عبر وصمه بالتفاهة، والتشكيك في خلفياته ودوافعه.

ما تابعناه جميعا خلال الأسبوع الماضي، بين اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية يوم الثلاثاء ودورة اللجنة المركزية مساء الجمعة، دليل آخر على أن الفعل الإيجابي مازال ممكنا. فما شاهده الجميع هو نموذج لما يمكن أن يقوم به المغربي في حقل السياسة، من بناء للموقف، ودفاع عن الاختيار، والدخول في نقاش مفتوح حوله، ثم الخروج بقرار ديمقراطي، دون أين يكون ناقص وطنية أو مدفوعا من الخارج.

لقد شاهدنا، طيلة العقد الماضي، حزبا يقول كلمته ويصرخ صرخته، ويحتفظ بموقعه الكامل داخل المؤسسات وفي دائرة القانون. وأنا أعود للبحث في أرشيف وسجلات العقدين الماضيين لملامسة مسار هذا الحزب، وجدتني ألتقي مرارا أمينه العام الحالي. وجدت محمد نبيل بنعبد لله، الذي يقف متأنقا لينطق باسم حكومة جطو، ثم ينزع بذلته الرسمية وينزل إلى شوارع مدينة تمارة في انتخابات 2007، هناك حيث صادفته يخطب في إحدى الساحات المتربة، ويتفقد شباب حملته يستريحون متحلقين حول صحن «لوبيا» في أحد «الكاراجات» المكتراة.

وأنا أطالع صفحات من أرشيفنا القريب، وجدت زعيم حزب الكتاب، بعد سقوطه الانتخابي، يقف في الصفوف الأولى لمعارضي حزب الدولة الذي لاحت طلائعه بعد نكسة تشريعيات 2007. وعندما هبّت رياح الربيع العربي وطرقت أبوابنا، وجدت «نبيل» يقود حزب التقدم والاشتراكية في موقف «نعم للإصلاح لا للفوضى». وجدت في أرشيفي الشخصي حوارا إذاعيا جمعني بنبيل بنعبد لله شهر مارس 2011، حاولت خلاله دفع السياسي المشاغب إلى ركن الحلبة عبر محاصرته بالتناقض بين موقف مساندة مطالب حركة «20 فبراير» ورفض الخروج إلى جانبها.

«من فضلكم، أنا أفهم هواجسكم الإعلامية، لكن لي هواجسي السياسية»، قال لنا نبيل يومها، أنا ومنشطة البرنامج، مضيفا أن السبب الرئيس لعدم خروج حزبه إلى الشارع «هو كون السياسة التزاما وأخلاقا وضوابط، وحزب التقدم والاشتراكية قرّر، رفقة حلفائه في الكتلة، الوجود في الحكومة بشكل مشترك، أو الخروج منها بشكل جماعي. وجاءتنا مظاهرة من ضمن شعاراتها مناهضة الحكومة القائمة، وإذا أردنا الخروج فيها يجب أن تكون لدينا شجاعة تقديم استقالتنا من الحكومة، وأن نعرّج على الوزارة الأولى لإيداع الاستقالة قبل الذهاب إلى المظاهرة». ولننظر اليوم إلى سلوك الحزبين «الكبيرين» في الكتلة المرحومة في مرآة التقدم والاشتراكية.

ليس صحيحا أن غنيمة الحقائب هي كل ما جمع زعيم ورثة الشيوعية في المغرب بزعيم حزب العدالة والتنمية السابق، عبد الإله بنكيران. فقد سألته يومها، ونحن على أثير الإذاعة: «هل أصبحت تتفق مع زعيم خصومكم الإسلاميين الذي يقول إنه ضد الملكية البرلمانية؟»، فكان الجواب: «يمكنني أن اتفق مع السيد عبد الإله بنكيران في عدد من النقط، وإن كنا نختلف حول المشروع المجتمعي، إلا أننا التقينا في عدة مواقف، خاصة منها تلك المناهضة للفساد الذي نددنا به بالدرجة نفسها».

ليس صحيحا أيضا أن بنكيران هو الذي ظلّ يحرّك نبيل بنعبد لله ويرسم له مسار حركته، إلى درجة زعم معها البعض، الأسبوع الماضي، أن قرار خروج التقدم والاشتراكية من الحكومة اتخذ في حي الليمون (بيت بنكيران). أذكر هنا حديثا جمعني بأحد قادة حزب المصباح في السنوات الأولى لحكومة بنكيران، والذي ردّ على استفساري حول سرّ الاستراتيجيا التواصلية الباهرة لبنكيران، فقال لي: «هناك معطيات شخصية لدى السي بنكيران تفسّر هذا الأمر، لكن إذا أردت عنصرا غير ذاتي فابحث عنه عند نبيل بنعبد لله. أعتقد أن بنكيران لا يقوم بأية خرجة إلا بعد استشارة هذا الرجل».

لدي أيضا الكثير من الملاحظات والمؤاخذات على قرارات نبيل بنعبد لله وسياساته عندما كان وزيرا للاتصال في حكومة إدريس جطو، وبعدها وزيرا للإسكان في حكومة عبد الإله بنكيران، ثم شريكا في حكومة العثماني… لكن، هل علينا أن نذكّر بأن ممارسة السياسة السليمة لا تعني اجتراح الصواب دائما، بقدر ما تعني الاحتكام إلى المبادئ في المواقف وإلى الديمقراطية في القرارات؟
إن الممارسة السياسية نشاط بشري سيعتريه، دائما، الخطأ، مثلما يصادف الصواب، والأهم في ذلك هو عدم الخروج عن إطار الشرعية والقانون والقواعد الكبرى للديمقراطية. تعني ممارسة السياسة أن تخلص لفكرة، وتنضبط لقانون، وتخضع لمحاسبة، وتدافع عن مواقفك بوضوح وشفافية. وإذا كان الواقع قد أفسح مجالات كبيرة للانتهازية والتدليس والكولسة، فإن السياسة، في حقيقتها، صدق ووضوح وصراع حقيقي لا متقمّص، وهذا مازال ممكنا، فهلا قرأنا «كتاب» نبيل؟.6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي