عبدالرحيم العلام: لا أحد يحبذ أن نعيش في دولة ضعيفة -حوار

17 أكتوبر 2020 - 23:00

  كيف تنظر إلى سمات مغرب ما بعد كورونا سياسيا؟

من الصعب الحديث عما بعد كورونا، فحتى لو ظهر لقاح، فسيكون المغرب بحاجة إلى علاج الذات من الناحية الاقتصادية، وإلى علاج الذات من الناحية السياسية. لا يجب أن ننسى أن الركود الاقتصادي زامنه ركود سياسي، وواكبته عقلية سلطوية بدأت في الظهور، سواء بالنسبة لمن هم في السلطة ولا حتى بالنسبة إلى بعض المواطنين، الذين أًصبح ملاذهم هو الدولة التدخلية، سيكون لزاما أن يتعافى المغرب من المشاكل السياسية، ومنها ما يخص الصلاحيات التي تمنح للهيئات السياسية المنتخبة وللحكومات، وأيضا علاج الذات على المستوى الحقوقي سيلزمه وقت هو الآخر.

حينما نقول ما بعد كورونا ليس معناه بعدما سيشفى من الوباء، ولكن نتساءل عن ملامح المغرب الذي سيولد من رحم هذه الأزمة؟

الوباء المقبل هو الأزمة الاجتماعية، والأزمة الاجتماعية ستؤدي إلى أزمة سياسية. لا يمكن أن نميز بين الشق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للخروج من الأزمة الاقتصادية، لا بد من تضافر جهود مجتمعية، فيها أحزاب سياسية ومؤسسات وساطة ونقابات وهيئات وأيضا الطبقة المتوسطة، وهنا يطرح سؤال ما هي الأفكار التي ستخرج بها هذه الطبقة، هل ستخرج بأفكار فيها نوع من التفهم للأزمة الاقتصادية أم أنها ساخطة على الطريقة التي تم بها تدبير الأوضاع؟ لأن صمام الأمان الذي يمنحنا وضعا سياسيا مريحا ووضعا اقتصاديا هو الطبقة الوسطى، إذا خرجت من هذه الأزمة غير راضية عن الأوضاع أو غير متفهمة لما حدث، فهذا يفتح مغرب ما بعد كورونا على احتجاجات دائمة.

عاش المغرب على وقع احتجاجات متنامية في عدة مناطق في سنوات ما قبل كورونا، والآن ركدت نسبيا بسبب حالة الطوارئ والحجر الصحي قبلها، هل انتهى عهد الاحتجاجات في المغرب؟

بالعكس، لقد بدأ نمط جديد من الاحتجاج، نمط قوامه فئات غير مسبوقة، احتجاجات مرتادي الأسواق بشكل غير مسبوق، وقد رأينا ما حدث بمدينة سيدي بنور وما حدث في الزغنغن وفي الناظور وأماكن أخرى، رأينا ما حدث ببني ملال ومناطق أخرى من احتجاجات لـ”النكافات”، كذلك الشأن لأصحاب المهن المرتبطة بالسياحة ومموني الحفلات والأعراس. لم يكن هناك أحد من المحللين يتوقع أن تخرج هذه الفئات للاحتجاج، وأكيد هناك فئات أخرى ستخرج. إذن فالاحتجاجات الفئوية التي كنا نرى قوامها هي للأطباء ورجال ونساء التعليم. الآن هناك نمط آخر، وهي احتجاجات تكون غير منظمة ولن تتفهم الأوضاع. رأينا كيف خرج البعض للاحتجاج على دعم الفنانين رغم أنه أمر عادٍ، لكنها فئات ترى أنها أولى وأكثر تضررا، وأن فئة الفنانين كأنها غير نافعة ويبدر عليها المال العام. إضافة إلى الاحتجاجات، سنحصد سنوات من تتفيه المجتمع ومن نشر ثقافة سوداء.

سيكون المغرب أمام محطات انتخابية في سنة 2021، هل يمكن أن تشكل نوعا من الإجابة عن هذه الأزمة الطارئة أم هي نفسها ستتأثر بالوباء؟

أول مجال سيدفع الثمن بسبب امتعاض المواطنين من ممارسات الدولة والقطاعات المرتبطة بها، هو هذه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ستكون بمثابة المكان الذي يصطدم فيه امتعاض المواطن بالسلطة، أي بالأحزاب وبالسياسة. هنا سيعاقب المواطنون ممن يعتقدون أنهم كانوا سبب الأزمة.

ألم يكن هذا العقاب قائما حتى قبل الوباء؟ ألا يشكل النفور من المشاركة السياسية أحد أوجهه سابقا؟

نعم، لكنه سيتفاقم. اليوم نتكلم عن عزوف انتخابي يمكن أن ينزل إلى ما دون 37 بالمائة التي كانت في 2007، خاصة ونحن نرى ما يحدث داخل المجتمع وليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي. هناك نفس غاضب طاغٍ على عدد من الفئات. المغرب سيعرف عزوفا انتخابيا. هذا أمر وارد وفق الشروط التي نلمسها الآن، أما إذا تحسنت هذه الظروف ووقعت تغيرات في هذه السنة الفاصلة، وكان هناك ضخ للأموال، فقد يسير الأمر بشكل مختلف، لكن نحن نتحدث وكأن الانتخابات ستجرى في ظرف العشرين يوما القادمة مثلا، أي أنه وفق المؤشرات الحالية نستشرف المستقبل.

كيف ستكون وضعية الأحزاب والنخبة والمجتمع المدني في هذا المشهد القاتم الذي ترسمه سياسيا لما بعد كورونا؟

في الخطاب الملكي الأخير، طلب الملك من المنتخبين والمجتمع السياسي أن يجهز نفسه ويقدم الإنجازات التي سيواجه بها المجتمع، ماذا سيقول المجتمع السياسي للمواطنين؟ هل سيخبرهم أنه طيلة سنة وهم مغيبون أو غائبون عن المشهد السياسي؟ ما الذي فعلته الهيئات المنتخبة، من مجالس إقليمية ومن جماعات ترابية ومن جهات؟ ما الذي قامت به تجاه المواطنين؟ لماذا على المواطن أن يصوت على هؤلاء وهم كانوا غائبين حينما احتاجهم؟ ما الذي يقوم به البرلمان لحماية المواطنين؟ أين هو مشروع مسودة القانون الجنائي؟ وأين هو القانون الذي يجرم الإثراء غير المشروع؟ لماذا يجتهد البرلمان للزيادة في عدد أعضائه عوض تقليصه؟ إذا كان المجتمع يرى أن النخبة السياسية أنانية ولا تهتم إلا بذاتها، فما الذي يثبت العكس؟ أما بالنسبة للمجتمع المدني فهو الآخر يعاني. هناك سيادة التخويف. مجتمع مدني خائف من القيام بمبادرات حقوقية أو مجتمعية. العديد من عناصره إما متابعون بقضايا أو في محاكمات صورية، ومنهم حقوقيون وأعضاء جمعيات وكذلك إعلاميون، ما الذي سيقدمونه في ظل سيادة جو الخوف العام؟ هناك أشخاص في السجون حوالي أربعة أشهر على ذمة الاعتقال الاحتياطي أو أكثر، وهناك صحافيون حكم عليهم بسنوات طويلة، هناك جمعيات محاصرة… للأسف منظمات الوساطة، من أحزاب وجمعيات مدنية ومنظمات نقابية، ضعيفة جدا، ولا أتوقع أنها ستقوم بدورها الدستوري. وكلما ضعفت هذه الآليات تكون العلاقة مباشرة بين المجتمع والسلطة، وهنا مكمن الخطر، فنحن في المنطقة الرمادية وقد نصل إلى المنطقة السوداء، والتي لا أظن أن أي محب لبلده يتمناها. لا أحد يحبذ أن نعيش في دولة ضعيفة. لذا فقوة الأحزاب وقوة المجتمع المدني وأن تكون هناك نخبة حية، كلها عوامل تقوي الدولة، ومن صالحنا جميعا أن تكون دولتنا قوية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي