ستيجلز: هناك فج عميق بين الطبقة السفلى والطبقة العليا -حوار

07 يونيو 2020 - 07:00

في هذا الحوار، ينتقد الاقتصادي الحائز جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2001، جوزيف ستيجلز، المزداد بإنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1943، «اليد الخفية» التي تتحكم في الأسواق وفي توزيع الثروة في المجتمعات، ويدعو إلى تدخل الدولة في الاقتصاد بهدف تحقيق التنمية العادلة. لكن كل هذا لن يتأتى من فراغ، بل عن طريق نضال الشباب من أجل تغيير السياسة جذريا، وهذا التغيير المنتظر سيؤدي إلى خلق مجتمع جديد، وعقد اجتماعي جديد، وديمقراطية جديدة، واقتصاد جديد.

في كتابه الأخير: «رأسمالية تقدمية.. جوابا عن عصر عدم الرضا»، يرى أنه على الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز اقتصاد المستقبل.. الاقتصاد الأخضر، لذلك، يعتبر جائحة كوفيد-19 فرصة من ذهب من أجل إصلاح الرأسمالية في صيغتها الحالية، كما صب جام انتقاداته على الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة دونالد ترامب.

 

ما هي التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة علينا؟ نحن ندرك أن هناك تفاوتات اجتماعية هائلة، فهل سيزداد الفقر؟

إن الطريقة التي تدبر بها الحكومة الأزمة الحالية تخيفني. أخشى أن تبلغ التفاوتات الاجتماعية مستويات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أن 30 مليون مواطن فقدوا وظائفهم. هناك فج عميق بين الطبقة السفلى والطبقة العليا، وبين الأجراء الذين يمكنهم الاشتغال عن بعد من المنزل باستعمال التقنيات الحديثة، والعمال الذين يوجدون في الصفوف الأمامية للإنتاج، والعمال ذوي الدخل الأدنى، والذين يفقدون وظائفهم بشكل متباين. ما الذي نقوم به لتسديد رواتبهم؟

طيب. وما الذي يمكن الحكومات في مختلف دول العالم القيام به لمواجهة مثل هذه الأزمة؟

تنشطر هذه الأزمة إلى شطرين؛ إنها أزمة صحية وأزمة اقتصادية، علما أن الأولى تسببت في الثانية، ولكن يمكن أن تتحول إلى أزمة نظامية. في الشق الصحي، من الواضح جدا أن الدول التي تتوفر على أنظمة صحية عمومية جيدة، ونظام علمي متقدم، والكثير من المستشفيات، يُمكنها إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس بشكل سريع، كما أن لديها قدرة أفضل على مواجهة هذه الأزمة. وهذا هو الشيء المؤلم في الولايات المتحدة الأمريكية. فأمريكا دولة غنية، وكان عليها الاستثمار في الاستعداد لمثل ظروف كهذه، لكنها كانت تستثمر في الاستعداد للحرب؛ الحرب الخطأ. وفوق هذا وذاك، يمعن الرئيس دونالد ترامب في قول إنه من المهم تقليص الاستثمار في العلوم. إنه يفكر في كيفية تقليص الميزانية المخصصة لمركز مراقبة الأوبئة، وذلك جزء من الرد الحكومي على كيفية مجابهة الأمراض المعدية، وهذا خير دليل على عدم الاستعداد لمواجهة هذه الأزمة.

وعلى عكس أمريكا، أدركت بلدان أخرى، مبكرا جدا، الخطر الذي تشكله أوبئة مثل «سارس» و«إيبولا». كنا نعرف أن هناك إمكانية لتجنب ما يحدث الآن؛ كنا ندرك أنه لا توجد ذريعة لدى إدارة ترامب لكي لا تكون مستعدة. هذا مثال واحد عما يحدث عندما تتجاهل العلم. كما أن هناك بلدانا ليست غنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من البديهي أنها لا تستطيع الاستثمار في العلوم كما أمريكا، لكن تلك البلدان استطاعت أن تجري اختبارات وتحاليل اعتمادا على الأبحاث العلمية المتاحة للعموم، ما سمح لها بالاستعداد لمواجهة هذا الخطر.

قلتم إن السياسات التي تبناها ترامب هي شبيهة بسياسات العالم الثالث. ما هي الإجراءات المنتظرة من دولة غنية بحجم الولايات المتحدة الأمريكية؟

أعتقد أن رد الولايات المتحدة الأمريكية على الأزمة كان سيئا إلى درجة أنه يدعو إلى الخجل. وعلى عكس ترامب، قام حاكما ولايتي واشنطن وكاليفورنيا بعمل جيد جدا، وقل الشيء ذاته عن حاكم نيويورك. أعتقد أن ما نراه في العالم بأسره هو تعدد أنواع الزعامات. مثلا، جنوب إفريقيا لديها قيادة جيدة، حيث استطاعوا الاستجابة بشكل فعال لتحديات هذه الأزمة، لأنهم يثقون في العلم ولا يتوجسون منه، بل يعتبروه حلا للأزمة. كما أن كوريا الجنوبية، التي لا تعد دولة غنية كأمريكا لكنها أكثر غنى من الكثير من الدول النامية، قدمت واحدة من أكثر الاستجابات المدهشة بشأن الأزمة بصفتها حكومة ديمقراطية. يبدو أنهم استطاعوا السيطرة على الجائحة، رغم أنه لا شيء مؤكد ومضمون، لأننا نعرف القليل جدا عن هذا الفيروس التاجي المستجد.

وبالعودة إلى أمريكا، ربما يتجلى الأمر المقلق جدا في الاستجابة الأمريكية، في الشق الاقتصادي، في أنها لم تستطع حماية وظائف الناس. لقد فقد 30 مليون مواطن وظائفهم، أي أكثر بكثير من أعداد من فقدوا أعمالهم في أوروبا.

في نظركم، ما الذي يجب على الحكومة الأمريكية القيام به لاسترجاع الوظائف المفقودة؟

بكل تأكيد أن ما سيحدث بعد السيطرة على الفيروس -لا نعرف متى سيكون ذلك- سيخلق الكثير من اللايقين. ستكون كشوف الميزانيات العمومية للسكن صعبة للغاية، والشيء نفسه بالنسبة إلى المقاولات. سيعيش الناس مخاوف مالية شديدة، وستكون هناك حاجة إلى دعم حكومي قوي، وسيتكون هناك حاجة، بسبب ارتفاع التفاوتات الاجتماعية، إلى أنظمة للتغطية الصحية والضمان الاجتماعي قوية جدا. أشعر بخيبة أمل لأن الحكومة توزع الكثير من الأموال التي كان يمكن استثمارها في تعزيز اقتصاد المستقبل؛ الاقتصاد الأخضر. إنها أزمة لا تقبل إهدار الوقت ولا تبديد الأموال. يمكننا توظيف الأموال في دعم الاقتصاد الأمريكي ليصبح أكثر خضرة، وأكثر تضامنا. للأسف، لا نقوم بهذا الشيء. إننا نزيد المشاكل قتامة وتعقيدا.

ما هي الاقتراحات التي يجب على المرشح الديمقراطي جون بايدن (في الغالب) التقدم بها لمواجهة ترامب في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في نونبر المقبل؟

أعتقد أنه، على جميع المستويات، ستدور هذه الانتخابات حول الديمقراطية والأخلاق والعلم والثقة. أولا، وقبل كل شيء، جون بايدن شخص محترم جدا، وهي الصفة التي يفتقر إليها ترامب. فهذا الأخير يحكم على أساس التفرقة والاستقطاب؛ وذلك نتيجة لكونه غير كفء. ليس هناك أي سبب يجعل أمريكا تعاني صحيا واقتصاديا كما يحدث حاليا. كانت هناك سياسات يمكن تبنيها. وهنا وجب التذكير بأن آخر رئيس جمهوري ترك لنا أزمة النظام المالي سنة 2008، والرئيس الجمهوري الحالي ترك لنا أزمة كوفيد-19. آمل أن يدرك الأمريكيون أن هناك طريقا آخر. في 2008، كان هناك دعم هائل لخيار سير البلاد في اتجاه آخر (غير الاتجاه الجمهوري)، لذلك، فأنا لدي الثقة في أننا سنواصل في 2020 مسار الاتجاه الآخر، الذي أصبح ضروريا بالأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الشهور الأخيرة.

بماذا تنصح ملايين الشبان والشابات الذين فقدوا الأمل في مستقبل اقتصادي أفضل في ظل هذه الأزمة؟

أعتقد أن الشيء الذي يجب عليهم القيام به هو النضال من أجل تغيير السياسة، لأنهم إذا ناضلوا بشكل جيد ونجحوا في تحقيق مبتغاهم، فإننا سنتمكن من خلق مجتمع جديد وعقد اجتماعي جديد، وديمقراطية جديدة، واقتصاد جديد. ووجب التذكير بأنني خصصت فصلا كاملا في كتابي لهذه النقطة. يمكن الشباب أن يخلق اقتصادا جديدا، وأن يرفع مستوى جودة حياة الجميع، وأن يحقق تقاسم الازدهار والتنمية. لكن كل هذا لن يكون دون تغيير سياسي جذري.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

محمد جام منذ 3 سنوات

يجب على الدول أول إزالة نمط التنقل و الكل يريد تغيير المكان و البحث عن ماهو بعيد رغم هناك بدائل قريبة. مما سيخلق معه الشعور بالراحة و الطمأنينة و ربح الوقت.

التالي