بعدما كان مقررا عودة المحاكم المغربية إلى الحالة العادية، مع استمرار واحترام الإجراءات الاحترازية والوقائية، وفق المراحل الثلاث التي جرى الاتفاق في شأنها في اجتماع اللجنة الرباعية المكونة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، في ماي الماضي، والذي حدد فاتح شتنبر الجاري كمرحلة نهائية للعودة التدريجية للعمل بالمحاكم بشكل طبيعي، غير أن التطور الوبائي لفيروس كورونا المستجد بالمغرب بعثر كل الحسابات السابقة، وفرض اتفاقا جديدا بين المكونات الأربعة لمواجهة الظرفية الصعبة التي تعيشها البلاد.
وجاء شهر غشت ساخنا جدا بخصوص الوضع الصحي بالمغرب، بعد تسجيل أرقام مهولة في عدد الإصابات بالفيروس التاجي، والتي شارفت على 40 ألف إصابة في شهر واحد، وهو ما عجل باستنفار جميع المصالح والوزارات وتعبئة إمكاناتها لمواجهة إعصار الجائحة العالمية، والتي حصدت ضحايا وأرواحا من معظم المجالات، ضمنها قضاة ومنتسبون إلى منظومة العدالة بالمغرب، وبالتالي، كان لزاما عقد اجتماعات لتدارس الوضع الراهن، واتخاذ قرارات لسير المحاكم المغربية تراعي الوضعية الوبائية الراهنة بالبلاد.
وفي هذا الصدد، عقدت لجنة التنسيق المركزية اجتماعا بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الاثنين الماضي، ترأسه مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس، وحضره محمد عبدالنباوي، رئيس النيابة العامة ومحمد بنعبدالقادر وزير العدل، وعمر ويدرا، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، حيث خصص الاجتماع لتقييم نتائج تدبير المرحلة السابقة واستشراف المرحلة المقبلة، وذلك في إطار تتبع مخرجات اجتماع لجنة التنسيق المركزية المنعقد ماي المنصرم، والذي تقرر على إثره العودة إلى العمل بمحاكم المملكة بشكل تدريجي، وفق مراحل زمنية محددة تبعا لتطور الحالة الوبائية بالبلاد.
وأفاد بلاغ في الموضوع أن اللجنة الرباعية وقفت خلال الاجتماع على تطور الحالة الوبائية بالمغرب، وما تعرفه في الآونة الأخيرة من منحى تصاعدي غير مسبوق في عدد الإصابات والوفيات، لتقرر حزمة من القرارات، ضمنها إمكانية عقد الجلسات وتقديم الخدمات في ظل التدابير الصحية المتوفرة واحترام شروط السلامة، وتنظيم الجلسات، وتحديد عدد الملفات بما يضمن عدم تضخم القضايا واحترام التباعد الاجتماعي، إضافة إلى تجديد الالتزام بضرورة الاحترام الصارم لكل التدابير الاحترازية والوقائية المقررة من طرف السلطات العمومية، ومواصلة العمل بنظام المحاكمة عن بعد بالنسبة لقضايا المعتقلين، مع الحرص على تجويدها بالشكل الذي يحقق ضمانات المحاكمة العادلة، مع التأكيد على مبدأ الاختيارية في اللجوء إليها.
وعلاوة على ذلك دعت اللجنة الرباعية لجان اليقظة بمختلف المحاكم إلى مواصلة عقد اجتماعاتها من أجل ضمان التنزيل السليم للتدابير المتخذة، مع ضرورة استمرار المرفق القضائي في أداء مهامه بالنجاعة المطلوبة، في إطار الحرص على الأمن الصحي للجميع، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والتماسك بين كل المكونات داخل القطاع، لا سيما في هذه الظرفية الحساسة التي تمر بها البلاد، إضافة إلى الحرص على دعم وتشجيع استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في العمل بالمحاكم، مع تفعيل مسطرة القاضي المقرر في المساطر الكتابية، والتشجيع على الاستفادة من الخدمات القضائية المرقمنة عن بعد، مع التشديد على لجان التنسيق المحلية لمواصلة عقد اجتماعاتها بشكل منتظم، واتخاذ ما يلزم من تدابير بخصوص نوعية القضايا المدرجة، وتحديد عدد الجلسات ومواعيدها، وعدد الملفات والخدمات القضائية المقدمة، وذلك باستحضار خصوصية كل محكمة على حدة وتطور الحالة الوبائية بالمنطقة التابعة لها.
وكان مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، قد حث، في منتصف غشت الماضي، بعد الارتفاع الصاروخي للإصابات بفيروس كورونا المستجد إلى تكثيف الجهود ومواصلة التعبئة واليقظة التامة، والتقيد الصارم بكل التدابير الإجرائية والوقائية التي سبق اتخاذها، في إطار مواجهة الجائحة العالمية، مؤكدا على ضرورة ضبط تنظيم عملية الدخول للمحاكم، والحرص على الالتزام بارتداء الكمامة، واحترام مسافة الأمان، وتقليص العدد في حدوده الدنيا، إضافة إلى السهر على عمليات التعقيم والنظافة المستمرة، مشددا في دورية وجهها إلى المسؤولين القضائيين بمختلف المحاكم المغربية، على انتهاج الحكامة في تدبير مختلف الخدمات المقدمة في المرافق القضائية، مع الاعتماد على الوسائل الالكترونية ما أمكن، مثيرا قضية المرتفقين والحرص على سلامتهم من خلال إعفاء ضعاف المناعة، والنساء الحوامل، والمصابين بأمراض مزمنة من الحضور إلى المصالح القضائية، إضافة إلى تحديد عدد الموظفين بكل فضاء أو مكتب، ومنع دخول الزوار مطلقا للمكاتب الداخلية، والاعتماد على مكاتب الواجهة، علاوة على التزام لجنة اليقظة المشتركة بالسهر على حسن تفعيل مختلف تدابير الصحة والسلامة.6