الملا عبد السلام: بهذه الطريقة كنت أحب التفاوض مع أمريكا -فسحة الصيف

23 سبتمبر 2020 - 02:00

الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو.

 

جمعتني بوزير الخارجية عبد الستار، لقاءات عدة، وعرفت فيه الرجل الصادق والتقي. وقد أعرب أمامي عن قلقه على أفغانستان. قال لي “إن دولا كثيرة لديها شكوك حيال هذا البلد. وإننا في حاجة إلى إيلاء أهداف هذه الدول المزيد من الاهتمام، عليك أن تكون أكثر فعالية في جهودك الدبلوماسية، عليك معالجة هذه المسائل، ولا سيما المتعلقة بأمريكا. يجب أن تجتمع مع دبلوماسيين أكثر، وتفسر كل شيء لتوضيح المسألة”. لكنه في بعض الأحيان بدا لي أنه هو أيضا لم يفهم كيف يتعامل مع أفغانستان. في إحدى المرات طلب إليه السفير الروسي تنظيم لقاء معي. وعلى الرغم من انه لم يذكر ذلك فإنني شعرت بأن اللقاء في وزارة الخارجية مع السفير الروسي لن يكون في مصلحة بلدي. حينها قلت لي عزيز خان إنه لشرف لي لقاء السفير الروسي في مكان محايد مع مترجم. وأصر عزيز خان على عقد محادثات في وزارة الخارجية والمشاركة فيها. وقلت لهم إنني لست مهتما، ولم يعقد الاجتماع قط.

جرت محادثات ثلاثية بين أفغانستان والباكستان وأمريكا، إدارتها الباكستان. أما أنا فلم أكن على علم بالأمر، ولا حتى وافقت عليها. وأوضحت الباكستان للدبلوماسيين الأمريكيين أن غيابي دليل واضحا على عدم رغبة الطالبان بالتفاوض.

لكنني لم أعلم بالاجتماع إلا بعد أيام من انعقاده، وأعلمني به أحد رجالي، مع أنني أبلغت سفير الولايات المتحدة مرارا بوجوب اتفاقه معي شخصيا أو مع السفارة الأفغانية مباشرة، وعدم محاولة حل مشكلاته مع أفغانستان عن طريق الحكومة الباكستانية أو إدارتها. وشددت أن “الباكستان ليست وسيطا نزيها وسوف تعمد إلى السيطرة والتلاعب بأي حديث تشارك فيه”.

عممت هذا التوضيح على جميع الدبلوماسيين والسفارات الأخرى وعلى الأمم المتحدة. لكن عندما وصلتني توصيات من طرف ثالث عن طريق الإدارة الباكستانية، لم أقدم إجابة مباشرة، بل شددت على أن الاتصال بي مباشرو شرط أساسي إذا كان المطلوب ردا رسميا. ففي مناسبات عدة اعتمدت حكومات أخرى على الإدارة الباكستانية لمعرفه آرائي حول قضايا محددة. لكنني تحفظت حول تورط الباكستان كثيرا، لان تدخلها غالبا ما يعني أن الأمور لن تتحسن.

جرى ذات يوم القبض على صحفي فرنسي في أفغانستان، وعلى الأثر طلبت حكومة فرنسا بإطلاق سراحه. ولكن بدلا من التفاوض مباشرة معنا، اختاروا إرسال مسؤولين من وزارة الخارجية الباكستانية. حينها أبلغت ممثلي فرنسا أن على حكومتهم الاتصال بي مباشرة. استغرق الأمر ثلاثة أيام قبل أن يتصل بي السفير الفرنسي، ويتم بذلك تسليم الصحفي على الحدود الأفغانية الباكستانية.

وكان المسؤولون الباكستانيون يدركون جيدا مبادئ الدبلوماسية العامة. ولكن يبدو أنه يعتقدون أننا هنا في السفارة لا نملك الحنكة الكافية، لان حياتنا بسيطة. وفضلا عن ذلك كانت أمريكا تضغط على الباكستان وعلى غيرها من البلدان لمنع أي اتصال مباشر بنا، في مسعى دبلوماسي لعزل إمارة أفغانستان الإسلامية. حتى عندما كنت اجتمع بمفردي مع المسؤولين الباكستانيين كانوا يخشون أن يتصنت عليهم أمريكيين من وراء الباب. كانوا بالتالي يتحدثون بحذر وبفائق الاحترام والتقدير عن الأمريكيين. ويشيرون إلى الرئيس بوش اللعين باسم معاليه، وإلى كولن باول بـ”الصاحب”. أذكر جيدا كم أزعجتني تلك التعابير.

على الرغم من أننا تعاملنا في معظم شؤوننا مع وزراء الخارجية، فإننا ألفنا، أيضا، التعامل مع وزارة الداخلية. ويعود ذلك إلى عدد الأفغان الكبير في الباكستان، الذي بسببه نشأت مشكلات أمنية متعلقة بالمساجين اللاجئين، وتجاوزات الشرطة المحلية، والتجارة عبر الحدود. وكان معين الدين حيدر، وهو جنرال في الجيش، وزيرا للداخلية، وهو شيعي، ويقع على عاتق وزارته جميع شؤون الشرطة والأمن داخل الباكستان. وكم من لاجئ أفغاني قصد السفارة لتقديم شكوى عن مضايقة الشرطة له. حتى الزوار لطالما تعرضوا للمضايقة خارج السفارة.

هذا ما دفع الشرطة إلى الانتشار في الشوارع التي تؤدي إلى السفارة لسرقة الأفغان، بعدما ينقضوا عليهم مثل الذئاب. ومع أنني قدمت شكوى إلى وزارة الداخلية، وحتى إلى وزارة الخارجية، لكن الوضع لم يتحسن، وكان الرد كالعادة بيانا رسميا يؤكد أن الشرطة الباكستانية لم تزعج اللاجئين الأفغان، بل تحميهم. أي أنهم اعتبروا شكواي عارية من الصحة.

دعيت ذات يوم شيوخا وعلماء من مخيمات اللاجئين الأفغانستان إلى اجتماع في السفارة لمناقشة عدة قضايا. وفي طريقهم إلى السفارة، أوقفتهم الشرطة، وسلبت منهم أموالهم على الرغم من أنهم يحملون هوياتهم التي تدل على أنهم لاجئون.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي