حدود ضبط الدولة للمجال الديني في المغرب

13 فبراير 2020 - 08:00

منذ تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، أصبح المجال الديني يتصدّر أولويات الدولة، وتجلى ذلك في مؤشرات منها إصدار ترسانة قانونية وميكانيزمات مؤسساتية لضمان السيطرة الكاملة على هذا المجال. بيد أن هذه السيطرة لم تكن أبدا مطلقة. إذ لم تتمكن السياسات الدينية الرسمية من الحؤول دون خروج الاحتجاجات من داخل بعض المساجد، و»تمرّد» أئمة وخطباء دينيين، وممارسة الإسلاميين المعارضين لمواجهة مباشرة مع السلطات من داخل الحقل الديني. لقد نجحت سياسات إعادة هيكلة الحقل الديني بشكل كبير في تحييد المخاطر الأمنية المرتبطة بالفكر المتطرّف وتسلله إلى المساجد. إلا أن توالي أحداث التمرّد والعصيان ضد التوجهات الدينية الرسمية، سواء على المستوى الفردي أو الاحتجاج الشعبي، تكشف حدود هذه السياسات في فرض الاحتكار المطلق للخطاب الديني.

 

في 21 يناير 2020، نظّم العشرات من الأئمة والمرشدين الدينيين وقفة احتجاجية، تلتها مسيرة على طول شارع محمد الخامس وسط العاصمة المغربية الرباط. وكانت مطالب الأئمة المحتجين تهم تحسين أوضاعهم المادية.

ردّت الوزارة الوصية على هذه الاحتجاجات، بالحديث عن محرضين قالت إنهم يقفون وراء هذه التحركات، واصفة إياهم بالراسبين في بعض المباريات التي تنظمها الوزارة لتقييم مستوى الأئمة. واتهمت الوزارة المحتجين بمخالفة الظهير المنظم لمهام القيمين الدينيين، والذي ينص على رفع التظلمات إلى لجنة مختصة تابعة للمجلس العلمي الأعلى، عوض الخروج للاحتجاج في الشارع.

تمثل هذه الواقعة نموذجا لحدود ضبط الدولة للمجال الديني، لاسيما بعد إطلاق مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني منذ 2004 ، والذي سعى إلى بسط سيطرة الدولة على المجال الديني، باعتباره أداة فعالة لضمان المشروعية السياسية، وأيضا لمواجهة معارضي الدولة.

فمنذ تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، أصبح المجال الديني يتصدّر أولويات الدولة، وتجلى ذلك في مؤشرات منها إصدار ترسانة قانونية وميكانيزمات مؤسساتية لضمان السيطرة الكاملة على هذا المجال.

بيد أن هذه السيطرة لم تكن أبدا مطلقة. إذ لم تتمكن السياسات الدينية الرسمية من الحؤول دون خروج الاحتجاجات من داخل بعض المساجد، و »تمرّد » أئمة وخطباء دينيين، وممارسة الإسلاميين المعارضين لمواجهة مباشرة مع السلطات من داخل الحقل الديني.

الدين لله والدولة

يعتبر احتكار المجال الديني أحد الأدوات التي تعتمد عليها المؤسسة الملكية لتثبيت شرعيتها السياسية. فمنذ أول دستور مغربي، صدر عام 1962، أصبح الإسلام دين الدولة، كما أصبح الملك “أميرا للمؤمنين”. وقد استخدم الملك الراحل الحسن الثاني الدين كأداة فعالة في مواجهة “منافسيه” في الأحزاب السياسية، ولتكريس سلطته السياسية.

ولم تشهد هذه المقاربة قطيعة بعد رحيل الملك الحسن الثاني. فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب سنة 1999، عرف المجال الديني تطورا مؤسساتيا مهما، لاسيما بعد تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية، يوم 16 ماي 2003، والتي نتج عنها بروز سياسة رسمية جديدة، بات يطلق عليها « إعادة هيكلة الحقل الديني ».

فقد انتقل تعامل الدولة مع المجال الديني، من مقاربة اجتماعية اعتمدت على تحويل المسجد إلى مؤسسة تعليمية يجتمع فيها أبناء الحي لمحاربة الأمية، مما حوّل آلاف المساجد إلى مراكز لمحو أمية أكثر من مليوني مغربية ومغربي، إلى مقاربة أمنية جعلت من محاربة “التطرف” والجماعات الإسلامية المتشددة، أولوية للقائمين على الشأن الديني في المغرب.

ويظهر سعي الدولة إلى التحكم في المجال الديني، في إصدار ترسانة قانونية مهمة، يبرزها التطور اللافت في عدد الظهائر والمراسيم التي تؤطر الحقل الديني، والميزانيات التي جرى تخصيصها لإعادة هيكلة الحقل الديني.

إضافة إلى ذلك، جرى خلق مؤسسات رسمية لتأطير ومراقبة الحقل الديني، مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، ومؤسسة الأعمال الاجتماعية للأئمة والمرشدين الدينيين. وأصدرت الوزارة الوصية وثائق جديدة توضح الخطاب المسموح به داخل المساجد.

وتأكيدا للخلفية الكامنة وراء هذه التطورات، أي إحكام مراقبة الخطاب الديني، بادر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في أحد حواراته الصحافية، بمجرد سؤاله عن وضعية القيمين الدينيين، إلى القول إن القيّم الديني والإمام « ليس كأي مستخدم من المستخدمين، فهو ليس فنّيا فقط، بل هو خبير لكنه ملتزم فكريا وخلقيا ».

ربيع الفقهاء

بالرغم من محاولات الدولة بسط سيطرتها على المجال الديني، إلا أنها لاقت مقاومة من طرف الأئمة والمرشدين، وأيضا، من طرف عموم المواطنين وبعض الحركات الإسلامية. فقد استثمر الأئمة والخطباء أجواء الانفتاح السياسي التي عرفها المغرب سنة 2011، وموجة الاحتجاجات الشعبية التي عرفها المغرب، على غرار باقي المنطقة العربية، وخرجوا للشارع للمطالبة بتحسين أوضاعهم.

ففي شهر يونيو 2011، قام نحو 2000 إمام بالاحتجاج في قلب العاصمة الرباط، ضد ما اعتبروه تهميشا من طرف الوزارة الوصية للمساجد، وضد ما يعتبرونه تضييقا على الأئمة من طرف وزارتي الأوقاف والداخلية.

وفي مقابل بعض التسامح، الذي كانت السلطات تبديه في أغلب الاحتجاجات التي عرفتها العاصمة المغربية الرباط سنة 2011، فإن احتجاجات الأئمة قُوبلت بقمع قوي من طرف السلطات.

ورغم أن ما قدمته السلطات لتبرير قمع الأئمة المتظاهرين كان هو رغبتها في عدم تسييس المساجد، إلا أن وزارة الأوقاف، عمّمت خطبة رسمية على الخطباء لإلقائها يوم الجمعة 24 يونيو 2011 لحث المصلين على التوجّه إلى مكاتب التصويت على مشروع الدستور الجديد يوم فاتح يوليوز 2011.

وكشفت تلك الوقائع المتقاربة زمنيا تناقض موقف السلطة، فمن جهة، حثّت الخطباء والأئمة على عدم الخوض في المواضيع السياسية، وفي الوقت عينه دعتهم إلى الانخراط في الدعاية للمشاركة في الاستفتاء، بل وتوجيه المصلين نحو التصويت بـ »نعم » رغم أن القانون يمنع أية دعاية سواء لـ »نعم » أو « لا ».

ويمكن تفسير هذا التناقض بكون الوزارة الوصية لا تسعى في الراجح إلى تحييد المنبر الديني في المجال السياسي، بقدر ما تحاول جعله في خدمة السياسات الرسمية للدولة.

وأبان سلوك الدولة في الفترة اللاحقة لهذه الاحتجاجات، عن تعاط مزدوج مع المطالب والاحتجاجات التي رفعها الأئمة والخطباء في الشارع أثناء الحراك الشعبي سنة 2011. ففي مقابل حظر الانتماء السياسي والنقابي على الأئمة والخطباء ومنعهم من الاحتجاج، قامت الدولة بتوسيع تدريجي للتغطية الصحية والاجتماعية للقيمين الدينيين، ورفعت الحكومة، في يونيو 2013، من قيمة تعويضات الخطباء والمرشدين الدينيين، عبر تغيير شكل العقد الذي يبرم بين الدولة والأئمة أو المرشدين والمرشدات، وذلك بشملهم بوضع مماثل للنظام المطبق على هيئة المتصرفين 2013.

حرية تعبير الأئمة؟

لم يقتصر الاحتجاج القادم من داخل المجال الديني على فئة الأئمة والمرشدين، بل توالت حالات “التمرّد” من جانب بعض الخطباء الذين يخرجون في خطبهم الدينية عن دليل الإمام والخطيب – وهو دليل أعدته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بهدف توحيد التصورات والضوابط التي ينبغي على الإمام والخطيب الالتزام بها داخل المسجد –، وهو ما يؤدي، في بعض الحالات، إلى خروج المصلين للاحتجاج  بعد قيام السلطة بعزل بعض الأئمة والخطباء.

فقد لجأت وزارة الأوقاف إلى عزل عدد منهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم. وتكشف الإحصائيات الرسمية أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تصدر ما معدله 16 قرارا لتوقيف للأئمة والخطباء في السنة.

ففي العقد الممتد بين 2003 و2012، جرى إصدار ما مجموعه 157 قرار توقيف في حق خطباء وأئمة. ولا تخفي الوزارة الوصية خلفياتها السياسية في اتخاذ تلك القرارات، حيث جرى توقيف خطيب مسجد “مولينا” بالرباط شهر فبراير 2016، على خلفية خطبة تناول فيها واقعة سياسية في التاريخ الإسلامي تتعلق بالعلاقة مع اليهود. كما جرى توقيف خطيب مسجد “النهضة” بمدينة مراكش شهر يونيو 2016 بعد إلقائه خطبة انتقد فيها مهرجان “موازين »، وهو القرار عينه الذي اتخذ قبل ثلاث سنوات، والذي قضى توقيف خطيب شهير بمدينة فاس قبل ثلاث سنوات، والذي كان بدوره قد هاجم المهرجان الغنائي في إحدى خطبه.

وتبرر الوزارة أسباب عزل الخطباء بأسباب أهمها عدم التزام الأئمة بثوابت الأمة، يليها مبرر الخروج عن السياق الشرعي والخوض في الحساسيات السياسية، ثم عدم التزام الحياد في الانتخابات، وأخيرا، فقدان الأهلية الشرعية. فيما تعود توقيفات أخرى إلى السلوك الأخلاقي والإدانة القضائية لبعض الأئمة.

« عصيان شعبي » بسبب المنبر

تعبّر جل حالات توقيف الأئمة والخطباء، عن حالات “تمرّد” فردي للإمام أو الخطيب ورفض الامتثال للتوجيهات الرسمية، والتي تنتهي باتخاذ قرارات التوقيف. بيد أن “التمرد” يأخذ أحيانا أشكالا جماعية، حيث تكرّرت حالات احتجاجات المصلين مرتين على الأقل في السنوات الأخيرة، واحدة في قلب مدينة فاس، والثانية في إحدى قرى قلعة السراغنة ضواحي مراكش.

وتمثل الاحتجاجات التي عرفتها مدينة فاس في دجنبر 2016 أبرز هذه الحالات. فبعد قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، توقيف الإمام وخطيب الجمعة بمسجد يوسف بن تاشفين بمدينة فاس، محمد أبياط، خرج مصلون من المسجد محتجين ورافضين أداء الصلاة خلف الخطيب الجديد، مع ما يعنيه ذلك من تمرّد على السلطة الدينية للدولة.

أثار هذا الاحتجاج الجماعي للمصلين نقاشات استأثرت باهتمام الرأي العام، مع بروز تفسيرات حاولت إعطاءه بعدا سياسيا، لاسيما الاتهامات التي وجّهت لحركة التوحيد والإصلاح بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات. لكن الحركة المقربة من حزب العدالة والتنمية، سارعت إلى إصدار بلاغ نفت فيه هذه الاتهامات بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات.

أما في حالة قرية “أولاد الشيخ” قرب مدينة قلعة السراغنة سنة 2017، فقد أدت احتجاجات المصلين ضد تغيير السلطات الوصية لخطيب المسجد إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن. وقد استمرت احتجاجات لمدة شهرين قاطع خلالها السكان صلاة الجمعة في المسجد المعني. وانتهت هذه الواقعة في المحاكم عندما جرت إدانة 20 شخصا، من بينهم نساء، بما بين غرامات مالية وسنة حبسا بتهمة مهاجمة قوات الأمن.

« الفتنة » في المسجد

بمناسبة الحراك الشعبي الذي عرفته منطقة الريف شمال المغرب، عاش “الإسلام الرسمي” تحديا جديدا، بدءا من أكتوبر 2016.

فقد شهدت تلك الاحتجاجات تحولا لافتا في مسارها، بسبب خطبة ألقاها خطيب الجمعة من داخل أحد مساجد الحسيمة يوم 26 ماي 2017، وتحدث فيها عن ضرورة تجنب الفتنة، وهو ما أدى بناصر الزفزافي – وهو أحد قادة الحراك البارزين – إلى الاحتجاج على توظيف المسجد من طرف السلطة وانتقد خطيب الجمعة الذي ألمح إلى اعتبار الحراك الاجتماعي فتنة يجب إخمادها.

لقد اعتبر نشطاء حراك الريف خطبة الجمعة هذه بمثابة استفزاز لهم، واستغلالا للدين من طرف الدولة بهدف تصفية حسابها مع خصومها السياسيين، وتسخيرا لأماكن العبادة من أجل إخماد حراك اجتماع سلمي و »توظيف المساجد والخطباء في زرع الفتنة وتصفية الحسابات السياسية مع المواطنين ».

وتجلى هذا الموقف الاحتجاجي من جانب النشطاء ضد الخطبة الدينية الرسمية، في مقاطعتهم لخطبة الجمعة في الأسبوع الموالي، وأدائهم الصلاة في الشارع العام خارج المساجد الخاضعة لسلطة الدولة.

ويؤكد هذا السجال الوظيفة السياسية التي يحتفظ بها الخطاب الديني الرسمي، خاصة خطبة الجمعة، حيث يؤكد الباحث في علم السياسة، محمد شقير، أن “خطبة الجمعة كانت وستبقى في إطار النظام السياسي بالمغرب آلية من آليات تكريس الشرعية السياسية والدينية للملك كأمير للمؤمنين ».

فقد اعتبرت الدولة سلوك الزفزافي تدنيسا لقداسة المسجد واتهمته بخلق الفتنة، وذلك من خلال بيان رسمي أصدره الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمدينة الحسيمة، تضمن قرار اعتقال الزفزافي بمعية مجموعة من الأشخاص، بتهمة عرقلة حرية العبادات داخل مسجد محمد الخامس بالحسيمة.

وشكلت هذه الواقعة لحظة فارقة في مسار “حراك الريف”، حيث فجّرت الأوضاع وأطلقت الدولة يد المقاربة الأمنية لتقوم بالاعتقالات والمحاكمات بعد تردد طويل. وكرد فعل على تحرّك السلطات لتوقيف ناصر الزفزافي، أطلق نشطاء حراك الريف دعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة خطبة الجمعة التي ألقيت في الأسبوع الموالي لتلك الخطبة، كتعبير عن رفض استخدامها في وظيفة أمنية. وتكررت دعوات المقاطعة هذه في الأسابيع الموالية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وإن بوتيرة أقل.

معارضة دينية منظمة

إذا كانت جلّ الاحتجاجات المرتبطة بالحقل الديني تتسم بطابع فردي أو تلقائي، فإن الوضع مع جماعة العدل الإحسان مختلف. حيث تتهم هذه الجماعة الإسلامية المعارضة السلطات المغربية بكونها تستهدف الخطباء والأئمة المنتمين أو المقربين منها بقرارات التوقيف والعزل. وتحدّث بيان صادر عن الجماعة صيف 2016، عن تعرّض خطباء مقربين منها لعمليات تضييق وضغط انتهت بالتوقيف وتشمل كل من « تُشَم فيهم رائحة العدل والإحسان ».

ورغم تسامح “محدود” للسلطات مع بعض أعضاء الجماعة في مجال التأطير والإمامة الرسميين، إلا أن لعبة شد الحبل بين الطرفين تزداد كلما تعلق الأمر بشعيرة الاعتكاف الرمضاني، ومواكب الاحتفال بالمولد النبوي.

ففي شهر رمضان من كل سنة، تتجدّد المواجهة بين جماعة العدل والإحسان والسلطات، بسبب محاولة الجماعة تنظيم اعتكافات في بعض المساجد خلال شهر رمضان، ما يدفع الدولة إلى استخدام القوة العمومية لطرد المصلّين، وهو ما توظّفه الجماعة بشكل مكثف لإحراج الدولة وإظهارها في موقف المعيق لممارسة الشعائر الدينية.

وتمثل ذكرى المولد النبوي مناسبة أخرى للتوتر بين الدولة وجماعة العدل والإحسان. إذ تعمل الجماعة على تنظيم مواكب جماعية في بعض المدن للاحتفال بالذكرى. إلا أن السلطات في الغالب تمنع هذه الأنشطة، وهو ما تصوره الجماعة على أنه تدخل للدولة لمنع ممارسة الشعائر الدينية. وتعمل الجماعة على توثيق الحالات التي جرى فيها منع مواكب الاحتفال بالمولد النبوي، وتنشر أشرطة مصوّرة لمشاهد تدخّل القوات العمومية ضد المحتفلين المسالمين، ما يضع السلطات في موقف يناقض ما تبرّر به احتكارها السلطة الدينية، أي ضمان حرية ممارسة الشعائر.

لقد نجحت سياسات إعادة هيكلة الحقل الديني بشكل كبير في تحييد المخاطر الأمنية المرتبطة بالفكر المتطرّف وتسلله إلى المساجد. إلا أن توالي أحداث التمرّد والعصيان ضد التوجهات الدينية الرسمية، سواء على المستوى الفردي أو الاحتجاج الشعبي، تكشف حدود هذه السياسات في فرض الاحتكار المطلق للخطاب الديني.

وقد أدى استغلال الدولة للمساجد لتمرير مواقفها وقراراتها الرسمية إلى نتائج عكسية، حيث تسببت بعض الخطب الدينية الرسمية في إشعال فتيل الاحتجاجات.

كما أن أشكال الاحتجاج التي كانت تقتصر فقط، على إبراز المطالب الاجتماعية والاقتصادية، امتدت إلى المجال الديني، وأصبحت مقولة “الإسلام الرسمي” موضع تساؤل، وهو ما يشكل تمردا ينبئ بحدوث تحولات مستقبلية في تنامي الوعي المجتمعي بأن التدبير الرسمي للمجال الديني بشكل سلطوي قد يؤدي إلى خلق توترات بين المؤمنين.

من هنا، فإن منع استغلال الدين لأغراض سياسية وانتخابية، ينبغي أن يرافقه حياد الدولة التام في التعاطي مع الحقل الديني، وعدم سقوطها في توظيفه كأداة لكسب الصراع السياسي، باعتبارها ضامنا لحرية ممارسة الشعائر والطقوس الدينية لجميع المؤمنين، المسلمين منهم وغير المسلمين.

*باتفاق مع المعهد المغربي لتحليل السياسات

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي