محمد جليد يكتب: تخمة التقارير!

01 يوليو 2020 - 18:00

ما يصدر حول المغرب من تقارير، سواء من داخله أو من خارجه، لا حصر له. إذ يكاد لا يمضي أسبوع حتى يصدر واحد أو اثنان، حول هذا الموضوع أو ذاك، حتى باتت وتيرتها اليوم تصيب بالتخمة، وصارت كثرتها تبعث على الحيرة. وآخر من حار بشأنها إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، الذي اشتكى أخيرا الإهمال الذي تنتهي إليه تقارير هذا المجلس، «رغم أهميتها للمغرب ولاقتصاده».

في الحقيقة، لم يكن جطو وحده من اشتكى مصير التقارير، بل سبقه إلى ذلك أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي تأسف لأن المغاربة لا يقرؤون تقارير مجلسه، عندما حل بمعرض الكتاب الأخير في الدار البيضاء، مرفقا بكل طاقمه، ليعرض أمام «القراء» تقريرا مهلهلا حول واقع القراءة في المغرب، يمكن أن يعده أي طالب بجهد فردي. لكن، لمَ يشتكي هؤلاء المسؤولون إهمال تقاريرهم «المهمة للمغرب ولاقتصاده»؟

يمكن المرء أن يتأمل هذه «الشكوى» الرسمية، بعيدا عن واقع القراءة العنيد الذي لا يرتفع، وبصرف النظر عن طابعها البوليسي المثير للشكوك. ثمة مفارقة غريبة تسم عموما التعاطي مع التقارير الرسمية. فعلى سبيل المثال، لا تعنى الحكومة إلا بالتقارير الأجنبية التي تنتقد المغرب في مجالات حقوق الإنسان وانتهاك حريات الفكر والتعبير والصحافة، وصعوبة الانتقال الديمقراطي، والثقة في المؤسسات الحكومية والبرلمان، وترهل الأحزاب، وضعف العمل السياسي، وضعف الأداء الحكومي، الخ. إذ يُلاحَظ سعي الحكومة في الغالب إلى الرد على هذه التقارير، عن طريق الناطق باسمها، أو عبر إصدار بيانات، أو عبر استغلال الحق في الرد. هنا، يمكن أن نضرب المثل بالتحرك الحكومي القوي للرد على التقارير الدولية الصادرة حول المحاكمات المثيرة للجدل منذ سنة 2017 إلى اليوم. في المقابل، لا تحظى التقارير المحلية بهذا الامتياز، حتى وإن كانت صادرة عن أشد المنظمات اعتراضا على قرارات الحكومة.

من جانب ثان، عندما تركن هذه التقارير، خاصة تلك التي تكشف الاختلالات والتجاوزات وحالات الفساد والتعسفات وغير ذلك، في الزاوية، دون أن تحال على المحكمة، أو حتى إذا أحيلت عليها، لا تتخذ فيها أحكاما حاسمة، فإن الأمر ينتهي، في آخر المطاف، إلى اعتياد تجاهلها وإهمالها. إذ ما الغاية من إصدار تقرير لا تأخذه الجهة الرسمية بعين الاعتبار، حتى وإن كان صادرا عن مؤسسة من مؤسساتها؟ أم إنه لا ينظر في المسألة إلا إذا تعلق الأمر بتصفية حسابات سياسية؟ لا حاجة لنا هنا بالتذكير بالتقارير التي صدرت عن المجلس ذاته بعد انتهاء الولاية الحكومية التي ترأسها جطو نفسه. ولا حاجة لنا كذلك بالتذكير بحالة خالد عليوة التي أخذت على محمل الجد، وكذا الصورة التي انطبعت في أذهان الجميع بعد أن غادر أسوار السجن، ولم يعد إليه حتى اليوم لاستكمال عقوبته.

من جانب آخر، يمكن المرء أن يتساءل كذلك: ألا تحمل هذه التقارير علتها في ذاتها؟ ألا تكمن في أسلوبها ولغتها ومنهجها؟ صحيح أن هذه التقارير متاحة للجميع على الحاملين الورقي التقليدي، والرقمي الحديث، وأحيانا باللغتين العربية والفرنسية، إلا أن لغتها الجافة، المحملة أحيانا بمفاهيم غامضة تلتبس حتى على من كتبوها، والمدججة بالأرقام والإحصائيات الكثيرة والمتداخلة، لا تساعد على قراءتها، فما بالك بإدراكها وتفكيكها إلى لغة بسيطة قابلة للنقاش والتحليل. لا بد من التذكير هنا بأن هذا الغموض كان وراء إقدام مؤسسات الأمم المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى الاستعاضة عن منهج تحرير التقارير بآخر أكثر وضوحا ويسرا يفتح باب الاستفادة على مصراعيه لجميع شرائح القراء.

إذ لا بأس أن يجلس رؤساء هذه المؤسسات الدستورية -وحتى وزراء حكومتنا ومسؤوليها السامين- إلى طاولة التكوين المستمر لتعلم هذا المنهج الجديد.

وإذا كان للمرء أن يجد تبريرا مقنعا لشكوى رضا الشامي في ضعف منسوب القراءة عند المغاربة أو جهل كثير منهم بدور مؤسسته، بل هناك من يجهلون حتى وجودها، فإن شكوى إدريس جطو، الموجهة إلى الحكومة، تثير العديد من الأسئلة، على نحو ما أثارته شكوى رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من «التماسيح والعفاريت»، وهو الرجل الثاني في هرم الدولة، القادر على تحريك جميع المساطر القانونية والقضائية في حق المفسدين. كذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس الحسابات، أو غيره من المؤسسات الدستورية الأخرى، القادرة على فضح الفساد ورفع تقاريرها إلى المعنيين بها، لكنها عاجزة عن تحريك مسطرة القضاء.

إن الأمر ليبعث على الحيرة في حالتي رئيس الحكومة ورئيس المجلس. من جانب ثان، صحيح أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي يتشكل أساسا من القضاة، تسلط الضوء، بكل تجرد وحياد، على واقعنا السياسي والاقتصادي، وما يشوب الإدارات والمؤسسات من فساد وتلاعبات وسوء تدبير، لكن عيبها يكمن في أنها تبقى صورية، شأنها شأن مجموعة من المؤسسات الصورية التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا. بل يخشى أن يصبح مصير المجلس الأعلى للحسابات الآن، بعد شكوى جطو، أشبه بما آلت إليه الأمور في مجلس المنافسة، بعدما اشتكى رئيسها السابق، عبد العالي بنعمور، وضعه القانوني والإداري المجمد.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مرافعة مواطن منذ 3 سنوات

أول و اهم الأدواء و العلل التي أصابت المغرب هي اللوبي الفرنكوفوني ... لقد ورد في مقالك هذا أن التفارير تصدر باللغة العربية و كذلك بلغة ماماهم فرنسا ... و هنا مربط الفرس ... قد يبدو الربط غريبا ... لكن لنبسط الأمر و لو من ناحية واحدة مجلس لا يحترم دستور البلاد ماذا بُنتظر منه ... المفروض أن تصدر التفارير باللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد فقط ... , أما إدا كانت هناك ضرورة لمخاطبة جهات في الخارج فاللعة الإنجليزية أولى ... المسألة تدليل "دلع" لأعضاء حزب فرنسا و اللوبي الفرنكوفوني و لماماهم فرنسا ، المتحكمين في كل شيء في هذه البلاد السعيدة لإطلاعهم غلى شادة و فادة و على كل ما يدور ... و ما حادث مع رئيس لجنة التنمية شكيب بن موسى و سفيرة فرنسا ببعيد ــ دون الحديث عن مكونات هذه اللجنة نفسها ــ داء المغر ب العضال هو اللوبي الفرنكوفوني و حزب فرنسا ، سرطان لا علاج له إلا الاستئصال بعد ذلك ستجد التقارير من يوليها الاهتمام اللازم ...

التالي