سعيد الحاجي*: الانتقال الديمقراطي يتطلب إعادة كتابة التاريخ بأكثر الصيغ الموضوعية الممكنة (حوار)

19 نوفمبر 2019 - 00:01

تحاط مرحلة المفاوضات حول الاستقلال بغموض كثيف، ما تفسير ذلك؟

نعم، لازالت هناك مجموعة من الجوانب التي تستوجب التوضيح بخصوص ما جرى في تلك المرحلة، فهناك من المؤرخين من يرفض حتى وصفها بالمفاوضات، ويفضل أن يصفها بجلسات الاستماع، خصوصا وأن فرنسا هي من اختارت محاوريها وممثلي المغرب في تلك الجلسات، لأن فرنسا لم تكن تريد منح المشروعية للوطنيين الحقيقيين وقادة المقاومة المسلحة، وعمدت إلى اختيار تشكيلة متنوعة ضمت حتى الموالين لها من الأعيان المغاربة والقياد مثل الباشا الكَلاوي. وانطلاقا من هذا المعطى، ففرنسا كانت هي الطرف الأقوى فيها، طالما أن الوفد المغربي كان يفتقر للقوة التفاوضية. ونتائج هذه الجلسات لن تكون طبعا بالوضوح المنتظر، وهذا هو مصدر الغموض.

هل يرتبط هذا الغموض بالعلاقات مع الأطراف الخارجية، أي بالمستعمرين السابقين، أم بالصراع الداخلي؟

ربما كان لانقسام المشهد السياسي في المغرب منذ توقيع اتفاقية “إيكس ليبان”، دور في هذا الغموض، فحزب الاستقلال مثلا، كان يدافع عن مضامين “إيكس ليبان” انطلاقا من حضوره فيها ومساهمته في صياغة مضامينها، بينما ذهب حزب الشورى والاستقلال إلى اعتبارها مجرد مناورة من طرف فرنسا لإطالة أمد وجودها في المغرب، وإيجاد صيغة لعدم عودة السلطان المنفي، أو في أسوأ الحالات الخروج باتفاق يضمن مصالحها مقابل منح بعض السياسيين المغاربة امتيازات في مغرب ما بعد الحماية. لذلك، نجد مواقف متباينة من “إيكس ليبان” على مستوى الأحزاب السياسية المغربية. وليس غريبا أن فرنسا قد سعت إلى تضمين الاتفاقيات المبرمة سواء اتفاق 02 نونبر 1955 أو ملحق 02 مارس 1956، بنود تنظم العلاقات المستقبلية مع المغرب بما يحفظ مصالحها، وهو أمر ليس من السهل الإعلان عنه. وهذا مستوى آخر من الغموض الذي يلف اتفاقية “إيكس ليبان”.

ما الذي ينطوي عليه احتفاظ الأرشيفين الفرنسي والإسباني بكثير من حقائقهما في الظل؟

الكشف عن الرصيد الوثائقي المرتبط باتفاقيات خروج فرنسا وإسبانيا من المغرب بصيغة ما جرى في “إيكس ليبان”، قد يفضي، ربما، إلى طرح معطيات جديدة تفسر جوانب من العلاقات الممتدة حاليا بين البلدين في مختلف المجالات، خصوصا، مع النقاش الذي يُثار بين الفينة والأخرى عن مسألة التبعية في تجلياتها الاقتصادية والثقافية والسياسية للمستعمر السابق للمغرب، وقد يطال النقاش حتى المشروعية التاريخية والنضالية لبعض مكونات المشهد السياسي المغربي. وهذا، ربما، ما يجعل رفع بند السرية عن بعض الوثائق أمرا صعبا. وهو أمر طبيعي، فجميع الدول لديها تصنيف لسرية أرشيفها، وهذا لا يعني أنه لا يمكن ظهور وثائق جديدة لاحقا، إذ إن مدة سرية الأرشيف تكون في الغالب محددة، إما بمدد طويلة أو قصيرة. وربما قد تقتضي مصلحة البلد الكشف عن أرشيف مرتبط بقضية معينة بسبب تغير السياق والظروف.

ألا يرتبط غياب الكثير من معطيات تلك المرحلة بعدم حسم المشروع الوطني في اتجاه الديمقراطية؟

بشكل عام، من مقومات الانتقال الديمقراطي في أي بلد، إعادة كتابة التاريخ بأكثر الصيغ الموضوعية الممكنة، بعيدا عن الارتهان لوجهة نظر معينة في وصف الأحداث والمحطات المفصلية في تاريخ البلاد، خصوصا إذا كانت لتلك الأحداث امتدادات في الوضع الراهن. وأظن أن الكشف عن المعطيات الخفية المرتبطة بـ”إيكس ليبان” سواء أكانت لدى الدولة أو التنظيمات السياسية أو الأفراد الفاعلين، يدخل في صميم الممارسة الديمقراطية، والتي تستلزم الإقرار بالأخطاء وسوء الاختيارات في حالة وجودها. وكل تأخير على هذا المستوى يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة قد تقوض المشروعية التاريخية والنضالية لبعض مكونات المشهد السياسي، ومن مصلحة الدولة والتنظيمات الإفراج عن أي معطيات سرية إن كانت موجودة، وفتح النقاش حولها.

 

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي