محمد الطالبي: الإسلام ولد علمانيا.. والشريعة قانون يشرع القتل للطغاة

27 يوليو 2014 - 17:38

 ترجمة:  محمد جليد 

 

يعتقد محمد الطالبي أن الإسلام لم يرخص بالعنف إلا في حالة الرد والدفاع عن النفس بينما في الديانات الأخرى ، كما هو حال الإنجيل، هناك تشريع ل>الإبادة المقدسة». الغسلام ، في اعتقاد محمد الطالبي، الأستاذ والعالم التونسي، الذي أبيح دمه ثلاث مرات، ولد علمانيا، بدليل أن القرآن هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يعلن صراحة «لا إكراه في الدين»، بينما الشريعة، ذلك الركام من التعليقات على حواشي الإسلام، التي أنتجت خلال القرن الثاني الهجري، فما هي إلا «قانون أسس لفائدة الطغاة الراغبين قبل كل شيء في التحكم والقتل بشكل قانوني»

 

‭{‬ ألا ترى أي نقص في أن نجري حوارنا باللغة الفرنسية؟

< لا، أبدا. الفرنسية لغة جميلة دقيقة وسلسة. لِمَ رفضها؟ إنها لغة انفتاحنا. لا يمكن أن ننكرها. إنها لغة الإسلام أيضا، لأن الإسلام لا يملك لغة بعينها، ولا الله أيضا. كل لغات العالم هي لغات الإسلام.

‭{‬ يعتقد المسلمون أنه يتكلم العربية…

< إنه العكس بالأحرى، لأن الله يقول إنه لو نزل القرآن على أمة غير عربية، لنزل بلغة الأمة المُستقبِلة. وربما كان قرآنا غير عربي.

‭{‬ بالضبط. كيف تشرح عدم انفتاح العالم العربي وانغلاقه الهوياتي؟

< لا يمكن أن نمنع الإنسان من أن يكون مجنونا، وهو ما يجعله جميلا على أي حال. فالحماقة خاصية بشرية. تصوروا عالما مليئا بالأذكياء. سيكون عالما بلا طعم. نحن في حاجة إلى المجانين، شرط ألا ينفجروا، بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة. سمعت يوما نائبا برلمانيا تونسيا يعلن أن النساء يجب، حسب الدين، أن يبقين في البيت وأنهن لسن إلا ثلث الرجل. هل يمكن أن يحدث هذا الأمر في العالم الراهن؟ لكن الأمر كذلك. إذ يعتقد هذا الرجل أنه يقول الحقيقة. وللغرب دوره أيضا في هذا الغباء. هل كان جورج بوش رجلا ذكيا؟ أنا أتساءل عن هذا. لقد خدع نفسه، في الوقت الذي كان محاطا بأكبر الخبراء والمثقفين في العالم. من الذي دفعه للذهاب إلى العراق؟ لماذا كذب فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل المزعومة، التي ربما كان يمتلكها صدام؟ ها هو رئيس أقوى دولة في العالم يكشف عن نفسه باعتباره أكبر مجنون! نائبنا البرلماني شعبوي. لكن جورج بوش خطير، وهو أثبت ذلك. فالمسلمون لا يملكون امتياز الجنون.

‭{‬ أي حكم تحمله عن الإرهاب الذي يستحضر قناعات المسلمين؟

< شخصيا اتهمت بالكفر، وأدانتني ثلاث حركات إسلامية أباحت دمي. بل إن الحكم كتب على جدران بيتي. لكن هذا لم يزرع في نفسي الخوف. أخبرت الشرطة، التي لم تكلف نفسها عناء الانتقال إلى عين المكان. وفي كل الأحوال، طلب مني أن أختفي ذات يوم. لم أطلب حماية خاصة. حكمي على الإرهابي هو أنه لا يتحرك إلا بدافع العدوان، وكل عدوان مدان. لابد أن نرد عن الاعتداء بالدفاع عن النفس. يبدو لي أنه أمر صائب وعقلاني. بل إن الأمر لا يتعلق بالدين، حيث لا يوجد أي إله يقول بإلحاق الأذى بحياة الآخر. في هذه الحالة، يتعلق الأمر ببساطة بالدفاع عن الحق في الحياة. إذ ثمة شيء مؤسس بشكل تام. ذلك أن الذين يزعمون أن الإسلام عنيف مخطئون. ففي العالم كله، هناك دائما إرهابيون يحملون رؤى مختلفة. لأوربا إرهابيوها، سواء بإله أو بدونه، أكانوا ملحدين أم يخدمون مثلا أعلى ما. إذ لا يعتبر الإرهاب دينيا فقط. إنه تشويه لبنية الفكرة التي تنكر الحرية. هذا هو الإرهاب، إنه نفي الحرية.

‭{‬ يتهم البعض الإسلام بالنزوع نحو العنف…

< خطأ. بالأحرى، نجد في الإنجيل تحريضا على العنف، لأن الإنجيل يتحدث عن الإبادة المقدسة. لقد استشهدت بالمقتطف المتعلق بهذا التحريض أثناء عملية «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة، التي استعملت كل أنواع أسلحة الإبادة (دجنبر 2008- يناير 2009). لماذا لا نتحدث عن العنف في الديانات الأخرى في هذه الحالة؟ هل هناك طرق مختلفة في القتل، بعضها أرحم من الأخرى؟ وهل هناك أسلحة مرخصة؟ هذا الأمر يضحكني. أزعم أن الإسلام يمثل نزعة إنسانية، حيث لا يوجد في القرآن آية واحدة عن الإبادة المقدسة. إذ هناك دائما قاعدة الاستثناء هذه في ممارسة العنف: «وَلاَ تَعْتَدُواْ… فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ». هذه هي القاعدة. أما الآيات الأخريات التي تتحدث عن العنف، فهي استثناء. في البداية، تحمل المسلمون اعتداءات المكيين دون الرد، حيث صادروا ممتلكاتهم، وامتنعوا عن الرد. صحيح أنهم كانوا ضعفاء. لكن في لحظة ما، رخص لهم الله بالرد على العنف بالعنف. إذ لأول مرة رخص القرآن بالرد.

‭{‬ قلت دائما إن مرجعكم الوحيد هو القرآن.

< أجل. لا أؤمن إلا بالقرآن، وليس بالشريعة. ولا آخذ من الحديث إلا ما توافق مع القرآن. خذ على سبيل المثال هذا الحديث: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.» فهذا القول يعرف النبي بدقة، باعتباره رجلا مُسالما. وهو حديث ينسجم تماما مع القرآن، الذي يقول: «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.» هذا حديث يتوافق مع القرآن كما أتصوره، وهو يحث على الثقة المتبادلة واحترام الآخر. أما فيما يخص الباقي، فإنني أقول إن القرآن وحده هو الذي يلزمه. الشريعة عمل بشري، حيث يجب مكافحتها بالنقد وتجديد الفكر والمطالبة بحقوق الإنسان والعلمانية.

‭{‬ العلمانية؟

< نعم. فالإسلام ولد علمانيا: «لا إكراه في الدين». فالقرآن هو الكتاب المقدس الوحيد، الذي يقول هذه الجملة الواضحة جدا، والعلمانية جدا، حيث يمارس كل واحد الدين الذي يريد. وليس من حق الدولة التدخل في الشؤون الدينية. لها وظيفة واحدة هي خلق مناخ السلم للجميع. والحال ما الذي تقوم به الدول الإسلامية؟ لقد مارست الإكراه الديني، بينما القرآن يقول لا للدول الإسلامية. في زمن النبي، كان هناك يهود ومسيحيون، حيث لم ير محمد أي نقص في ذلك. إذ لم نره أبدا يجري في الشوارع، حاملا هراوة، وهو يبحث عن المسيحيين، ليضربهم بعنف. إن النزعة العربية المحافظة هي التي انتصرت في هذا الشأن، وألصقت هذا الانحراف بالإسلام. لقد جاء الإسلام حاملا الحداثة والعقلانية. والقرآن هو دعوة إلى العقل، ومن هنا إلى العلمانية. لنا قرآننا، وللإسلاميين شريعتهم التي صنعها الإنسان. لنا نص مؤسس للإسلام، ولهم سلسلة من التعليقات التي حررت في القرن الثاني للهجرة (القرن الثامن للميلاد). إلى هنا، عاش المسلمون دون شريعة. وقد بدأت مأساتهم يوم طوروا قانونا إسلاميا لفائدة الطغاة الراغبين قبل كل شيء في التحكم والقتل بشكل قانوني. إذ لا تمثل الشريعة غير هذا.

‭{‬ هل يقصد بالرجوع إلى القرآن القيام بكل وصاياه وأوامره دون إمكانية تطويرها؟

< لا، أبدا. لقد عدل النبي نفسه بعض الترتيبات خلال السنوات العشرين الأولى، وهو يقول إن هذا أمر جيد، أو «إنني أوصيكم بخير من هذا». يجب أن تكون قراءة القرآن تقاطعية. على أي حال، لم تكن كلمة «شريعة» موجودة آنذاك. بالأحرى، كانت تستعمل كلمة «هداية». والهداية حركية. يقال إن «القرآن يتجه نحو ما هو أقوم.» وفي الحياة البشرية، ينبغي دائما تجويد الهداية، حيث يجب التوجه نحو ما هو أقوم، بحسب الزمن والمكان اللذين يعيش فيهما الفرد.

‭{‬ هل يمكن أن نركز، مثلا، على القانون القرآني المتعلق بالإرث؟

< بالطبع. يجب تحيينه. ففي روح القرآن يتم تصحيح ما هو مثالي، حيث يأمرنا دائما بالذهاب إلى ما هو أبعد. إذ يجب أن ينجز المجتمع التشريعات من أجل تطوير العدالة، فيما يخص حقوق الرجل والمرأة، حيث يجب أن يكيف القانون دائما مع كل مكان وزمان. فما هو جيد اليوم، قد لا يكون كذلك غدا.

‭{‬ وماذا عن الرجم؟

< غير موجود في القرآن. إنه جزء من التراث اليهودي، حيث لا تتحدث عنه أي آية.  

‭{‬ وتعدد الزوجات؟

< لم يبتكره القرآن، بل وجده قائما، لكنه قيّده. كان التعدد قائما في أفريقيا على الخصوص، حتى إن الكنيسة سمحت للسكان جنوب الصحراء بتعدد الزوجات. وكذلك كان الأمر في فارس والهند. لقد قيّد القرآن التعدد بشروط. وحسنا فعل الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، وهو يمنعه. في الواقع، كيف يمكن العدل مع ثلاث أو أربع نساء، كما يأمر القرآن؟

‭{‬ هل يمكن أن تكون لنا رؤية نقدية إلى الإسلام بطريقة شاملة؟

< أجل. وهو ما نقوم به. غير أن الرؤية التي تزعم أن القرآن ليس حقيقيا، أو أنه ليس أصيلا، هي رؤية غير مقبولة. فانطلاقا من اللحظة التي نعلن فيها رفض الوحي، نكون قد توقفنا عن أن نكون مسلمين، لأن الإسلام يبدأ بهذه الجملة: «ذلك الكتاب لا ريب فيه». فالمسلم هو الذي لا يشك في الكتاب، ويؤمن أن القرآن هو كلام الله. يمكن أن تختلف، أن تقول إن هذا القرآن مكتوب، مؤلف من شذرات، وتشكل عبر مجرى التاريخ، الخ. أنت حرّ في التخلي عن الإسلام. بل إنني أطلب ممن لا يشعرون بالارتياح في هذا الدين أو يشكون في الوحي ألا يكونوا مسلمين. ومن لم يجد الهداية في الإسلام، فليخرج منه!

‭{‬ لكن يخشى أن يقتل بسبب الردة…

< الردة غير موجودة في القرآن، شأنها شأن الرجم. بل ابتكرتها الشريعة لتسمح للطغاة بالقتل والسحل. في زمن الخلفاء، كان بإمكان المرء أن يكون ما شاء، شرط ألا يتمرد على الخليفة. لكن ابتداء من زمن التمرد، يمكن أن نجد لك أي ذريعة لقتلك.

‭{‬ هل يمكن أن يكون أو يبقى مسلما خارج أرض الإسلام؟

< نكون كذلك دائما رغما عن أنفسنا. لقد توقف الإسلام عن أن يكون دينا، ليصبح هوية. لقد أصبح انتماء إلى مجتمع. انظر، تصفك الدولة الفرنسية بأنك مسلم ما أن تكون داكن اللون أو حاملا لاسم عربي. ألا يتعلق الأمر هنا بإجبار المسلمين على اعتبار أنفسهم كذلك، حتى وإن كانوا بلا دين أو عقيدة؟ نعم، لأنهم يشكلون مجتمعا جاء ليختلط بالشعب الفرنسي الذي ليس فئويا أو طائفيا. ويطرح اليهود المشكلة ذاتها، حيث يشكلون هم أنفسهم طائفة، وحتى لا يعودون يهودا، فهم يعتبرون كذلك. إذ تعلن رشيدة داتي، مثلا، في فرنسا قائلة: «أنا فرنسية من أبوين أجنبيين.» فهي ليست مسلمة بالضرورة. أنصح المسلمين بأن يقولوا إنهم تخلوا عن الإسلام، وأنهم لم يعودوا مسلمين، وأن يندمجوا في المجتمعات العلمانية حيث يوجدون! ليس هناك عيب في هذا. وفي الآن نفسه، اعتنق 60 ألف تونسي المسيحية، وتنكروا للإسلام. وهذا حقهم. لقد زرتهم في كنائسهم. وليس هناك أي عيب في هذا.

‭{‬ هل يمكن للمرء أن يكون مسلما دون أن يمارس الشعائر؟

< لا. إذا رفضنا الممارسة، فإننا نرفض القرآن، ولم نعد حينها مسلمين. قال الله: «إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.» إذ تشكل الفروض الدينية جزءا من العقيدة. فإذا لم نقم بها إما بحذفها أو العجز، فإن هذا يعني أننا ما نزال نؤمن بالفروض. إذ يفترض أن يكون هذا العصيان مؤقتا. غير أننا إذا لم نمارسها مبدئيا، فإن الأمر يتعلق حينها بالرفض. والإسلام عقيدة وممارسة، والتخلي عن الممارسة هو تخلٍّ عن العقيدة.

‭{‬ هناك من يخلط بين الشعائري والعقدي.

< على العكس، فكل مسلم يصلي بالإكراه لا يصلي. إذ لا تعتبر كل ممارسة مختزلة في الشعائري بدون روح إسلاما. إنها حركات بدون قيمة.

‭{‬ ألا يجعلك ما يجري حاليا في العالم الإسلامي متشائما؟

< لو لم أكن واثقا في مستقبل الإسلام، فهل سأتناول الريشة لأكتب؟ لا نكتب عندما نكون متشائمين. أناصر الفكرة القائلة إن الإسلام محكوم على نحو قدري بالعودة إلى طهرانيته الأصلية.

‭{‬ ألم تتوقف أبدا عن الكتابة؟

< مبدئيا، في هذا السن، يجب أن أتوقف عن الكتابة. نحن صرنا منذ زمن خارج العالم. العالم هو الشباب. إنهم الشباب هم الذين يحملون الحياة. لكني أواصل الكتابة. هذا كل ما في الأمر. أواسي نفسي بالمقارنة مع تاجر «سَلطَة». أزرع سلطتي، وأعرضها في السوق، ولا أفرضها على أحد. فإذا اشتراها أحدهم، فهو حر. فهو يتحمل المسؤولية، لا أنا.

‭{‬ لكنك تؤثر في فكره.

< ليس بالضرورة. ذلك أن البعد المهيكل لفكري هو الحرية. حريتي هي حرية الآخر. فضلا عن هذا، لا أمنح كتبي، لأن منحها يعني فرضها. والآن، أنا بصدد الحديث، لكن بطلب منك. لست مسؤولا. أنت تسألني وأنا أجيب. فإذا وجهت فكرك، سأكون مذنبا. لكني أقول: من يقرؤني يمتلك دائما ملكة رفضي، فهو مسؤول عن نفسه، حيث يخضع نفسه لهذا التوجيه. أنا أيضا، تركت نفسي يوجهني الآخرون. فإذا كنت ما أنا عليه اليوم، فلأنني ارتويت أكثر من معين ما. ولست نادما على ذلك. لقد سمح ذلك في العمق أن أكون ذاتيا. وما يصالحني مع ذاتي هو ما كنته وما أكونه في ارتباطي مع الآخر. ومن يقرؤني يتعرض للخطر نفسه، لأن الناس يرتبطون بعضهم ببعض. بعضهم يقترف ذنب الكتابة، كما هي حالتي.

‭{‬ تتكلم كثيرا عن الحرية…

< كل ما يقتل الحرية يقتل الإنسان. ففي العالم الوجودي، كان الإنسان مشروعا، والله يقول له: «ماذا تريد؟ أن تكون حرا أو مكرها؟» أجاب الإنسان: «أريد أن ألمس الشجرة المحرمة.» لابد أن يمتلك الإمكانية الفعلية للعصيان وإنكار الله. إن قصة إغراء الشجرة في القرآن هي اللحظة الأساسية في الاختيار. إذ أراد الإنسان أن يكون حرا، ولكي يكون حرا، لابد له بالضرورة أن يعصي الله، وإلا فإنه لا يملك برهان حريته. فمجازفات وإمكانيات العصيان هي التي دفعتني لأن أصبح مؤمنا.

حرب على أكثر من واجهة 

لا يتزحزح الكاتب التونسي مؤلف «ديني هو الحرية» (بالفرنسية) عن موقفه: القرآن حامل للحداثة والعقلانية، لكن رسالته غيرتها الأحاديث والشريعة. إذ يعتبر محمد الطالبي، الذي رأى النور سنة 1921 في تونس، أحد أبرز المؤرخين والمفكرين في العالم العربي الإسلامي. فهو مبرز في اللغة العربية سنة 1952، وأول عميد لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في تونس العاصمة (1966)، ناقش أطروحة دكتوراه حول الأغالبة (وهم يمثلون أول سلالة حاكمة عربية إسلامية نشأت في تونس) سنة 1968 في السوربون. وبعدما أصبح معارضا لنظام بن علي، التحق في بداية التسعينيات بالمجلس الوطني للحريات في تونس (المحظور). اعتبر مفكرا متسامحا ومنفتحا، حتى وإن اصطدم بالعديد من أبناء دينه بسبب نقده الجذري للحديث، ثاني مصادر التشريع بعد القرآن في نظر السنة. ولم يتوان الطالبي، رائد الحوار بين الأديان، في أن يلوم المسيحيين تجاهل الإسلام. وهو المدافع المتحمس عن حرية التفكير، يستنكر ارتباط الوهابية المفرط بالماضي، فيما يقود حربا ضروسا ضد هؤلاء الذين يتجرؤون على التشكيك في صحة القرآن، الذين يسميهم بـ»الخارجين عن الإسلام». إنه يمثل في الآن ذاته شخصية متسامحة وتوافقية، منفتحة وراديكالية.

في الواقع، ارتبط الرجل الذي يحب القول إنه «مؤرخ لا مداهنا، بقول الحق». فإذا كان يطالب بحق عدم التنازل عن الرأي، فإنه لا يكرس الشيء الكثير لمن يعتقد أنهم مخطئون، لكنه ينصت دائما لمعارضيه، إلى درجة أنه يصف بـ»المتعاطفين» من يعادون الإسلام أمثال «ميشيل ويلبيك». كما يعلن أن حريته الصريحة يكتسبها من القرآن: «لن أتوقف أبدا عن القول إن الإسلام يمنحنا الحرية، بما في ذلك حرية سب الله… (لوموند، 2009). يدافع عنه صديقه الأديب «ميشيل لولونغ» بهذه العبارات: «فهمه العدالة وبحثه عن الحقيقة يقودانه أحيانا إلى إصدار أحكام قاسية. لكنه رجل جادّ، عميق الإيمان، ومرتبط أيما ارتباط برسالة القرآن.»

ويستنكر مؤلف «مرافعة من أجل إسلام معاصر» (1998)، المعروف بعدائه الدائم للوهابية والأصولية، نية الإسلاميين إرساء دكتاتوريات دينية. ويذهب أبعد في تصريحاته- بعضهم يعتبرها تحرشات- وهو يشتم على سبيل المثال عائشة، زوجة الرسول الثانية، أو وهو يؤكد أن الإسلام لم يحرم أبدا البغاء، وأن المشائين لا يرتكبون أي ذنب. لكن الاحتجاج الذي تثيره أقواله لا تحرك محمد الطالبي، الذي يواصل، انطلاقا من بيته في باردو، التفكير والكتابة كأن شيئا لم يحدث.

عن جون أفريك

شارك المقال

شارك برأيك
التالي