«البام».. آلة جبارة منهكة بالأعطاب

05 يناير 2020 - 21:00

ما الذي تَبدل بعد مضي 12 عامًا على ولادة جنين اسمه « حركة لكل الديمقراطيين » ثم حزب « الأصالة والمعاصرة » وهي نفسهَا الحركة التي دخلت المشهد السياسي المغربي حاملة معها هموم مثقلة بالعزوف الانتخابي وتبلقن المشهد السياسي وهموم « أخونة الدولة » وكأنّها آخر كيان سيُخلص البلاد من كل شرور السوء السياسي. ثم مضت اليوم في صراعات « التيارات » وكأننا إزاء جرار فقد « سائقه » السيطرة وراحَ مهرولا إلى مصير مجهول. يُحكى في كواليس السياسيين والفاعلين والمؤثرين السابقين والحاليين الذين انخرطوا في صناعة « مجد البام » أنّ ولادة « البام » عن طريق « فؤاد عالي الهمة » المستشار الملكي الحالي كونت رأيًا لازال قائمًا في المشهد السياسي، يقول « إنّ الدولة تصنع أحزابها وأطرها وسياسييها على مقاسها ».

لم يتردد « مصطفى السحيمي »، محلل سياسي وأستاذ القانون الدستوري، في تفكيك هذا الشرخ خلال حديثه لـ »أخبار اليوم »، فقد رآه امتدادا لـ12 سنة مضت، آنذاك عندمَا جمع « الهمة » من حوله ثلاث مجموعات مختلفة التكوين والتأطير، إذ تكونَ المجلس الوطني لحزب الأصالة والعاصرة بداية من النشطاء في المجتمع المدني (حكيم بنشماش، أحمد خشيشن، حبيب بلكوش، ميلودة حازب، خديجة الرويسي، صلاح الوديع، عزيز بن عزوز، حسن بن عدي)، والتكنوقراطيون (محمد الشيخ بيد لله، فؤاد الهمة، خديجة الكور، عبد الواحد خوجة)، ورجال الأعمال (سمير عبد المولى، علي بلحاج، عمر فرخاني، مصطفى الرداد).

وقال السحيمي لـ »أخبار اليوم » في هذا الصدد « شهادة للتاريخ، إنّ فؤاد عالي الهمة لم يكن يحبذ أن تنتقل حركة « لكل الديمقراطيين » إلى حزب سياسي، غير أنّ اليساريين القدامى دفعوا بفكرة تأسيس حزب، بحكم خلفيتهم الإيديولوجية وثقافتهم، ونظرًا لأنّ أغلبيتهم كانوا قد فشلوا داخل تنظيماتهم السياسية ».

ويرى السحيمي أنّ « البام » يتغذى على التحوَّلات السياسية الراهنة بالبلاد، واعتبر أنّ جهات في الدولة ترسم اليوم مسارا لعودة البام سياسيًا، خصوصا بعد « نهاية تيار الريف » داخل الحزب، قائلا: « إلياس العماري حشد كل جهوده لتحصين نفسه بوضع مؤسساتي، فربحَ هو وخسر « البام »، وهو الذي تدخل بقوة لإحداث الانقلاب داخل التجمع الوطني للأحرار لطرد الأمين العام لهذا الحزب مصطفى المنصوري من رئاسة الحزب سنة 2010. فهو لم يكن ليقبل، كذلك، بأن يكون هناك ممثل معتبر للريف غيره. فمصطفى المنصوري، المولود في الناظور، ورئيس مجلس المستشارين كان يمثل بالنسبة إليه منافسا قادرا على تجاوزه في هذه التمثيلية، وحتى في داخل الأصالة والمعاصرة »، وعن التحولات السياسية التي يتغذى عنها البام، قال « إنّ « أخنوش » أعطى لهذا الحزب دفعة لاستمراريته بفعل « أخطائه » وحملة « المقاطعة » و »زلات لسانه »، يتحدث هنا السحيمي بعيدًا عن الرأي الذي يقول إنّ عملية جديدة لضخ « البام » في « الأحرار » تجري على قدم وساق إزاء الانقسامات القائمة حاليًا وسطه.

ومن جهة أخرى، يرى الباحث في العلوم السياسية « أحمد حاقي » وأستاذ بجامعة القاضي عياض مراكش، أنّ « حركة الـ 20 من فبراير » عام 2011 « أربكت الترتيب الذي صُنعَ للبام وأنهت الوصفة السياسية لإعادة هيكلة الساحة الحزبية »، وهوَ القاسم المشترك بين تحليل « مصطفى السحيمي » و »أحمد حاقي » الذي مضى قائلا: « دخل الحزب مرحلة جديدة اتسمت بعودة مهندسيه إلى معاقلهم، خاصة التكنوقراطيين، لذلك كان لزاما تحويل الوسائل المادية والرمزية التي أتيحت لهذا الحزب إلى حزب آخر، وبما أن شروط خلقت حزبا جديد غير متوفرة، فإن حزب « الأحرار » المؤسس منذ 1978 اختير لتأدية هذا الدور وإنّ كان لا يستطيع تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها « حزب صديق الملك » كما سمته الصحافة.. ».

قبل المضي في تحوَّلات حزب الأصالة والمعاصرة منذ النشأة إلى « زمن المخاض »، تتوقف « أخبار اليوم » عند صلاح الوديع، الشخصية البارزة التي انخرطت في تأسيس « حركة لكل الديمقراطيين »، وأعلنَ استقالته من حزب « الأصالة والمعاصرة » قبل 6 سنوات، يقول الوديع « داخل « الأصالة والمعاصرة » لم نعط ما فيه الكفاية من الإشارات تقطع الشك باليقين فيما يتعلق بقرب الحزب من مراكز القرار، وأثرت مقولة ‘صداقة الملك’ على صورة الحزب، مما ترك الانطباع بأن هناك استغلالا ما من طرف الحزب لهذه المقولة ».

هذه الصفة أي « حزب صديق الملك »، قال عنها محمد مصباح، محلل سياسي ورئيس المركز المغربي لتحليل السياسات، إنّها خدمت « البام » جرت إليه رجال المال والأعمال وكسب بها « سلطة إدارية » و »تسهيلات مؤسساتية »، ومع اختفاء « رمز صديق الملك » سيتضرر الحزب لاحقًا، وسيجني ثمار « حزب الدولة العميقة » وسيثور الإسلاميون ضده.

السحيمي يؤكد أنّ الإسلاميين خاضوا حربا عسيرة ضد « البام » لأنه في نظرهم كان يمثل « حزب التحكم » و »حزب الدولة العميقة »، وجاءَ الربيع العربي مانحًا فرصة لعشيرة بنكيران آنذاك لتستقوي أكثر، مستغلة خطاب « التحكم » وجرى قصف « البام » بإمعان، وعادَ بنكيران لإخراج « خطاب مهاجمة عالي الهمة من قبعته السحرية، مذكرًا الجميع بأنّ حزب الأصالة والمعاصرة والذي كانَ على رأسه « صديق صديقُ الملك » إلياس العماري، جاءَ لمحاربة « الإسلاميين » بغاية الوصول للحكومة.

ومع انسحاب فؤاد عالي الهمة وعدد من شخصيات التكنوقراط والفاعلين المدنيين وحتى رجال المال والأعمال، ومنذ ذلك الحين، يتخبط « البام » في مشاكله الداخلية، وصراع القيادات ضد القيادة ثم « الأعضاء ضد الأعضاء »، وها هوَ اليوم باتَ جسدا منشطرا إلى جزأين يُعالج أعطابه « القضاء »، فتارة يمنح الشرعية لهذا التيار وتارة أخرى للتيار الآخر، ويرى الباحث في العلوم السياسية بشكل جازم، أنّ الصراع الحالي وسط البام مجرد « انشطارات » لتدابير وأحداث هزت كيان البام.

جرار دون سائق

يوم الأحد 15 ماي عام 2011، أعلنَ فؤاد علي الهمة استقالته من حزب « البام » وما تردد لاحقًا حولها هوَ أنّها فاجأت الكثيرين داخل حزب « الأصالة والمعاصرة » بمن فيهم المقربون من الهمة، كما أربكت حسابات العديد من الأعضاء المؤسسين والفاعلين من كوادر « البام »، خصوصا وأن الاستقالة لم يسبقها أيّ إشارات أولية، أو نقاش داخل أهم قيادات « البام »، ومنذ ذلك الحين، سيمضي « البام » وكأنّه ذلك « الجرار » الذي تخلى عنه سائقه.

ومنذ فشل الحزب في تصدر نتائج انتخابات 2011 ستزداد محنة « البام »، وذلك يعني فشل « المخطط الذي جاءَ من أجله الحزب »، هذا لو تم افتراض جدلا أنّ للبام « مخططا » و »خطة تدبير » صيغت بشكل « هرمي »، وإلاّ هنا يقول « أحمد حاقي » مؤلف كتابه الأخير « صيرورة المفارقة »، إنّ الترتيبات التي يُفترض أنها أجريت بين القصر والحزب لإعادة ترتيب المشهد الحزبي تطبعها الكثير من التكهنات. لذلك وصف هذا الحزب بأنه استمرار للسياسة التقليدية للدولة في خلق أحزاب سياسية، كانت تسمى بـ »الأحزاب الإدارية »، للتأثير في احتمالات اللعبة السياسية؛ وقد اتسمت السياسة الحزبية التقليدية بتدخل الإدارة لصالح الأحزاب المقربة من القصر وتزوير الانتخابات للحدّ من نفوذ أحزاب المعارضة والإسلاميين.

وبالنسبة إلى السحيمي، فإنّ « البام » خلق للمشاركة في الحكومة وتعبيد الطريق للاستحواذ على انتخابات 2021، غير أنّ الربيع العربي قلب كل شيء رأسا على عقب، و لاحقًا، يقول السحيمي، « وصلنا إلى وضع مثير للاهتمام، وهوَ أننا اصبحنا أمام حزب معد مسبقا لقيادة الحكومة، فيجد نفسه مضطرا للتقوقع في المعارضة، نفس الشيء وقع في 2016 إزاء قيادة الياس العماري، والجميع يعلم حجم الموارد التي خُصصت للبام آنذاك، فحصل على المرتبة الثانية في الانتخابات »، وكشفَ السحيمي أنّ شخصية إلياس العماري أكلت من « البام » الكثير، قائلا إنها شخصية معقدة، كانت تُشكل حاجزا إزاء هذا التطبيع الجديد الذي آل إليه البام، واعتبر السحيمي أنّ التحوَّل الجديد في البام ينقسم اليوم بين تيارين، أحدهما من الحرس القديم لإلياس العماري وبنشماش، وتيار آخر يرى في التحالف مع البجيدي تمهيدا للمشاركة في الانتخابات القادمة ».

ويرى عبد المطلب اعميار عضو المجلس الفيدرالي لحزب الأصالة والمعاصرة في تصريح لـ »أخبار اليوم »، أنّ « شرعنة التحالف مع العدالة والتنمية » في خرجات تبادل فيها البعض الأدوار بشكل مكشوف تسيء للعمل السياسي، وتستغل الصراع الداخلي في تحريف وتشويه تموقعات الحزب الراهنة ».

وقال في هذا الصدد إنّ هناك « توضيبا لمشاهد قيصرية » في أفق سنة 2021، مشيرًا إلى أنّ أدبيات الحزب وخطه السياسي المرحلي من اختصاص المؤتمر، ومن له وجهة نظر سياسية عليه أن يعبر عنها بوضوح دون حاجة للالتفاف على مقررات الأجهزة الحزبية، وإنه يتفق مع من قال إن هذا الموضوع فيه « الخفة »، ليضيف « فيه نوع من التهافت البليد »، حتى أضحى البعض يقدم الحزب وكأنه ملحقة للحزب الحاكم، « بعدما كنا نقول إن البام يشكل بديلا في المشهد السياسي ».

صراع قديم/ جديد

في ما مضى من عام 2019 سينفجر اجتماع اللجنة التحضيرية للحزب في ماي الماضي على وقع خلافات طاحنة، إذ في الوقت الذي أعلنَ الأمين العام رفع اجتماع اللجنة التحضيرية دون التوصل لاتفاق، أعلن التيار الآخر انتخاب سمير كودار، رئيسًا لها، فارتفعت حدة الانقسامات إلى أنّ تحوَّل الصراع إلى ردهات المحاكم لإصدار حكم يمنح أحد التيارين حق السهر على تنظيم المؤتمر الرابع للحزب.

منذ رحيل فؤاد عالي الهمة، واستقدام « لاعبيين جدد » وانفتاح البام على « فاعلين » يوجد غيرهم في باقي الأحزاب الإدارية، لم يتمكن «البام» من ضمان استقراره، إذ يتم تغيير الأمين العام كل سنتين، كأنه في حركة انتقالية، ما جعل الحزب يتعرض لزلزال تنظيمي، وتنازع مصالح قيادييه، فكل واحد يطلق مبادرة أو يضع مخططا لتطوير الحزب يتم إجهاضها لتغيير قادة الحزب على مستوى الأمانة العامة والمكتب السياسي وباقي المنظمات الموازية.

القيادة الجديدة، وأبرزها رئيس المجلس الوطني لحزب « الجرار »، « فاطمة الزهراء المنصوري » المحسوبة على « تيار المستقبل » تقول إنّ الحزب حصل على « وضع اعتباري داخل الحقل السياسي المغربي، وأثبت نفسه قوة اقتراحية وانتخابية، وكان مشروعه طموحا مناسبا لما يقتضيه تجديد العمل السياسي ببلادنا، ولكن أخطاءنا التنظيمية المتوالية، والصراعات على الزعامة بدون كفاءة في بعض الأحيان، وبدون وعي مسؤول بجماعية الانتماء للحزب، وتجاوز الأجهزة حينما تكون الحسابات شخصية، وعدم تحكيم قوانين الحزب في التسيير وتدبير الاختلاف، كلها عوامل جعلت حزبنا يغرق في هذه الأيام في مسلسل غير مشرف من الأخطاء ».

وأفاد السحيمي؛ « حاليًا يجري تطبيع حزب البام مع باقي الأحزاب الإدارية، لكي يُصبح وضع الحزب مثله مثل جميع الأحزاب الإدارية، بما فيه التطبيع مع حزب العدالة والتنمية »، واعتبر أنّ ما جرى في جهة الطنجة الحسيمة بعد تحالف « البجيدي » و »البام » نموذج لهذا « التوجه الجديد »، حيث جرى التصويت على فاطمة الحساني رئيسة لمجلس الجهة من طرف البجيدي.

وهوَ الشيء الذي يُلخصه القيادي في « البام » في تصريحه لـ »أخبار اليوم » عبد المطلب أعميار، بتهييء الشروط الذاتية والموضوعية الكفيلة بالذهاب إلى المؤتمر الوطني بشكل موحد، قائلا « لن نجلس كأطراف متصارعة، وإلا لن ننجح في كل الخطوات التي سنقدم عليها وقد نرجع لنقطة البداية، أما موضوع هذه الاتهامات داخل الحزب فينبغي أن يشكل موضوعا للمكاشفة والمحاسبة داخل القنوات العادية للحزب، والتهييء للمؤتمر يفترض تحقيق الحدود الدنيا المعقولة لتصفية الأجواء. وكل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته. ومن يعتبر نفسه معنيا بهذه التهم عليه أن يقدم تصريحا في الموضوع أو بيانا توضيحيًا.

لعبة المال و »المقاطعة » في « البام »

واصل قادة « البام » الجدد تبادل الاتهامات بينهم بالسطو على الحزب، وخدمة مصالح شخصية، وجمع المال وربح الصفقات، وخرق القانون، وحدث ذلك عبر تيار عبد اللطيف وهبي، أحمد اخشيشن، ومحمد الحموتي، وفاطمة الزهراء المنصوري، وسمير كودار، والمهدي بنسعيد، وتسعة أمناء جهويين، وأعضاء من شبيبة الحزب، والبرلمانيين والمنظمة النسائية، وتيار بنشماش، والعربي لمحرشي، والشيخ بيد الله، ومصطفى الباكوري، ومحمد بنحمو، وحسن بنعدي، وعبد المطلب اعميار، وآخرين من شبيبة الحزب ومنظمته النسائية وبرلمانييه.

ومع تعمق الأزمة، وجدَ الأمين العام للحزب نفسه في حالة عجز، إذ عجز عن الحسم في الطعون المقدمة ضد أعضاء في المكتب السياسي للحزب من طرف معارضيه، مما عمق أزمة الثقة التنظيمية في الجهاز القيادي للحزب، وتزكية الاتهامات المتعلقة بهيمنة تيار الريف على هياكله. ومن جهة أخرى عجزَ عن تفعيل العقوبات التأديبية ضد معارضيه والتي اتخذتها القيادة في حق عدد من قيادات الحزب الوطنية والجهوية والمحلية، وبرلمانيين ورؤساء جماعات، والتي أججت الغضب الداخلي في الجرار، ونتيجة للتمرد المذكور، برزت مقاطعة أزيد من 250 منتخبا للقاء التواصلي الخاص برؤساء الجماعات المحلية المنتمية للجرار والذي ترأسه الأمين العام للحزب بمراكش، ضمنهم الرؤساء الخمس للجهات التي يسيرها الجرار. مما يعني أن الأزمة تتجاوز الهيئات التنظيمية للحزب وما يرتبط بها من مشاكل لتشمل منتخبيه أيضًا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي