دومو: حراك الريف كشف عن "أزمة المسؤولية" في المغرب

17 نوفمبر 2019 - 23:00
انتقد القيادي الاتحادي السابق، عبدالعالي دومو، الازدواجية الدستورية المعقدة للتنظيم الترابي في المغرب، وقال إنها تسببت في “أزمة مسؤولية”، تجلت بشكل واضح خلال “حراك الريف”، حيث يتعدد الفاعلون وتتنوع المسؤوليات في هذا النظام المزدوج، فيما لا يظهر فيه أّي مسؤول واضح ومحدّد يتحمّل نتائج القرارات المتخذة، وهو ما حدا بالدولة إلى إعفاء وتوقيف العديد من المسؤولين، على خلفية الحراك المذكور.
وفي ردّه عن سؤال متعلق بعدم قدرة الأحزاب السياسية على مواكبة جهود تفعيل الجهوية المتقدمة،اعتبر دومو، خلال محاضرة حول “الجهوية المتقدمة في المغرب” ألقاها، مساء أول أمس الثلاثاء بجامعة “محمد السادس” متعددة التقنيات ببنجرير، بأن الأحزاب ليست مسؤولة لوحدها عن هذا القصور في تفعيل الجهوية، بل أرجعه، بشكل أساسي، لطبيعة النظام الانتخابي “غير الديمقراطي” في المغرب، الذي قال إن الدولة تتحكم من خلاله في نتائج الاستحقاقات الانتخابية.
وتابع دومو، الذي يدرّس مادة “الاقتصاد الترابي” في “بوليتيكنيك” ابن جرير، بأن المغرب يستنسخ بشكل سيئ نموذجا فرنسيا في السياسة الترابية، أقرّت بفشله حتى التقارير الرسمية الفرنسية نفسها، موضحا بأن هذا النظام مؤسس على ازدواجية دستورية: دولة مركزية في العاصمة ودولة ترابية في الجهات، خلافا للنظام المعمول به في إسبانيا، حيث تتحمّل المجالس الجهوية المنتخبة مسؤولية سياسية وإدارية وتضطلع بمهام التنمية السوسيو ـ اقتصادية، أو في ألمانيا، التي تتبع نظاما أكثر تطورا، تمارس فيه الحكومات الجهوية صلاحيات سياسية وإدارية واسعة.
وعرّى دومو أعطاب النظام المزدوج، مشيرا إلى أن الدولة المركزية في هذا النظام تُبلور سياسات عمومية موحدة في جميع الجهات، دون أن تراعي الاختلافات بين هذه المناطق، فيما الأصل في السياسات العمومية هو أن تكون في خدمة التنوع الترابي، واستدل على ذلك بمثال استقاه من تجربته كرئيس سابق لجهة مراكش ـ تانسيفت ـ الحوز (2003 ـ 2009) وكرئيس لفترات انتدابية عديدة لجماعة “أولاد زرّاد” بإقليم السراغنة، بأن الدولة المركزية وبدل أن تخصص اعتمادات مالية لإحداث مرافق صحية للتلميذات في المدارس الابتدائية ببعض الجماعات القروية، تبرمج تشيد حجرات دراسية إضافية، في الوقت الذي يعتبر فيه انعدام المراحيض المخصصة للإناث أحد الأسباب الرئيسة للهدر المدرسي في صفوف التلميذات بالوسط القروي.
وتابع بأن الجماعات الترابية في المغرب (وهي الجهات، العمالات والأقاليم، والجماعات، وكل جماعة أخرى تحدث بقانون، حسب دستور 2011) لا تتصرّف سوى في 10% من الموارد المالية المخصصة للاستثمارات العمومية، فيما تستحوذ الدولة المركزية في الرباط على الـ 90% المتبقية، فضلا عن صلاحياتها في ممارسة سلطة الوصاية السياسية والإدارية على الجماعات الترابية، التي تتحمّل المسؤولية السياسية المباشرة عن أي إخفاق محتمل في تنزيل هذه الاستثمارات على الصعيدين المحلي والجهوي.
وأضاف بأن المغاربة يعيشون، في ظل النظام المزدوج، في حيرة من أمرهم، فمن جهة هناك دولة مركزية قوية في الرباط، ومن جهة ثانية، ثمة دولة ترابية هشّة في الجهات والأقاليم، كما يلاحظون بأن المشاريع التي يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام الرسمية، والميزانيات التي يتم التصويت عليها في البرلمان، لا يظهر لها أثر على مستوى الخدمات العمومية بجماعاتهم البعيدة عن المركز، خاصة في ظل عدم المساواة بين الأقاليم والجهات في الاستفادة من الاستثمارات العمومية، والإكراهات ذات الطبيعة البيروقراطية.
وتابع بأن المواطنين يقفون، يوما بعد آخر، على أن الدولة غير فاعلة جهويا، وأن أداءها الاقتصادي والاجتماعي ضعيف على مستوى الأقاليم والجهات،لافتا إلى أنه،ومثلما ظهر فشل النموذج الفرنسي في التنظيم الترابي بشكل واضح من خلال حركة “القمصان الصفراء”، لم يكن الوضع أحسن حالا في المغرب، الذي تصاعدت فيه وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية،خلال السنوات الأخيرة.
وقد حاولت فرنسا الحد من حالة البلوكاج الاقتصادي والاجتماعي، وباقي الإخفاقات التي يتسبب فيها نموذج نظامها الترابي، بإعطاء صلاحيات واسعة لوالي الجهة،الذي يمارس صلاحية التأشير على الميزانيات الجهوية، وتعيين الموظفين، أما في المغرب، فقد أشار دومو إلى أنه استُنسخت التجربة الفرنسية، مجددا، بشكل سيئ، إذ إن الوالي، باعتباره ممثلا للدولة في الجهة، والعامل، ممثلها في الإقليم، يمارسان، فقط، صلاحيات التنسيق بين المصالح الإدارية الخارجية، ولا يملكان سلطة اتخاذ القرار أو المسؤولية المباشرة على رؤساء هذه المصالح، الذين يتلقون التعليمات من المصالح المركزية لوزارتهم في الرباط.
وخلص دومو، الذي ألقى محاضرته باللغة الفرنسة أمام طلبة الماستر، إلى أن الجهوية تتقدم بشكل سيئ في المغرب، داعيا إلى تقوية الدولة الترابية، عبر تفويض الصلاحيات والاختصاصات للجهات، تماشيا مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، مقترحا أن تتولى مجالس الجهات صلاحية التداول ومراقبة برمجة الاستثمارات العمومية في هذه الجهات، ومشددا على أن تبقى صلاحية تنفيذ مشاريع هذه الاستثمارات، خلال مرحلة أولى، في يد الإدارة الترابية، ممثلة في ولاة الجهات.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي