الدافع في سايكولوجيا الإرهاب

28 سبتمبر 2014 - 23:47

إن المناخ التربوي العائلي حاكم على سلوك افراده و يحدد مدى ايجابية أو سلبية الدور الذي سيلعبونه في مجتمعاتهم. لا يمكن نفي التأثير الذي يلعبه المجتمع و تلعبه الثقافة و البيئة كذلك؛ لكن الحلقة الأهم تتمحور حول الحاضن الأولي للفرد و الراعي لطفولته و تكوينه المبكر. إن التحاق الشباب بقوافل الإرهاب الديني مهما كان سببها فإن للأسرة المباشرة لهؤلاء الشباب الدور الأهم المساهم في تحولهم إلى ارهابيين. محفزات التحاق الشباب بقوافل الإرهاب لا تكمن في رغبتهم في الحور العين كما يروج في عدد من المصادر الإعلامية. و مثل هذا القول البسيط لا ينصف القضية و يعطيها بعداً أخروياً من الهامش ضارباً عرض الحائط الأسباب الحقيقية المسؤولة عن الحماس الجماعي للانخراط في الإرهاب. إذا كانت القضية منحصرة في الحور العين مثلاً، فما هو العامل المسؤول عن التحاق شابات و نساء بقوافل الإرهاب؟ هنا تسقط نظرية الحور و تبرز أهمية التعامل بجدية مع الحماس الجماعي للانخراط في الإرهاب. فلا يمكن فهم ظاهرة الإرهاب الجماعي دون التركيز على عدد من المفاهيم السايكولوجية مثل الإدراك عند هؤلاء و تفاعل الفردي منه مع الجماعي ، و كذا مفهوم الإهتمام و العاطفة و الشخصية و التفاعل الذاتي و العائلي و وظيفة الدماغ و الدافع و غيرها. في هذه الورقة نحصر الكلام في مفهوم واحد من بين هذه المفاهيم الا وهو الدافع أو المحفز. فبعدما أوجزنا في كون الدافع لا يمكن أن يكون الحور العين، نعرض فيما يلي أهم الدوافع التي تترجح عندنا بعد الملاحظة و التدقيق. و انحصار الكلام حول “الدافع” لا ينفي تداخل مفاهيم أخرى خاصةً “العاطفة” و “الإدراك” و تزاحمها إلا ان النقاش سيكون من زاوية “الدافع”.

المغامرة و التحدي

المغامرة – و أضيف هنا التحدي – تجربة تخلق إثارة نفسية قد تكون أهم شيء في الحياة أو كل شيء في الحياة كما ذهبت إليه هيلين كيلر في قولها “الحياة اما مغامرة جريئة أو لا شيء” 1. و إذا ما نظرنا إلى واقع انتماء مجاميع الإرهاب على الأقل في نموذج المنخرطين و المنخرطات المغاربة و التونسيين * فإننا نجدهم مفتقرين إلى فرص المغامرة و التحدي الطبيعية، و بالتالي وجود حاجة إلى تجربة هذا النوع من الشعور و الإثارة النفسية. يتغذى هذا الشعور و ينمو في مختلف مراحل الحياة، فالطفل يحس بهذا النوع من الإثارة عند اللعب و عند ممارسة مختلف الأنشطة الرياضية و التربوية لتصبح المغامرات تحديات في مجال التعلم و الوظيفة و اختيار الشريك و مباشرة مختلف الأعمال. في واقع التجمعات السكنية الهشة حيث يسود شعور جماعي بالدونية، و يعيش الأفراد في مستوى متأزم يتأثر أو أحياناً ينعدم فيه النشاط التربوي الملائم و تقل أو تنعدم فيه فرص المغامرة الطبيعية و التحدي، نجد المناخ الملائم لتجنيد الأفراد في مسارات منحرفة مثل الإرهاب (و هناك مسارات أخرى مثل المخدرات و الجريمة و الهجرة السرية ليست موضوعنا هاهنا). الالتحاق بالمجاميع الإرهابية يوفر المغامرة والتحدي المفقودين، خاصةً عند الذين رأوا في العنف قوةً وبطولةً سواء على مستوى التجربة الاجتماعية أو على مستوى فهم التاريخ الديني. وانتماء الشباب المنضم إلى قوافل الإرهاب الدولي إلى نفس الطبقة الهشة في داخل المجتمع الكبير ينقل الحس المغامراتي من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة حيث يدخل عامل الصراع الطبقي كذلك. المتطرفون الذين ظهروا في أشرطة كجماعات مقاتلة في سورية يلاحظ اهتمامهم باستعمال لغة منطقتهم وإظهار انتمائهم إلى طبقة معينة و كأنهم يريدون إعادة اعتبار و تأكيد حضور طبقتهم المهمشة. في حين لما يتحدثون فرادى يلاحظ استعمالهم للفصحى وهي الحالة التي يكون فيها التأكيد على الذات التي حرمت من شعور التحدي واضحاً.

يوفوريا الانتقام

قبل بضع سنوات، قامت مجموعة من الباحثين السويسريين بفحص أدمغة أفراد تم النصب عليهم في لعبة تبادل تجارية، حيث كان من المفترض قيام الشركاء بتبادل الأرباح. فلما حافظ البعض على الأرباح لأنفسهم عوض تقسيمها، أتاح الباحثون للضحايا في هذه اللعبة فرصة الإنتقام عن طريق معاقبة شركائهم الجشع. و بمجرد ما علم الضحايا بفرصة الإنتقام و لمدة دقيقة كاملة سجل الباحثون نشاطاً دماغياً على مستوى النواة المذنبة، و هي جهة في الدماغ مسؤولة على إثارة الإحساس بالمكافأة 2. و هناك أبحاث تتحدث عن تأثير النيكوتين و الكوكايين على المذنبة. و الغرض من هذا الإيضاح هو إستحضار حقيقة كون الإنتقام يولد يوفوريا خاصة عند الطرف المنتقم. في حالة شاب و شابات الطبقات الهشة الذين انضموا إلى مجاميع الإرهاب الدولي تتنوع عندهم أسباب الإنتقام. فمنهم من أثرت عليه قنوات فضائية دينية و أخرى تابعة لدول خليجية أمعنت في رسم صورة إضطهاد لبعض المسلمين، و أسرفت في التقرير و التكرير ما يولد ضغطاً نفسياً على المتعاطفين الذين اصبحوا يبحثون عن نشوة الإنتقام. و منهم أراد الإنتقام من أقاربه كما في حال ضحايا العنف الأسري، و منهم كذلك من أراد الإنتقام من المجتمع ككل. يوفوريا الإنتقام تبقى عنصراً حاضراً عندما نتحدث عن الدافع في سايكولوجيا الإرهاب.

يوتوبيا دولة الخلافة

يرى عدد هائل من المسلمين خلافاً لحقائق التاريخ الواضحة أن دولة الخلافة – أو الخلافة على منهاج النبوة كما يحب أن يسميها البعض-  دولة مثالية يتحقق فيها الخير و السعادة للناس وتمحى فيها  الشرور و يقام فيها العدل حتى في البهائم و النباتات.  و يروج مثل هذه التصورات الخاطئة معظم علماء المسلمين خالقين بذلك الجو الملائم للتطرف نشرح بإختصار هنا. إن الكلام على دولة خلافة راشدة قادها إنسان غير معصوم يعطي ذريعة لمحاولات أخرى لإعادة قيام هذه الدولة. فلو قلنا أنها لا تقوم إلا بإنسان معصوم، وجب على الذي يدعي أنه خليفة أن يثبت أنه معصوم، و مع استحالة هذا يغلب عند الناس ترجيح القوانين الوضعية. لكن لو قلنا أنها قامت بغير المعصوم و كانت غاية في العدل فإننا سنواجه مشكلاً يتمثل في خروج أشخاص يدعون أنهم خلفاء مثل الملا عمر في أفغانستان و أبو بكر البغدادي  في العراق الجريح. ليس هذا فقط، بل إن المؤمنين و المؤمنات  بمدرسة الخلافة و يوتوبيا الدولة الراشدة المتحمسين يصبحون قنابل موقوتة يتحكم في زرها خليفة ما في أي لحظة.

اننا لما نتحدث عن دولة الخلافة كدافع لا نعني حصراً رغبة المتطرفين في تحقيق هذا الكيان الفاضل فقط، بل إن الدافع متنوع الجوانب. فمثلاً، هناك من يريد أن يدخل التاريخ و يقال عنه مستقبلاً ما يقال اليوم و قيل البارحة عن موسى بن نصير و طارق بن زياد و عمرو بن العاص و غيرهم. حتى عند الموت قبل قيام الدولة الفاضلة يرى المتطرفون أنهم دخلوا التاريخ من أقدس الأبواب عندهم و هو باب الجهاد و الفتح. و هذا ما يفسر سلوك الإنتحار الفردي كما  في التفجيرات المتفرقة، و كذا الجماعي كما في الإصطفاف عند الخطوط الأمامية خلال الاقتحامات و التسللات. و الأحداث المأساوية في سوريا و العراق غنية بمثل هذه النماذج.

ختاماً نؤكد مجدداً على أن محاولة فهم و معالجة ظاهرة الإرهاب الديني لا تقارب عن طريق قصاصات الحور العين و حكايات الأقراص المهلوسة و التفسيرات البسيطة. قضية الإرهاب الديني قضية معقدة يحتل الجانب السايكولوجي فيها  ما تحتله الأعصاب في فهم الحركة. و بالتالي معالجة هذه القضية تتطلب العمل على إعادة تأهيل نفسي للشباب و الشابات خاصةً أبناء و بنات الطبقات الهشة. و لا يكون ذلك إلا إذا كانت هناك مقاربة شاملة تبدأ عند إرشاد الأسر و المرافق التربوية و ترشيد و عصرنة منابر الخطاب الديني و فتح حرية المعتقد لتحقيق التوازن و التدافع الفكريين في المجتمع.

 

__________________________

1- حول سايكولوجية الشخصية. ط . السيفيير، ص 187. ISBN 978-0-08-044209 – 9.
* لا تستثنى البلاد الغربية في قضية الطبقات الهشة. فقد إلتحق بصفوف الإرهاب الدولي شباب من أسخى الدول الأوروبية مثل بلجيكا والمملكة المتحدة. وهنا نشير إلى أن هشاشة طبقة ما من مجتمع ما قد تختلف مع نوع الهشاشة لطبقة ما من مجتمع آخر، لكن ما يجمعهم هو الإحساس بالدونية الذي لا ينحصر سببه في الماديات.
2. سايكولوجيا الإنتقام المعقدة، إيريك جافي، الأبزورفر ، الكتاب 24 ص 8. أكتوبر 2011.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي