عباس يشحذ سيفه أم سيف القاهرة

12 سبتمبر 2014 - 12:29

 

لم تلتئم جراح اهل غزة و لم تجف دماءهم ولم يهنئوا بعد بيوم بدون قصف حتى فاجأهم عباس بتصريحات مؤلمة تتهم حماس بانشاء حكومة ظل وتستفرد بالمساعدات ، وكأن المساعدات الان تتدفق ولم يبق الا الخلاف حول توزيعها ، واضاف اتهامات اخرى اعدام العملاء الذين جزائهم ذلك خرقا للمحاكمة العادلة …….

يكاد يجمع المعلقون الذين يحسنون الظن على سوء اختيار التوقيت لمثل هذه التصريحات وضرورة ارجاء الخلاف لترك فرصة التفاوض على ما تبقى من بنود اتفاق القاهرة  في ظل وحدة الصف الوطني ،اما المتشككون فيذهبون الى ان عباس تعمد حرمان حماس من جني ثمار انتصارها لكي لا تتوجه الانظار الى خيار المقاومة و يفقد و وظيفته الاساسية التي هي التفاوض المستمر ، وكذا خشية اكتساح انتخابي يقضي على ما تبقى من شعبيته في الضفة بعد ان فقد غزة ، ولترجيح احد التفسيرين (حسن او سوء النية) ، لا بأس من الرجوع الى احداث سابقة لفهم استراتيجية الرجل في افراغ اي نصر محتمل لخصومه من استحقاقاته النهائية ولو على حساب المصلحة الراجحة للشعب الفلسطيني :

–        بدأ التخطيط لاغتيال الشهيد ياسر عرفات ، خصوصا بعد التاكد من كونه متواطئا مع فصائل المقاومة وداعما لها في السر ، وبعد يأس الاحتلال من كونه سيوقع علي اتفاق نهائي يتنازل بموجبه عن المطالب الاساسية للشعب الفلسطيني (القدس و اللاجئين و المياه وحدود الدولة والاستيطان و السيادة …..) ، وفعلا تم الاغتيال الذي لم يكشف عن اسبابه رسميا الا بعد حوالي عقد من الزمن اي من سنة 2004، و تولى مكانه عباس الذي لم يعرف من قبل ضمن قيادات منظمة التحرير الا في سياق اتفاق اوسلو ،متجاوزا منافسه فاروق القدومي احد القيادات التاريخية  الذين احيلوا الى الهامش .

–       كان من اهم اسباب الرغبة في التخلص من عرفات ، اندلاع الانتفاضة الثانية التي استمرت منذ اقتحام شارون للمسجد الاقصي سنة 2000 الى سنة 2005 التي شهدت اول اتفاق بين عباس و سلطات الاحتلال في القاهرة وانتهت بخروج الاحتلال نهائيا من غزة و ترحيل المستوطنين بالقوة ، وكان ذلك سيتم بشكل احادي من جيش الاحتلال في عهد عرفات ، وانجز فيما بعد بتنسيق مع عباس .

–       عرفت الاراضي الفلسطسنية (الضفة و القطاع) اول انتخابات عامة فازت فيها حماس ب ستين في المائة من مقاعد المجلس التشريعي ، وعرضت على الفصائل الاخرى المشاركة في تشكيل الحكومة ، و رفض الجميع ذلك ، فتشكلت اول حكومة من حماس برئاسة اسماعيل هنية ، ولم تمض اسابيع حتى فرضت الرباعية الدولية ( الراعية للسلام ) حصارا اقتصاديا على الحكومة الجديدة ، وبدات اسرائيل في اعتقال اعضاء المجلس التشريعي ثم فرض الحصار على غزة .

–       احست الحكومة الجديدة بنوع من انفلات الاجهزة الامنية التي ينتمي معظم اعضائها لفتح من سلطتها و عمدت الى تشكيل قوة امنية بديلة سميت “القوة التنفيذية” سنة 2006 وفي نفس السنة سيتعرض اسماعيل هنية لمحاولة اغتيال ادت الى مقتل احد حراسه ، بل سيتعرض لاهانة بليغة حين انتزعت منه اموال مساعدات بدعوى تهريبها الى (داخل غزة) .

–       بدأت حوادث اشتباكات بين القوة الامنية للحكومة و افراد جهاز الامن الوقائي التابع لدحلان كان الغرض منها استنزاف الرصيد الاخلاقي لحماس و رافق ذلك حديث اعلامي مكثف عن الحرب الاهلية التي اصبحت تخوضها المقاومة ، وعقدت مفاوضات وقع عقبها على مصالحة في مكة سنة 2007 لم تصمد طويلا لتندلع المواجهات من جديد ، فلجأت حماس الى خطة الحسم العسكري لاجتثات تنظيم دحلان و السيطرة الامنية على القطاع .

–       رد عباس في اليوم الموالي باعلان حل حكومة هنية ، وشن حملة اعتقالات في صفوف انصار حماس في الضفة ، وسميت منذ ذلك الحين في وسائل الاعلام “حكومة مقالة”  وعين حكومة سلام فياض في رام الله التي بادرت الى قطع رواتب الموظفين في ادارات غزة ، كم سمي عباس بالرئيس “المنتهية ولايته” لكونه رفض اجراء اية انتخابات ، وفي مقابل ذلك اجرى عدة مفاوضات ماراطونية مع الاحتلال انتهت كلها بتمدد استيطاني غير مسبوق قضم معظم اراضي الضفة التي نزع الجزء المتبقي منها بواسطة الجدار العازل .

–       عرفت علاقة الاحتلال بغزة اشتباكات متقطعة ، عادة ما تنتهي باتفاق هدنة سرعان ما يتم خرقه من طرف الاحتلال بعمليات جديدة ، الا ان اطمئنان اسرائيل الى الى تخاذل الموقف العربي و تواطئ الموقف الدولي شجعها على القيام بعدوان شامل سمته “الرصاص المصبوب ” في ديسمبر 2008 اعقبه اجتياح بري بالدبابات مع غطاء بالمدفعية و الطيران ، و استمر العدوان اسابيع عدة مع مقاومة شديدة من الفلسطينيين رغم ضعف الامكانات وقلة النصرة و ظروف الحصار السياسي و الاقتصادي و الاعلامي .

–       تمثل الدور المصري حينئد في اعطاء الضوء الاخضر للعدوان حيث زارت تسيبي ليفني القاهرة قبل الحرب ب 48 ساعة ، ثم قام وزير الخارجية المصري ابو الغيط بتوجيه اللوم لحماس ، بعد ان اخبرتها الخارجية المصرية  قبل يومين بأنه لن يكون هناك اي هجوم اسرائيلي ، ووصل الامر الى قيام السلطات المصرية باطلاق النار على الفلسطينيين الذين حاولوا عبور الحدود الى مصر ، واغلق معبر رفح مرة بدعوى انه خاضع لاتفاقات دولية ومرة بدعوى انه شأن سيادي مصري ، وصرح مبارك حينا قائلا : “لقد حذرناكم مرارا من أن رفض تمديد التهدئة سيدفع إسرائيل للهجوم على غزة، وأكدنا لكم أن إعاقة الجهد المصري لتمديد التهدئة هي دعوة مفتوحة لإسرائيل لهذا الهجوم” ، وكانما يكرر منطوق المبادرة المصرية الاولى للعدوان الاخير اي ” لكم ان تختاروا بين الموت او الخضوع لهدنة نملي شروطها “.

–       بالنسبة لموقف عباس ،تبين اولا في نوع من التجاهل الاولي ثم تغاضي اعلام السلطة عن الاحداث المتسارعة ليستدرك بعد ذلك ويحاول رفع العتب بالحديث فقط عن الضحايا المدنيين مع ما يعنيه هذا من تحميل ضمني للمسؤولية للمقاومة ، وضمنت قوات امن السلطة في الضفة عدم تنظيم اية فعاليات مساندة للقطاع ما عدا وقفة يتيمة بالشموع و كأن الامر يتعلق بمأتم عادي و ليس بمجزرة بشعة ، وظهرت نوايا الزعيم بشكل واضح حين طلب تأجيل النظر في تقرير غولدستون حول الانتهاكات في غزة من طرف مجلس حقوق الانسان ، وهو ما كشفته وثائق بثتها قناة ” الجزيرة ” فيما بعد تشير الى الحاح سلطة رام الله على جيش الاحتلال سرعة الحسم في القضاء على حماس ، بل وتدل بعض الوقائع على ان الحلف المعادي لغزة حاليا كان هو نفسه سنة 2009  ،اذ لوحظ أن الفريق الصحفي لقناة ” العربية ” قد رافق بالتصوير التفصيلي عملية انطلاق الاجتياح البري من القواعد العسكرية الاسرائيلية ، وكأنه يريد توثيق حلمه باجتثات المقاومة وانكسارها .

–       عدوان سنة 2012 المسمى ” عمود السحاب ” كان فعلا مجرد سحاب نظرا للدور الفعال – وان كان ظرفيا – الذي لعبته احداث الحراك الشعبي ، ومواقف قيادة مصر و تونس الجديدتين ، ولم يتسن لاسرائيل تجريب قدرتها على الردع التي كانت تخطط لها بناء على نتائج الحرب السابقة .

–       كان عباس قد تخلص من دحلان باقالته من قيادة فتح مند سنة 2010 بعد ان تاكد من طموحه اللا متناهي و خشيته من ازاحته عن الكرسي ، و خصوصا بعد التصريحات المتوالية من طرف قادة الاحتلال مثل نتينياهو  الذي نسبت له صحيفة  “معاريف” انه يتمنى ان يتولى دحلان رئاسة السلطة خلفا لعباس ليتمكن من تحقيق الاتفاقات التي يرفض عباس توقيعها ، و الفرق طبعا بين الرجلين ان ابا مازن حريص على وضعه الاعتباري في القيادة الفلسطينية و لا يستطيع ان يقامر بكل رصيده على طاولة خصم لا يثق فيه ، اما دحلان فلا يملك اصلا ما يخسره لانه خسر كل شيء ، بل سيتمكن من استرجاع بعض الدور ولو كعميل لقوى اقليمية ، وهذا ما تكشف عنه اقامته الدائمة في الامارات .

–       حينما احس عباس ان طموح دحلان ليس مجرد اماني لقادة الاحتلال ، و أن هناك مخططا فعليا لاستبداله ،يجري التحضير له في الخليج بتنسيق مع اسرائيل ومصر ، خصوصا بعد اثبات دحلان كفائته في خلط الاوراق الامنية ، و استخدام عناصره في صناعة فيلم الارهاب بمنطقة سيناء لصالح السلطة الانقلابية بمصر ،بادر ابو مازن الى الهجوم المفاجئ و اتهم دحلان علنا بالتورط في اغتيال عرفات و عدد من قادة فتح و حماس و بالفساد المالي ، ولم يع الرئيس انه حينما يصرح بذلك فانه يعترف ضمنا بشرعية ما كان يسميه انقلاب حماس في غزة لانه كان ضد عملاء الاحتلال ، و بمسؤوليته الشخصية عن كل المآسي التي تعرض لها القطاع جراء نزع الشرعية السياسية عنه واخضاع سكانه لعقاب جماعي بسبب رفضهم مؤامرة قاتل عرفات و حليف الاحتلال .

–       و امعانا في اغضاب الطرف الخليجي الذي استسهل المس بسلطة عباس ، قام هذا الاخير فجأة وبعد مماطلة تمتد لسنوات بقبول تنفيذ المصالحة الوطنية ، وتشكيل حكومة كفاءات تسير الضفة و القطاع ، وطبعا لا يمكن الوثوق في صدقية هذا الاجراء الذي جاء تحت الضغط ، نظرا لسهولة التنصل منه بعد استيفاء الغرض منه ، ولن يعدم تعليلات للتراجع مع تحميل حماس تبعات ذلك .وهذا ما وقع بالضبط حين اختطاف ثم مقتل المستوطنين الثلاثة ، اذ سارع الى لوم حماس بالتزامن مع اتهام الاحتلال لها ، وطالب بالكشف عن المسؤولين ، وهدد بوقف الحوار و اجراءات المصالحة .

–       لم يكن الزعيم يعلم هذه المرة ان الحلف العربي الصهيوني قد تجاوز الحاجة الى التنسيق مع سلطة رام الله ، وخطط لحرب حاسمة يجتث بها ما تبقى من “التنظيم الدولي للاخوان المسلمين” بعد ان انهى المعركة في مصر، و أطمأن الى شرعيته المسروقة ،و الى الاضطرابات التي تعيشها معظم شعوب الربيع العربي ، و الى الحصار المضروب على غزة من كل الجهات . وهنا سوف يغير عباس من خطته ليحافظ على موقعه حسب اتجاه الاحداث و ميل موازين القوى .

–       فضل عباس الصمت في بداية العدوان ثم تحدث بخجل عن الضحايا ، وتلقف المبادرو المصرية مطالبا بتنفيذها ، وحين بدأت موازين القوة تظهر تفوق المقاومة ، سمح بالاحتجاجات في الضفة بعد ان كان قد منعها ، ثم تبنى مطالب المقاومة كلها مع اصراره على الوسيط المصري بأي ثمن ، وحين انتهت المواجهة خطب شاكرا كل دول العام دون الاشارة الى المقاومة التي صنعت كل ذلك الانجاز ، وكما فعل مع تقرير غولدستون ، يماطل الان في التوقيع على معاهدة الجنايات الدولية التي تخول التقدم بشكوى لمحاكمة الجرائم الصهيونية .

–       احس عباس بعد انقشاع غبار المعركة ،ان الخيار الراجح عند جماهير الشعب الفلسطيني هو خط المقاومة ، وبدت له المصالحة وكأنها ورطة علق فيها ،نظرا لما يتبع ذلك من استحقاقات اهمها انتخاب هياكل السلطة واعادة تشكيل هياكل منظمة التحرير ، وفي هذا الظرف بالذات لا يبدو انه سيحصل على مبتغاه ، فليعمل اذن على افراغ النصر من مضمونه و لو بالعودة الى حالة الانقسام و استنزاف المقاومة في معارك سياسية و اعلامية ، وكأن كل هذه التضحيات مجرد نزهة عابرة ،أو جملة اعتراضية في مسار التفاوض الابدي .

ان القفز الى الامام واستئناف التفاوض دون الاستناد الى كسب المقاومة ، مجرد محاولة يائسة لاستعادة دور اصبح مقترنا بمراكز و نفسيات افراد ارتهنوا قضية شعب و حولوها الى أصل تجاري لايقبل التنازل ،ولو كانت الرغبة حقيقة في تحرير الوطن لمر ذلك ضرورة باستكمال مقتضيات المصالحة ، بما فيها انتخاب هياكل النظام السياسي للسلطة ، واعادة تشكيل الاطار الوطني لمنظمة التحرير ،ووضع استراتيجية جامعة تعمل تحت سقفها كل القوى و الفصائل ، وما عدا ذلك سيكون خيانة لدماء الشهداء ، ولن يطول صبر المقاومة علي تحمل الطعنات المتوالية بدعوى الحفاظ على وحدة وطنية غير موجودة .

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

علي عبدالله منذ 9 سنوات

اليس من المفترض ان تكون محايدا لتكون داعما للحق الفلسطيني ؟ اليس من الصواب التحدث عن العدو اسرائيل وما تفعله بالفلسطينيين وتقدم حجم الماساة والكارثة التي تسببت فيها قوات الاحتلال الاسرائيلية بحق شعبنا في قطاع غزة ؟ اخي المحترم لست انت من يمنح الرئيس ابو مازن الشرعية او يطعن فيها لان الشعب والقيادة والتنظيمات الشعبية وكل الشعب الفلسطيني انتخب ابو مازن ولا داعي للمهاترات والدخول في تحليلات مصادرها اعلامية عامة لان الحقيقة نحن وحدنا نعرفهاعن خفايا ما يجري وابعاده الكارثية على المشروع الوطني الفلسطيني ... املين ان تكون محضر خير وايجابي وليس عامل تفريق وتشكيك ونحن من قيمنا ان لا نتدخل في شؤؤن الاخرين...اما اذا تعلق الامر في ضرب وتخوين قادتنا فالامر يختلف تماما ...ولهذا اعرف انك غيور وتتحدث من منلق الحرص الا ان ما قلته يتنزل في مقام التخوين ...

التالي