عبداللطيف وهبي يكتب: السيدة كورونا والأحزاب السياسية 2/2

15 أبريل 2020 - 19:57

(الشعوب ليست برجالها، بل بالقيمة التي تعطيها لرجالها) نيتشه

أحد في السياسة يمتلك عذرية أخلاقية أو زعامات حصرية، أو الانزلاق ببناء تحالفات فوقية مسعاها هو التنافس على المواقع داخل المؤسسات، وتحويل هذه الأخيرة إلى عمل إداري روتيني يفتقر لحرارة الواقع والإعمال الفعلي للدستور أو تهميش للقوى السياسية الوطنية الفاعلة لفائدة بعض البيروقراطيين الآتين من عالم المال والأعمال، حاملين معهم أرقاما وتصاميم نظرية سرعان ما تهوى أمام عناد الواقع وإلمام السياسي به.

كل ذلك يشكل طبيعة الديمقراطية التي تكره التقنية المجردة لفائدة النقاش العمومي الذي يخلق الحوار المؤسس للاستقرار السياسي.

وهذا ما يجعل الديمقراطية مجالا للسياسة، والتقنية مجالا للبيروقراطية التي سرعان ما تتحول إلى نوع من «الاوليغارشية» الرقمية.

فالبيروقراطي لا يمكنه إلا أن يكون مساعدا للسياسي، لا أن يحتل مكانه لأن الأرقام والتصاميم وإن كانت معادلات رياضية، فإنها تختلف دلالتها الزمنية وطبيعة أولوياتها بين البيروقراطي والسياسي.

أما ما يهم وضعنا السياسي اليوم المتجسد في قيادة ملكية وطنية تواقة للمزيد من الديمقراطية، وفي ظرفية اقتصادية واجتماعية تدعو إلى بدائل جديدة اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، وممارسات حزبية متقدمة وجريئة تعبر عن الثقة في الذات والقدرة على الإنصات للحلفاء والخصوم على السواء، فالسياسي الماهر ليس هو من يتكلم، بل هو من ينصت، لأن الواقع يتحدث بهمس.

والعظماء هم فقط، من لهم القدرة على السماع لحثيث وأنات الشعوب.

وأمام إقبال العالم من حولنا على أهبة تحولات قوية وعميقة، فإن النخب الحزبية المغربية أمام ضرورة انبعاث جديد، لضخ نفس جديد في هياكلها التنظيمية وإعطاء السياسة توافقات حديثة وفق تصور يخدم الوطن، وتحليل خلاق للبدائل الاجتماعية.

ولعل هذا الحكم يهمنا ذاتيا وليس من موقع إعطاء الدروس لأي كان، فالتاريخ دائما هو الفيصل، والأحزاب لا يمكن أن تكون قوية وفاعلة إلا إذا حافظت على استقلاليتها.

إن الحرية، كما يقول هيغل، هي الضرورة. وفي المغرب، الضرورة اليوم، هي جعل اختلافاتنا قبل اتفاقاتنا ثراء للوطن، والإيمان بأن الزعيم وحزبه لا تتحقق قيمتهما إلا عند خدمة قضايا التنمية التي يأملها المغرب ملكا وشعبا.

إنها ضرورة التخلي عن أنانية المواقع والهرولة وراء المناصب والطمع في أرباح ذاتية وعابرة، وتكون في أحايين أخرى ظالمة للشعب.

أصبح من الضروري إرجاع السياسة إلى أصلها النبيل، الكامن في مواجهة مشاكل المجتمع وإرهاف الإحساس بالواقع، وعدم الاكتفاء بقراءة تقارير دولية حول اختلالات هنا أو هناك، نحن المغاربة أكثر علما بها وبتداعياتها على الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين.

فأنا مقتنع أنه لا يفهم المغرب إلا المغاربة، ولا يمكن أن ننجح في حل مشاكلنا إلا إذا كانت الحلول وطنية نعبر عنها بكل جرأة ونزاهة ودون حسابات سياسوية ضيقة، لكون القيادات الحزبية هي النموذج، وإذا سكتت فمن تنتظره أن يتكلم؟!

لذلك، فلن ننجح إلا إذا كنا مواطنين مغاربة داخل أحزاب مغربية تشتغل في ظل ديمقراطية مغربية وبوسائل مغربية وجرأة وطنية.

إن هذا الفيروس أو السيدة كورونا لن نقضي عليها إلا بتلك الأيادي المغربية التي لا نستطيع أن نوفيها حقها ولتقبل منا جزيل الشكر وأوفاه.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

JAM Rachid منذ 3 سنوات

Bravo, le PAM se métamorphose

said saadi منذ 3 سنوات

جميل هذا الكلام خصوصا الديموقراطية المغربية ’فهل حزبكم مشروع في هدا الاتجاه لان الديموقراطية الممارسة في المغرب اليوم هي ليست مغربية بل هي منسوخة عن البلدان الغربية و اتبت التاريخ عدم نجاعتها في بلادنا بالرغم من الاموال التي تبتلعها نحن في انتظار الديموقراطية المغربية التي تحقق العدالة الاجتماعية و تراعي الهوية المغربية

باسو منذ 3 سنوات

جعجعة و خوار لا يتعب حتى في عز كورونا هلا سكتت دهرا لألا تزيد من أوجاعنا

التالي