موقع إلكتروني بربع مليار.. صفقة فاسدة أم تصفية حسابات؟

01 يوليو 2020 - 21:01

وجد رشيد الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة السابق نفسه، في قلب زوبعة إعلامية مؤخرا، بعد تسريب وثيقة منسوبة للمفتشية العامة للمالية، حول صفقة إنجاز موقع إلكتروني، لتدبير عمليات التخييم، بقيمة تناهز 250 مليون سنتيم، وهو مبلغ وصف بالمبالغ فيه. الأمر وصل حد مطالبة فريق لأصالة والمعاصرة بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق.

ويتعلق الأمر بوثيقة من صفحة واحدة انتشرت عبر عدة مواقع، تشير إلى أنه في 2019 أبرمت وزارة الشبيبة والرياضة اتفاقية مع “الجامعة الوطنية للتخييم” لإنجاز موقع إلكتروني وطني مخصص لعمليات التخييم وتحديد طريقة تمويله، كلف 250 مليون درهم، وعنوانه  Vacances.gov.ma.

وجاء في الوثيقة أنه جرى تسجيل الملاحظات التالية على هذا المشروع، أولا، من الناحية القانونية “لم يتم احترام قانون الصفقات العمومية”، بحيث جرى تفويت الصفقة بشكل مباشر لإحدى الشركات دون طلب عروض. ثانيا، أن الوزارة “ليس من حقها تفويض الصفقة للفدرالية الوطنية للتخييم. ثالثا، الموقع المذكور يتضمن معالجة معطيات شخصية للمستفيدين ويدخل ضمن صلاحية الوزارة. رابعا، أن الموقع الإلكتروني “لا يحترم ميثاق المواقع الإلكترونية المؤسساتية”، الذي نشرته وزارة التجارة والصناعة بناء على دورية لرئيس الحكومة. خامسا، أن الموقع لا يحترم القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والذي ينص على تخصيص مساحة تسمح بموافقة المستفيد القبلية. كما لوحظ أن هناك مشكلا في “الحماية الأمنية للموقع” الذي يتضمن معطيات مفتوحة مثل الاستمارات. سادسا، بخصوص صيانة الموقع ورد في الملاحظات، أن عقد الصيانة يجب أن يكون موضوع صفقة لمدة ثلاث سنوات. وأخيرا، سجلت الوثيقة أن قيمة صفقة إنجاز الموقع المحددة في 250 مليون سنتيم “مبالغ فيها”، مقارنة مع مواقع أخرى للوزارات.

فما مدى صحة هذه الوثيقة؟ وما مدى صحة المعطيات الواردة فيها؟ “اليوم 24″، حاول البحث في حقيقة الوثيقة من مصادر في الجامعة الوطنية للتخييم، كما اتصل بوزير لشباب والرياضة السابق رشيد الطلبي العلمي، فحصل على المعطيات التالية:

أولا، أن المفتشية العامة للمالية تشتغل فعلا على إنجاز افتحاص لعمليات التخييم، لكنها لم تكمل تقريرها بعد، ولم ترسله للوزارة. يقول رئيس الجامعة الوطنية للتخييم محمد القرطيطي، لـ”اليوم 24” إن “مفتشية المالية طلبت خلال الأيام القليلة الماضية الحصول على وثائق صفقة إنجاز الموقع الإكتروني”.

ثانيا، يؤكد القرطيطي، أن هذا الموقع جرى الشروع في إنجازه سنة 2018، كما جرى الشروع في العمل به خلال موسم التخييم 2019، وهو يشكل قاعدة بيانات لمعالجة المعطيات، وتدبير عمليات التخييم بشكل مشترك بين الجامعة والوزارة الوصية، بحيث يتيح الموقع لكل جمعية أن تسجل نفسها ووضع وثائقها فيه، في إطار مسطرة رقمية تخول الاستفادة من حصص التخييم والتكوين بعد استيفاء الشروط. كما تتضمن المنصة الرقمية وضع أسماء الأطفال المستفيدين وعناوينهم، والشواهد الطبية الخاصة بهم.

ثالثا، بخصوص قيمة الصفقة وطريقة تدبيرها، أكد القرطيطي، أنه جرى إبرام اتفاقية بين الجامعة الوطنية للتخييم ووزارة الشباب والرياضة، لتدبير هذا الموقع، وإطلاق صفقته بشكل مشترك. ونفى القرطيطي أن تكون الجامعة هي من منحت الصفقة للشركة التي فازت بها، ما يعني أن الوزارة هي من فعل ذلك. وحول سبب التعامل مع الشركة بشكل مباشر، ودون طلب عروض، رد قائلا بأن “هذا الإجراء معمول به في حالة البحث عن مواصفات تقنية خاصة لا تتوفر إلا عند بعض الشركات”.

لكن رشيد الطالبي العلمي، الذي اتصل به “اليوم 24″، له رواية أخرى، فهو يؤكد أن صفقة إنجاز هذا الموقع “أبرمتها الجامعة الوطنية للتخييم وليس الوزارة”، وأن دور الوزارة كان فقط كـ”مساعد” للجامعة. وشدد الطالبي على أن الوثيقة التي جرى نشرها “مفبركة”، لأن مفشية المالية لم تعد تقريرها بعد. وأوضح، أيضا، أنه بخلاف ما يجري نشره بأن الموقع الإلكتروني عادي شبيه بالمواقع المؤسساتية الأخرى، فإن الأمر يتعلق بمنصة رقمية لتدبير عمليات التخييم، تضمن الشفافية تجاه آلاف الجمعيات الراغبة في الاستفادة من برامج الوزارة في مجال التخييم أو التكوين والتأطير، وبالتالي، فإن قيمته المالية عادية ومماثلة لمواقع مشابهة.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن المنصة الرقمية المعنية وضعت إثر تقرير أصدره المجلس الأعلى للحسابات في 2007، حول برامج التخييم والتمويلات التي تصرفها الوزارة، قدم خلاله عدة ملاحظات واختلالات تشير إلى عدم شفافية تدبير عملية التخييم وعدم خضوعها لمعايير مضبوطة قابلة للمراقبة والتتبع، داعيا إلى عقلنة تدبير هذا القطاع. وفي 2012 بعث مجلس جطو رسالة إلى الوزارة ليذكرها بمآل ملاحظاته، كما بعث برسالة ثانية بعد تعيين العلمي وزيرا للشباب “تضمنت إنذارا للوزارة” بضرورة التفاعل مع التقرير ومعالجة الاختلالات. وإثر ذلك عملت الوزارة على توقيع اتفاقية مع الجامعة الوطنية للتخييم، وهي جمعية تمثل جميع الجمعيات التي تنشط في هذا المجال، لإطلاق برنامج لإنشاء هذه المنصة الرقمية.

وبخلاف ما أكده القرطيطي، وما ورد في الوثيقة المنسوبة للمفتشية، فإن مصدر مقربا من الوزير السابق العلمي، أكد أنه لم يتم إبرام الصفقة بشكل مباشر، بل جرى إطلاق طلب عروض وتلقي ثلاثة عروض، الأول بقيمة 300 مليون سنتيم، والثاني بـ 235 مليون، والثالث بـ 284 مليون سنتيم. وبناء عليه أكد المصدر أن الأخذ بالمبلغ الأقل، وهو 235 مليون. لكن “اليوم 24” لم يحصل على أي وثيقة تثبت ذلك.

ويظهر من هذه التوضيحات، أن ما تشير إليه الوثيقة المسربة، له ما يعززه على أرض الواقع، فالموقع جرى فعلا إنجازه، بقيمة تقارب 250 مليون سنتيم، وأن هناك اتفاقية بين الوزارة والجامعة لتدبير صفقته، وأن رئيس الجامعة يؤكد أنه جرى إبرام الصفقة بشكل مباشر مع إحدى الشركات، ولكن من الصعب التحقق من مصداقية الملاحظات التي وردت في الوثيقة، رغم أنها تبقى ملاحظات منطقية، خاصة انتقاد تفويض الصفقة من الوزارة لجمعية، وعدم احترام قانون حماية المعطيات الشخصية، والمبالغة في قيمة الصفقة، باعتمادها بشكل مباشر. فكيف جرى تسريب معطيات من تقرير يجري إعداده؟ مصادر أكدت أن ما يجري يكشف صراعات وحسابات قديمة داخل الوزارة، يتم تصفيتها عبر هذه التسريبات، والتي ينتظر أن تظهر أكثر مع قرب الانتهاء من تقرير الافتحاص.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لمكنسي منذ 3 سنوات

التعليقات متجهة للعدالة والتنمية واصحابها معروفون للتغطية على الملايير لانشاء موقع

التالي