فتح قنصليات إفريقية في الصحراء.. خطوات رمزية لتكسير جمود التفاوض

23 يناير 2020 - 13:20

في الوقت الذي يسود فيه الترقب والانتظار بشأن تعيين مبعوث أممي جديد في الصحراء، شد المغرب الانتباه من خلال إقدام دول إفريقية حليفة أقدمت على فتح قنصليات لها في مدن الأقاليم الجنوبية، خصوصا مدينتي الداخلة والعيون، أبرزها لحد الآن، جزر القمر وغينيا والكوت ديفوار وغامبيا وإفريقيا الوسطى وسان تومي وبرنسيت.

هي خطوات تشير إلى أن المغرب لم يعد يقنع بسحب الاعتراف بجبهة « البوليساريو »، بل يتطلع إلى أن تعترف تلك بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال خطوات قانونية، مثل فتح قنصليات تعزز العلاقات وتثبتها.

للإشارة، يتم فتح القنصليات والبعثات الدبلوماسية وفق معايير وممارسات دبلوماسية تخضع للقانون الدولي، وأساسا، اتفاقية « فيينا » المنظمة للعلاقات القنصلية لسنة 1963، التي تنص على أن إقامة العلاقات القنصلية يكون بين الدول بـ »الاتفاق المتبادل ».

وفي الحالة المغربية، فإن الاتفاق بين تلك الدول والمغرب على فتح قنصليات فيه اعتراف وتوكيد السيادة المغربية على الصحراء.

وتختص القنصليات، وفق الاتفاقية ذاتها، بحماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها، وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وتمتين علاقات الصداقة بين الدولتين، علاوة على وظائف أخرى مثل الاستعلام بكل الطرق المشروعة وغيرها. 

وتعتبر دولة جزر القمر أول دولة قررت فتح قنصلية لها بمدينة العيون، منذ منتصف دجنبر الماضي، مرورا بالكوت ديفوار وغامبيا، وأخيرا غينيا كوناكري التي فتحت لها قنصلية في مدينة الداخلة، بوابة المغرب نحو إفريقيا الغربية. 

وجرى الافتتاح بحضور وزير الخارجية والتعاون الإفريقي، ناصر بوريطة، ونظيره الغيني مامادي توري. وبينما اعتبر هذا الأخير أن الخطوة الغينية « قرار سيادي » لدولته، كشف ناصر بوريطة عن خلفيات هذه الخطوات المتوالية، بقوله: « من يريد إيجاد حل في إطار السيادة المغربية التامة على الأقاليم الجنوبية، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة فمرحبا به، ومن لا يريد هذا الحل، فالقطار يسير، ومغربية الصحراء تترسخ يوما عن يوم، من خلال مواقف دبلوماسية، وتصرفات قانونية مثل فتح القنصليات، ومن خلال تصريحات متتالية لدول فاعلة، ومن خلال قرارات مجلس الأمن ».

 الأمر إذن، يتعلق بحجة إضافية تعزز السيادة المغربية على الصحراء تتمثل في « تصرفات قانونية مثل فتح القنصليات ».

تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي، أوضح أن « الدبلوماسية المغربية لاحظت أن ملف قضية الصحراء دخل مرحلة الجمود، وهو أشبه ما يكون بالمرحلة التي كانت قبل تقديم مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 ».

وأكد أن « الجمود ليس مستحسنا بالنسبة إلى القضية، خصوصا وأن أهدافه الأساسية من خلال تجميد أو طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي لم تأت بعد ثمارها، ولذلك، فهو يحاول بحث وسائل جديدة لتأكيد مفهوم السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، ليس من خلال الممارسة الداخلية المتمثلة في تقرير السكان لمصيرهم عن طريق مشاركتهم المكثفة في الاستفتاءات والاستشارات الانتخابية بكثافة عالية، بل، أيضا، عن طريق الرغبة في تأكيد هذه السيادة على الصعيد الدولي، من خلال إقامة قنصليات لعدة بلدان، وخاصة البلدان الإفريقية، في هذه المنطقة ». 

وأضاف الحسيني، وهو خبير في القانون الدولي، بالقول: « نعلم أن مفهوم السيادة الخارجية لا يمكن تزكيته إلا خلال القرارات الأممية، واعتراف المجتمع الدولي. لكن الدول التي سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو، تقف اليوم في منتصف الطريق، فيما يتعلق بتأكيد السيادة المغربية من عدمها، بل تعتبر أن الجميع سيذعن لقرارات مجلس الأمن بوصفه الطرف الوحيد المؤهل للبت في النزاع ». 

ومضى قائلا: « إن هذه الوضعية لم تعد ترضي المغرب، ويحاول استقطاب دول أجنبية من أجل فتح قنصليات لها في الصحراء، حتى يتعزز الاعتراف بالسيادة المغربية على المستوى الدولي، وليس فقط، على المستوى الداخلي ».

بيد أن الملاحظ هو أن الدول الإفريقية التي فتحت لها قنصليات في الصحراء حتى الآن، دول فقيرة وصغيرة، وليس بينها دول إفريقية وازنة في إفريقيا، ما يجعل تلك الخطوات رمزية وذات أهمية في الإشعاع الدولي والإقليمي للقضية، لكنه لن يؤثر كثيرا في النزاع، إلا إذا استطاعت الدبلوماسية المغربية إقناع دول أخرى أكثر تأثيرا في إفريقيا أو دول مؤثرة في العالم والمنطقة من خارجها للانضمام إلى المسار عينه، أي فتح بعثات دبلوماسية لها في الصحراء. 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي