إسماعيل حمودي يكتب: «البيجيدي» بين إسرائيل وإسبانيا

31 ديسمبر 2020 - 19:00

هل موقف «البيجيدي» من إسرائيل ديني أم سياسي؟ ما يبعث على هذا السؤال هو حجم ردود الفعل داخل هذا الحزب، والتي تكاد تُحرّم قرار التطبيع مع إسرائيل، والتي قد يفهم البعض أنها مواقف دينية من كيان يهودي، وليست مواقف سياسية من قوة احتلال، لا تختلف في ذلك عن أي قوة احتلال أخرى، مثل إسبانيا التي تحتل سبتة ومليلية والجزر السبع.

صحيح أن فلسطين لها رمزية خاصة، لأنها تحتضن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، لكن ذلك لا يبرر المفاضلة بين أرض إسلامية وأخرى. إن سبتة ومليلية لا تقلان أهمية في الرؤية الإسلامية عن أرض فلسطين، كما أن النزعة الصهيونية ليست أكثر عدوانية من النزعة القومية الصينية التي تضطهد شعب الإيغور، ومع ذلك لا نسمع كثيرا عن مواقف من داخل «البيجيدي»، أو غيره من الجماعات السياسية المماثلة له، تدعو إلى قطع العلاقات مع إسبانيا لأنها قوة احتلال، ولا إلى قطع العلاقات مع الصين لأنها قوة اضطهاد.

إن استدعاء مثالي إسبانيا والصين ضروري لكشف خلفيات موقف «البيجيدي» من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ يبدو أنه موقف مشدود إلى منطق الدين أكثر من منطق السياسة، فهو لا يختلف كثيرا عن مواقف حركات إسلامية داخل فلسطين وحولها، تعتبر نفسها حركات جهاد ضد قوة احتلال، تمارس السياسة لكن بمنطق الحرب، فيما واقع وسياق «البيجيدي» مختلفان بشكل جوهري، لأنه حزب سياسي مدني يسعى إلى ممارسة السلطة في بلاده بمنطق السياسة باعتبارها تعاونا وصراعا وموازين قوى، ويمكن أن تفرض عليه إكراهات الحكم إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية حتى مع أعدائه، وهو أمر واقع ومُشاهد في حالات كثيرة حول العالم، حيث تقيم الدول علاقات دبلوماسية رغم العداوات الظاهرة بينها.

إن إقامة المغرب علاقات استراتيجية مع إسبانيا لا تعني تنازله عن سبتة ومليلية والجزر، كما لا تعني أنهما صارا يعشقان بعضهما البعض، فالسياسة صراع ومصالح، وليست علاقات حب وعشق، كما لا يمكن أي عاقل أن يفترض أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل معناه إحلال العشق والحب محل الصراع والتنافس في المصالح. لقد جمّد المغرب تعاونه القضائي مع فرنسا سنة 2014، وهي حليف استراتيجي، بسبب ما اعتبره تجاوزات فرنسية قد تضر بمصالحه، كما جمّد جزئيا في سنة 2013 جانبا من تعاونه العسكري مع أمريكا بسبب الصحراء، علما أن أمريكا حليف استراتيجي كذلك.

لا أقول إن السياسة لا مبادئ فيها ولا ثوابت، لكن ما يحدث أحيانا هو الخلط بين المبدأ والموقف، مثلما قد يحدث الخلط في التوصيف بسبب عوامل غير موضوعية، تمنع من الرؤية الواضحة. في هذا السياق، يبدو حزب العدالة والتنمية في حاجة إلى الحسم، مادام قد اختار أن يكون حزبا سياسيا يسعى إلى ممارسة السلطة، لأن استمراره في الحكومة الحالية والمستقبلية قد يفرض على قياداته الجلوس مطولا مع المسؤولين الإسرائيليين، ليس في الرباط فقط، بل في تل أبيب، وربما زاروا القدس والمسجد الأقصى تحت حماية قوات احتلال إسرائيلية.

يتصور البعض، خصوصا إسلاميي وقوميي المشرق، أن «البيجيدي» قد يواجه الانفجار بسبب وضعه الجديد، وهو وهم يُجاريهم فيه بعض خصوم الحزب في الداخل أيضا، ممن يرون أن الفرصة مواتية لدفع الحزب نحو التخاصم ومزيد من الضعف والترهل، لكن المتتبع الموضوعي لتطور الحزب السياسي يدرك أنه قادر على تجاوز الوضع الجديد بأقل الخسائر. صحيح أن قيادة الحزب تأخرت في حسم النقاش حول العلاقة مع إسرائيل أو أي قوة احتلال مماثلة، ربما بسبب الظروف غير المواتية، لكن تعقب سلوك الحزب إزاء هذه القضية، منذ 2006 على الأقل، يكشف استعدادا لديه لتجاوز المأزق الحالي كذلك.

أشير في هذا السياق إلى مواقف صدرت عن بعض قياداته، كشفت استعدادها لتجاوز المأزق الحالي، منها: أولا، تخليه عن استعمال مصطلحات «اليهودي» و«الكيان اليهودي» في خطاباته وبياناته، مستعيضا عنها بمصطلحات: «الكيان الصهيوني» و«الصهيونية»، باعتبارها حركة سياسية متطرفة؛ ثانيا، دعوة عبد الإله بنكيران في 2009، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، حركة حماس إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل، والقبول بحدود 1967 مقابل شروط معروفة؛ ثالثا، في مؤتمر الحزب سنة 2012، استضاف الحزب الناشط الإسرائيلي، عوفير برونشتاين، ولم يعلن تبرؤه منه إلا بعد احتجاج بعض أعضائه، وكذا المجموعات الرافضة للتطبيع من خارجه؛ رابعا، عقب وفاة الراحل عبد الله بها في دجنبر 2014، نشرت «أخبار اليوم» ملفا حول أهم مواقفه السياسية، تضمن موقفا له، رحمه الله، يؤكد فيه أن الموقف من إسرائيل سياسي وليس دينيا، وأن إقامة علاقات دبلوماسية معها ممكن إذا استجابت للمطالب العربية، وهو الملف/الموقف الذي أعادت نشره حركة التوحيد والإصلاح ضمن كتاب خاص حول الراحل بمناسبة مرور سنة على وفاته، دون تغيير.

كل هذه الوقائع، وربما غيرها، تكشف استعداد الحزب للتعامل مع إسرائيل بوصفها قوة احتلال، وليست كيانا يهوديا، أي التعامل معها بمنطق السياسة التي قد تقتضي أحيانا ربط علاقات دبلوماسية أو قطعها أحيانا أخرى، وذلك إلى أن يحدث العكس.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي