«كوفيد- 19» الجائحة باقية وتتمدد ودول العالم لم تزل في قلب الموجة الأولى

12 يوليو 2020 - 07:00

انتشرت الجائحة بسرعة مدهشة فعلا رغم كل الجهود التي بذلت لكبحها. في فاتح فبراير الماضي، الذي نشرت فيه ذي إيكونوميست أول غلاف حول الجائحة، كانت منظمة الصحة العالمية تعد ألفين و115 حالة جديدة. في 28 يونيو الماضي، العدد اليومي للإصابات الجديدة بلغ 190 ألفا، أي إنه في هذا اليوم وحده كانت تسجل حالات تعادل مجموع تلك المسجلة في أول فبراير كل 90 دقيقة.

العالم ليس بصدد موجة ثانية من الجائحة لأنه لم يخرج أصلا من الأولى. حوالي 10 ملايين شخص أصيبوا بالوباء. تقريبا في كل مكان من العالم تُسجل إصابات جديدة عدا تركمنستان وكوريا الشمالية. ومقابل كل بلاد تُظهر تحكما أكبر في الجائحة مثل الصين وتايوان وكوريا الجنوبية، هناك أخرى تنفلت فيها الأمور مثل ما هو عليه الحال بأمريكا اللاتينية وفيتنام. دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان السيطرة، مثل أغلب الدول الإفريقية، توجد في المراحل المبكرة من الجائحة. أما أوروبا فتوجد في منزلة وسط.

الأسوأ قادم. وفقا دراسة شملت 84 دولة يقول فريق بحثي من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا إنه مقابل كل حالة إصابة مسجلة هناك 12 حالة إصابة غير موثقة، ومقابل كل حالتي وفاة بـ”كوفيد-19″ هناك ثلاث حالات وفاة به تُنسب لأسباب أخرى. وفي ظل غياب علاج طبي، تتوقع الدراسة أن عدد الإصابات سيصل إلى ما بين 200 مليون إصابة و600 مليون إصابة بحلول ربيع 2021. وحينها، سيكون ما بين مليون و400 ألف شخص و3 ملايين و700 ألف شخص لقوا حتفهم. وحتى حينها، ستكون 90 في المائة من ساكنة الكوكب لا تزال مهددة بخطر الإصابة، حيث يظهر أن المناعة من الفيروس في أغلبها مؤقتة وغير دائمة. الحصيلة الأخيرة لكل هذا تبقى مرتبطة بكيفية تدبير المجتمعات للوباء. وهنا نأتي إلى النصف المملوء من الكأس. صار خبراء الأوبئة يفهمون كيفية وقف “كوفيد-19” بشكل أفضل. تقع الإصابة بالفيروس في الأماكن الداخلية ووسط الأماكن المزدحمة وحين يرفع الناس أصواتهم. الفقراء أكثر هشاشة وكبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة. يمكن احتواء الفيروس بثلاثة أساليب: تغيير السلوكات والفحوصات وتتبع الحالات والعزل، وفي حال فشلت هذه الأساليب فرض الحجر. وكلما كانت قدرات دولة ما ضعيفة في إجراء الفحوصات إلا واعتمدت بشكل أكبر على الأسلوبين الآخرين.

البروتوكولات العلاجية تحسنت أيضا بفضل الأبحاث والتعامل مع المصابين. فحتى وإن كانت اللقاحات غير جاهزة، فقد صارت البروتوكولات العلاجية الأولى متاحة. كما زادت المعرفة بكيفية تدبير الجائحة، مثلا عدم الاستعجال في تركيب أجهزة تنفس للمصابين، ومنحهم الأوكسجين في وقت مبكر. تحسن العلاجات يساعد في فهم سبب انخفاض حصة المرضى بالعناية المركزة من 12 في المائة بنهاية مارس إلى 4 في المائة أواسط إلى أواخر ماي الماضي.

الاقتصادات تأقلمت بدورها مع الفيروس وإن كانت لا تزال تعاني. لاحظ العمال تحسن الإنتاجية في العمل عن بعد، وابتكرت بعض الشركات طرقا لتقديم الخدمات دون أي اتصال بشري، وعدلت أخرى تنظيم العمل داخل مقراتها بما يحقق تقليص إمكانية تفشي الجائحة.

المشكل اليوم يتمثل في أنه بغياب دواء أو لقاح، يبقى احتواء الفيروس مرتبطا بمدى تعلم الناس تغيير عاداتهم. بعد نوبة الهلع الأولى، كثيرون بدؤوا في التراخي. رغم أن ارتداء الكمامات أمر أساسي، إلا أن أناسا كثيرين يرفضون ارتداءها بأوروبا والولايات المتحدة بحجة أنها عديمة الجدوى، وهناك من تراخى عن عادات غسل اليدين، كما أن الكثير من الشباب عادوا لتنظيم السهرات والحفلات المنزلية بمنتهى اللامبالاة بخطورة الوضع. في الخريف، مع انتقال الحياة إلى البيوت والفضاءات الداخلية، من المرشح أن تتفجر الإصابات. تغيير المعايير الاجتماعية أمر صعب. فمن يتأمل فيروس “السيدا” يلاحظ أنه عُرف منذ عقود أنه يمكن الوقاية منه عبر الجنس الآمن والإبر النظيفة. رغم ذلك سجلت مليون و700 ألف إصابة به في 2018.

تغيير السلوكات يحتاج عمليات تواصلية دقيقة من وجوه وطنية ومحلية محل ثقة. غير أن كثيرا من الناس لا يثقون في سياسييهم. في بلدان مثل أمريكا وإيران وبريطانيا وروسيا والبرازيل، التي تسجل أعلى معدلات الإصابة، رؤساؤها ورؤساء وزرائها قللوا من شأن التهديد، وتأرجحوا بين النصائح السيئة والبحث عن تحقيق مصالح سياسية ضيقة على حساب مصلحة بلدانهم.

“كوفيد-19” لا يزال معنا لمدة لا بأس بها على الأقل. الأكثر هشاشة سيشعرون بالخوف من الخروج، والابتكار سيتباطأ، والاقتصاد سيظل متعثرا بنسبة كبيرة عن تحقيق كامل إمكاناته. كثيرون سيسقطون مرضى وبعضهم سيموت. قد تكون صرت لم تعد تلقي بالا للجائحة، لكنّ الجائحة لم تزل تلقي بالا لك.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي