بلال التليدي يكتب: ألم نقل لكم لا تلعبوا بالنار؟

22 نوفمبر 2019 - 16:09

تابعت ما تضمنته كلمة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أثناء مناقشة مشروع ميزانية وزارته برسم سنة 2020، بلجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين، من موقف إزاء أغنية « عاش الشعب »، التي غناها ثلاثة من مغنيي الراب الشعبيين، فالرميد لم يكن مخطئا حين وصف كلمات الأغنية بأنها « مستفزة ومسيئة لمؤسسات الدولة »، إذ ثمة فرق كبير بين التعبير عن المعاناة وبين استهداف المؤسسات والرموز الوطنية.

البعض يريد أن يزايد علينا بحقوق الإنسان، ويعتبر أن استهداف الملك يدخل ضمن مشمولات حقوق الإنسان، لاسيما إن جاءت بتعبير إبداعي غنائي على شاكلة ما يصدر في أغاني الراب.

لن ندخل مع هؤلاء في أي جدل، فالدستور حاكم، وهو الإطار الذي يحدد سقف الحريات والحقوق، فالحريات والحقوق في جميع بلاد الدنيا، تنضبط بقيود يحددها الدستور والقانون، بما يخدم استقرار النظام العام.

أتذكر جيدا، لحظة فورة هذه التعبيرات، وأتذكر معها كيف أسهمت بعض الجهات القريبة من مربع القرار في إسنادها، وكان مركز تفكيرها منصبا على الفائدة السياسية منها، أي: توظيفها ضد صعود الإسلاميين المحتمل.

لن نغطي الشمس بالغربال إن طرحنا أسئلة بشأن مهرجان « البولفار » بالدار البيضاء، ومن كان وراء إسناد « الستايلات » الغنائية الجديدة، وكيف تحول بعض مغنيي الراب إلى خصوم للإسلاميين، وكيف أصبحوا واجهات خلفية للحزب الذي استثمرت السلطة في إنشائه، وكيف تم الاحتفاء بهم في مختلف وسائل إعلام الدولة، مع أن متن أغانيهم، كان يتضمن كل أنواع التقزز اللفظي أو حتى التوحش بتعبير السيد الوزير المحترم.

لنطرح أسئلة أخرى أكثر إحراجا: من كان وراء إسناد تعبيرات سينمائية تصادم الإجماع الديني وتستبيح إخراج القاع الاجتماعي بعباراته المقززة؟ من قدم الدعم والإسناد القوي لأفلام تخصصت في إخراج لغة الشارع القاسية في تعبيرات فنية مستفزة للأسر والعائلات والبيوت؟

ومن يستثمر اليوم في الأطروحة عينها من خلال تقديم الدعم والإسناد الإعلامي لأنصار الحريات الفردية، ويفرض على قنوات الإعلام العمومي هذه القضايا الهامشية؟

لا نريد أن نسترسل طويلا في هذه الأسئلة، فنحن لا نريد محاكمة أحد، ولا نريد أن نركب لغة السياسيين في الهروب إلى الأمام والتغطية على المعضلات الخطيرة برمي الكرة هنا أو هناك.

نريد فقط، أن ننبه على شيء مهم، ينتمي إلى قضايا الفكر وليس السياسة، فالتعبير عن الذات، بأي شكل من الأشكال، وإن كان يتخذ طابع التمرد على الواقع والاحتجاج عليه، لا يأخذ صورته القصوى الجريئة، إلا إذا وجد مناخا سابقا من هذه الجرأة على الثوابت، فما بالك إن تراءى للجميع صورة من التناقض في سلوك السلطة أو جهات فيها في التعامل مع الثوابت، وتوظيف الجرأة عليها لهزيمة تيار سياسي معين، وترميز فنانين لوظائف أقدموا على القيام بها في هذا الاتجاه.

لا نريد أن ننتصر للملك نفاقا، فاستهدافه والتعرض له والمس به، يهدد السلم الاجتماعي ويمس بالدولة، لكن، في الوقت عينه، ينبغي أن تكون لنا الجرأة للقول بأن سلوك السلطة في التعامل مع الثوابت، وتوظيف صور من الجرأة عليها ضد تيار سياسي بعينه، وترميز ألوان من الفن البذيء والسوقي، وإسناد أفلام تخرج القاع الاجتماعي باسم تصوير الواقع، هذا هو الذي يخلق المناخ العام لتحويل الاحتجاج الفني عن إطاره المقبول، إلى الإطار الذي وصفه السيد مصطفى الرميد بالمقزز والمسيء والوحشي.

لا أريد من القارئ أن يستخلص من هذا التحليل المفهوم الذي أثبتناه للفن، لأني لا أتحدث عن الفن، بقدر ما أتحدث عن دور السلطة في تحويل طبيعة الاحتجاج في التعبيرات الفنية من خلال تكتيكاتها في توظيف الفن في لعبة السياسة.

الخلاصة التي أريد أن أثبتها، أنه من واجب المجتمع أن يتصدى لهذه الظواهر ويكشف خطرها عليه وعلى الدولة، لكن من الضروري أن يفهم أن الحدود الأخلاقية والدينية للدولة تستوجب أن تأخذ السلطة المسافة عن التعبيرات الفنية التي تتجاوز « اللائق أخلاقيا »، وأن دورها إزاء الثوابت محكوم بمقتضيات الدستور، وأن تكتيكات توظيف أطياف تعاكس ما رسمه الدستور من هذه الثوابت، وإن حقق مكاسب لحظية في سياق سياسي محدد، فإن مآل ذلك أن يعود بالضرر على السلطة والمجتمع معا، ولذلك، الأفضل للسلطة ألا تلعب بالنار، فاليوم قد تكون فيه قادرة على التوظيف والتحكم، وقد تكسب من ذلك سياسيا، لكن في الغد من يضمن أن تتحول الظواهر المتحكم فيها إلى ظواهر مهددة للإجماع؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

علال منذ 4 سنوات

PJD يخاطبكم.

التالي