جمال بدومة يكتب: أشياء لا تشترى!

21 يوليو 2020 - 23:53

إذا كان بعض المسؤولين المستهترين يهدّمون المباني التاريخية، دون أن يرف لهم جفن، فإن المباني التاريخية تهدّم مستقبل بعض المسؤولين أحيانا… والحمد لله الجبّار المنتقم!

قبل أسابيع، أجهزت الجرافات على إحدى التحف المعمارية في تقاطع شارعي أنفا والزرقطوني بالدار البيضاء، مما خلف سخطا عارما لدى كل الذين يعرفون قيمة التراث المعماري ومكانته التاريخية والرمزية. لحسن الحظ أن “ڤيلا موڤيليي” لم تسقط وحدها، بل تبعها عامل مقاطعات الدار البيضاء-أنفا، رشيد عفيرات، الذي يستحق أن نسميه رشيد “عْفيراسك”، بعد بلاغ وزارة الداخلية في الـ 13 من الشهر الجاري، الذي حمله مسؤولية “سوء تدبير ملف المحافظة على التراث التاريخي والمعماري بمدينة الدار البيضاء”.

من الصعب ألا نربط بين القضاء على “ڤيلا موڤيليي” وتدمير المستقبل المهني للعامل، رغم أن البلاغ تفادى الإشارة إلى عملية الهدم المثيرة للجدل، والبعض اعتبر قصة “سوء تدبير التراث المعماري”، مجرد ذريعة لمعاقبته على ملفات أخرى، سكت عنها البلاغ.

في كل الأحوال لا يسعنا إلا أن ننوه بقرار وزارة الداخلية، الذي يجعل من السيد “العامل” على خراب التراث المعماري، عبرة لمن يعتبر.

المشكلة أن الرسالة لم تصل. بعد أسبوع على إعفاء عفيرات، ها هم “البرابرة” يدمّرون أحد أهم المعالم التاريخية في العاصمة الرباط: “المقهى الموريسكي” بقصبة الأوداية. كل من يعرف المكان وشاهد معالمه وقد سويت بالأرض، أحس بالغبن والحسرة والغضب، ومغص في البطن أحيانا. لحسن الحظ أن هناك سياسيين محترمين، نقلوا القضية بسرعة إلى البرلمان، ولا نملك إلا أن نتساءل مع النائب الشجاع عمر بلافريج: هل أعطى مفتش المباني التاريخية بالمحافظة الجهوية للتراث الثقافي بالرباط ترخيصا بالهدم كما يقتضي القانون أم أن العملية جرت “حسي مسي”، خارج الضوابط القانونية؟ لماذا لم يجر التشاور مع مختلف المعنيين بالمجال الحضري، والتراث المعماري، وهيئات المجتمع المدني، والرأي العام… قبل تدمير المقهى التاريخي؟ ولماذا يتم هدم المبنى، المصنف تراثا عالميا من طرف اليونيسكو، بدل ترميمه؟

العذر الذي قدمه والي الرباط، عبر جمعيتي “رباط الفتح” و”ذاكرة الرباط وسلا”، أقبح من الزلة. حسب الجمعيتين، اللتين اجتمع ممثلون عنهما مع محمد اليعقوبي، فإن قرار الهدم جاء “في إطار مشروع كبير يشمل تأهيل قصبة الأوداية بكاملها” على خلفية رصد مشاكل هيكلية في المقهى التاريخي، من بينها “تعرض الأرض والجدران والدعامات للتعرية، وتآكل فولاذ الخرسان المسلح وتعرض الدعامات الخشبية للتلف وعدم وجود أساسات لبعض الدعامات”.

لنفترض جدلا أن المقهى كان “آيلا للسقوط”، (رغم أن الاستنتاج يحتاج إلى أدلة)، أليس من الحكمة إعادة ترميمه وفقا للضوابط المعمارية المعروفة بدل مسحه من الخريطة؟

وعندما يدّعي الوالي أن “المشروع سيحافظ على الهوية الحقيقية للموقع دون تغيير”، فإنما يضحك على ذقون المغاربة، وأبلغ رد عليه هي هاته الأبيات التي كتبها الشاعر أمل دنقل:

“أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى؟

هي أشياء لا تشترى…”

مع الأسف، كل شيء “يُباع ويشترى” في هذه البلاد، بما في ذلك التاريخ. ورغم أن هدم “المقهى الموريسكي” جريمة أفظع من تدمير “ڤيلا موڤيليي”، ويجدر أن يدفع ثمنها بعض المسؤولين، فلا أحد يتوقّع أن تقدم وزارة الداخلية على معاقبة والي العاصمة، كما فعلت مع عامل مقاطعات الدار البيضاء- أنفا… مادمنا نتحدث عن الهدم والبناء، لا نملك إلا أن نلاحظ أن المسؤولين في المغرب “طوب وحجر”، مثلهم مثل الأسوار: هناك الحائط العالي الذي يصعب تسلقه وثمة “الحائط القصير” الذي يقفز عليه الجميع دون مشكلة!

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي