التجربة الاسكتلندية هل تدرس في المغرب؟

22 سبتمبر 2014 - 22:11

يقول المغاربة في مثلهم الدارج: «حتى عندما يذهب الزين تبقى حروفه»، هذا ما وقع في بريطانيا الأسبوع الماضي. الإمبراطورية التي كانت لا تغيب الشمس عن أطرافها خرجت من امتحان الانفصال سالمة بصعوبة كبيرة وذكاء أكبر. استطاعت حكومة ديفيد كامرون أن تحصل على نتيجة إيجابية من الاسكتلنديين بالبقاء ضمن العائلة البريطانية الواحدة، رغم الاختلافات والصراعات والحساسيات التاريخية والراهنة…

 كيف كسب السياسيون البريطانيون معركة الاستفتاء يوم الخميس الماضي حيث كانت عيون العالم تراقبهم؟

أولا: لم تخض الحكومة لوحدها معركة إقناع الاسكتلنديين بالبقاء ضمن العائلة الواحدة، بل حشدت كل الأحزاب البريطانية خلفها، بما فيها الحزب المعارض، حزب العمال بزعامة ميليباند، حتى إن رئيس الحكومة السابق المعارض حاليا للحكومة، غوردون براون، كان نجم معسكر «لا للاستقلال»، وكتبت الصحافة البريطانية عنه: «إنه ثاني رابح من نتيجة الاستفتاء بعد بريطانيا»، وهذا ذكاء سياسي كبير، حيث أظهرت النخبة السياسية في لندن للاسكتلنديين أن البريطانيين كلهم خلف ملكتهم على قلب رجل واحد في هذه القضية، وأن دعاة الانفصال إذا كانوا يراهنون على وجود حمائم وصقور في بريطانيا إزاء موضوع استقلال اسكتلندا، فإنهم واهمون.. هناك رأي واحد وموقف واحد وسياسة واحدة…

ثانيا: بعد الحملة الإعلامية والسياسية الذكية والموحدة لإقناع الاسكتلنديين بضرورة البقاء ضمن مملكة التاج البريطاني، جاءت الوعود، أو قل جاء خطاب العقل والمصلحة. قال البريطانيون لإخوانهم الاسكتلنديين: تريدون صلاحيات أكثر للبرلمان والحكومة المحليين؟ «أوكي». تريدون إشرافا مباشرا على جباية الضرائب عندكم؟ «أوكي». تريدون صلاحية الاقتراض المباشر من المؤسسات المالية الأوروبية؟ «أوكي». تريدون دعما أكبر للتعليم والصحة من الحكومة المركزية في لندن؟ «أوكي». تريدون من المؤسسات والشركات والمقاولات البريطانية أن تفتح المزيد من فروعها في اسكتلندا وجزرها؟ «أوكي». تريدون تعديلات دستورية تثبت هذه المكاسب في بلاد لا توجد فيها دساتير مكتوبة بل أعراف وتقاليد؟ «أوكي». تريدون تمثيليات ثقافية خارج البلاد للثقافة والتاريخ والهوية الاسكتلندية؟ «أوكي»، ومن ميزانية الخارجية البريطانية، لا بأس، هذا من حقكم…

ثالثا: جاء الدور على الملكة، حارسة التاج البريطاني، في بداية الحملة لإقناع الاسكتلنديين بشعار: «معا أفضل». لم تتدخل إليزابيث مباشرة، لكن الجميع كان يعرف أنها خلف الخطة الكبيرة لحماية ما تبقى من مجد الإمبراطورية وصورتها في العالم، لكن الملكة وبعد أن صوت 55 في المائة ضد الانفصال، وهي نسبة مرتفعة جداً، فاجأت دعاة الانفصال قبل غيرهم، حيث أصدرت رسالة رقيقة ومعبرة قالت فيها: «الآن، ونحن نمضي قدما، يجب أن نتذكر أنه بالرغم من مجموع الآراء التي جرى التعبير عنها، ورغم العواصف التي أحدثها الاستفتاء بين أفراد العائلة الواحدة، وهذه طبيعة تقاليدنا الديمقراطية، فإننا نشترك في حب قوي لاسكتلندا، وهذا الحب واحد من أشياء أخرى توحد البريطانيين».

كان في مقدمة دعاة الانفصال رئيس وزراء الحكومة المحلية، أليكس سالموند، الذي لم يكن غبيا إلى درجة الدعوة إلى طلاق تام مع بريطانيا، ورغم أنه قادم من حزب قومي كان الانفصال جزءا من هويته السياسية منذ زمن، فإنه يعرف صعوبة قرار الانفصال، لهذا حاول تغليفه في قطن ناعم، حيث قال لأنصاره: «نحن لا ندعو إلى انفصال تام عن المملكة التي عشنا معها لقرون، نحن ندعو إلى حقنا في دولة مستقلة كباقي الأمم، ونحن لن نرسم حدودا مادية مع بريطانيا في حالة الاستقلال، ولن نعلن الطلاق مع الجنيه الاسترليني، ويمكننا أن نبقى تحت تاج الكومنولث البريطاني، وأن تبقى إليزابيث ملكتنا، وأن تظل الشركات والمقاولات البريطانية في اسكتلندا على حالها، وكذلك عبور البشر والبضائع والخدمات و… لكن الاستقلال ضروري». وعندما فشل في إقناع شعبه، أعلن سالموند استقالته واعتزاله السياسة. هكذا يفعل الكبار.. عندما ينهزمون، لا يرفعون السلاح ولا تنتقلون إلى إيقاد نار الفتنة…

جرى الاستفتاء وشارك فيه أكثر من 85 ٪ (عدد سكان اسكتلندا 5,3 ملايين نسمة)، وخرجت النتيجة لصالح الوحدة بين الإنجليز والاسكتلنديين. قال المراقبون في تفسير هذه النتيجة إن الاسكتلنديين انتصروا للعقل على العاطفة، للحاضر على التاريخ، للاقتصاد على الهوية الدينية والثقافية… إنه تمرين ديمقراطي رائع يكشف أن الوحدة والحفاظ على كيان الدولة لا يتمان عن طريق القوة أو الحرب أو الإقصاء، بل بالذكاء والعقل والتسامح والقدرة على الإنصات للناس ولحقائق العصر ولضرورات المستقبل.

ملاحظة لها صلة:

هل تقدم لنا التجربة الاسكتلندية دروسا في الحفاظ على الصحراء والأقاليم الجنوبية بطرق أخرى ومنهجية أخرى وذكاء آخر وخطاب آخر؟ الجواب، بلا شك، نعم مع كل الفروق والاختلافات الموجودة بين هنا وهناك.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عاشق المغرب منذ 9 سنوات

على إثر قرار الاسكتلندين البقاء داخل الاتحاد البريطاني بعد أن رفضوا بشكل قاطع الاستقلال؛ يحسن القول إن الوحدة حينما تضمن الحرية المسؤولة هي الخيار الأمثل المدعوم بالعقل والمصلحة القطعية، وحينما تتحول الوحدة إلى قيود وأغلال بسبب الاستبداد وهضم الحقوق يتجه الناس تلقائيا إلى التفكير بل العمل من أجل الانفصال؛ وهذا المعنى مشاهد في أقرب صوره في العلاقات الأسرية بين الأزواج وبين الآباء والأبناء... وعليه يتعين البحث عن الصيغ المعقولة لضمان الوحدة والانتفاع بها دون قهر ولا إجبار... وإذا نظرنا إلى عالمنا الإسلامي المفكك إلى أقطار متنافرة أحيانا ومتناحرة أحيانا أخرى مع ما ينص عليه شرعنا من ضرورة الوحدة واحترام الحقوق وتجنب الظلم؛ نتوصل بعد التأمل إلى أن تحقيق الوحدة لا يكون إلا مع العدل والانصاف... ونظرا لتعقيدات الحياة اليومية وتشعب العلاقات التي بناها كل قطر مع أعداء الأقطار الأخرى، يبقى الرجاء منعقدا في تحقيق وحدة واقعية يلمسها المواطن يوميا من خلال تحسين الخدمات وتيسير التنقل للأشخاص والأموال بين الأقطار الإسلامية وسن القوانين الضامنة لذلك، فليس ما يجمع الاتحاد الأوربي أكثر مما يجمعنا؛ فلتعلو المصلحة العامة التي يستفيد منها المواطن أساسا قبل مصلحة الحكام والانظمة المتآكلة

جلال منذ 9 سنوات

العدل أساس الملك. لا وجه للمقارنة بين الملكية في بريطانيا و المغرب. حيت أننا مكتنا طويلا لحد سن اليأس في ما يسمي بالإنتقال الديمقراطي لدرجة بدأ الشك في نوايا هدا الإنتقال أصلا. قبل الإستفادة من تجربة بريطانيا يجب حسم في إنتقال فعلي لديمقراطية: 1- دستور يفصل السلط بشكل حقيقي و واضح حتي نعرف أي حكومة نحاسب: حكومة منتخبة أو حكومة صاحب جلالة. 2- إستقلال القظاء هو رافعة لسلم الإجتماعي و جلب الإستتمار و قظاء علي الإحتكار لوبيات تقليدية معروفة. 3- إلتزام دولة بتوصيات هيئة الإنصاف و المصالحة كاملة. 4- إصلاح التعليم يشكل براغماتي بعيدا عن العاطفةيحيت يكون هو مولد التروة و الرافعة لمواطن مسؤول إجتماعيا و سياسيا. لو حققنا نصف هده الإصلاحات فقد ربحنا ملف صحراء و كل شيئ بما فيه المستقبل, فلا أطن أن القط يهرب من حفلة العرس دسم.

علال بورزة منذ 9 سنوات

لو كان بالمغرب ملكية تسود ولا تحكم ولا ترعى الفساد وتشرعنه ولاتمارس العنف الممنهج بشتى الأشكال على الوطنيين ولا تخلط المال بالسياسة ولا تتآمر مع القوى الأجنبية على شعبها ولا تطرح أسئلة بليدة عن مصير الثروة ولا توهم الناس بمواضيع غريبة كالرأسمال المادي... لانضمت لنا الصومال والنيجر ونيروبي واليونان اسبانيا و و و وليس فقط البوليزاريو. كفى من التخريف... آش جاب ... ل...

محمد النجاري منذ 9 سنوات

الطريق التي يفكر بها الساسة في هذا البلد يجب أن تتغير ويتمرن أكثر على متغيرات الواقع الجديد في ظل السياسات الدولية وسلاح الإعلام الخاص والعمومي، دون نسيان مصدر القوة الأول الذي يتجلى في شعار: الديموقراطية أولا. وبه وجب على الطبقة السياسية أن تتأقلم مع القوة الخارجية المتحكمة في زمام الداخل أكثر من الداخل نفسه!

التالي