كل عام والثامن من مارس امتحاننا العسير.

08 مارس 2015 - 00:48

يحل الثامن من مارس كيوم مهم في الروزنامة العالمية والأممية فتنكفئ منابرنا الإعلامية والعلمية على التهليل والتكريمات والاحتفاءات المختلفة بالمراة اعتبارا لدورها الطلائعي في المجتمع، ويتم ذر الرماد على العيون بالقاء الضوء على نساء ناجحات مشعات حققن « نوعا « من التواجد الذي لا نملك إلا ان نحييه ونفرح به طبعا. لكن ما يجعلنا لا نفعل هو أن الأمر في واقعه ليس إلا حملات انتخابية استباقية توظف كل الأبواق و كل المنابر وتكرر كببغاء ثرثار ما ينبغي لها ان تكرره كل سنة من اتساع المساحة التي تحتلها المراة و تبوئها مناصب ومكانة مهمة واكتساحها لمجالات كانت –ثقافيا فقط- حكرا على الرجل، بل اكثر من ذلك هناك من يذهب بعيدا في غيه ومرائه ويعلن أمامنا ان حكومتنا الملتحية حققت في الثلاث العجاف السابقات ما لم يحققه حاكم ولا حكومة قبلها… طبعا فنحن اعتلينا مكاننا عاليا…في السقف كثريات ينرن ظلام هذا الوطن الدامس.
الحقيقة ان الاندحار الفكري الذي وصلنا اليه كمجتمع أولا وكنساء ثانيا خلال هذه المرحلة ، شكل في واقعه ردة كل المكتسبات التي تعاقب على تحقيقيها أجيال من الفاعلات والفاعلين الذين دعوا أولا الى التمكين العلمي والمادي كركيزة أساسية لتحقيق الاستقلالية والكرامة للمراة، اللذان تنتفي بدونهما اية إمكانية للمساواة. فقد جرى إلباس النضال في قضية المراة، كقضية مجتمع، لبوس الكفر، وألصقت بخروج المراة الى العمل الاداري –لان المراة المغربية لم تتوقف يوما عن العمل والانتاج والكد والمساهمة في الحياة العائلية والاجتماعية– كل السلبيات التي فرضتها الصيرورة التاريخية على المجتمع العصري ، وتمت شيطنة النساء الحاضرات في الميادين والمدافعات عن وضعية المراة ورجمهن بأقذع الصفات الحاطة من الكرامة، وتم النفخ والتركيز على دور المرأة « الأساسي » و »الطبيعي » و »الرسالة الربانية » التي أوليت لها كأم وأخت وزوجة طيعة و لينة العريكة قابلة للعجن والقولبة وتم تهميش دورها الحقيقي في البناء التاريخي والاقتصادي للوطن وللمجتمع. وهكذا في ظرف ثلاث قصار أصبحت نساؤنا تتخوفن من أن تصنفن كنساء « مستقلات » مدافعات عن مساحتهن الطبيعية التي تفرضها مشاركتهن الحقيقية في الحياة بمختلف نواحيها ومناحيها ، وأصبحت الخطابات النسائية المتداولة خطابات « مواضعاتية » « متواطئة » « مترددة » وأكثر من ذلك أصبحت « متحفظة » و »محافظة » و طلعت علينا فنانات بلحي وسياسيات « تملسن في اتجاه الوبر » على خدود الحكومة وتتجنبن سلاطة وشعبوية لسانها الاصولي الذي لا يتوانى عن التكفير و اهدار الدم وأصبحنا نسمع نساء يحملن سلاح الجهل ضدنا ويعترفن بأحقية مضاعفة نصيب الإرث للرجل وبقوامته ، في زمن تشترك فيه المرأة في « تكوين » ثروة العائلة وتتحمل فيه أكثر من نصف أعباء الحياة، تشد عضد الرجل، أبا كان أو أخا أو زوجا. أصبحنا ننتج نساء يِؤمن بأنهن عورات، لا يعترفن بعقولهن بل بشعورهن ولا بجهدهن بل بجسدهن، ينكرن على أنفسهن حقهن في العمل، و يعتقدن – حد الإيمان- أنهن السبب في كل ما يصيب المجتمع من نكبات، بل ويستندن في ذلك على مرجعية دينية خاطئة ومغالطة للحقيقة تاريخيا ، فحتى الدعوة الإسلامية قامت على « أكتاف النساء » : على أموالهن (خديجة بنت خويلد التي استأمنت النبي محمد على أموالها)، على بأسهن وسيوفهن ( خولة بنت الأزور التي نزلت ساحة الوغى في العديد من الغزوات ) وعلى وجاهتهن (هند بنت عتبة التي استنفرت نساء المسلمين في معركة اليرموك)، على صبرهن وجلدهن (تماضر بنت عمر الملقبة بالخنساء شاعرة الدعوة ) وعلى شجاعتهن (سمية بنت خياط المكناة بأم عمار أول شهيدة في الإسلام ) والأمثلة تعد ولا تحصى.
وعلاقة بالاحتفالات، سوف يحق لنا أن نحتفل باليوم اليتيم حين ندق المسمار الحقيقي في صرح المكتسبات المنطقية و العادلة الذي هو المساواة في الإرث : إن مجتمعا تتساوى فيه -منطقيا- المراة مع الرجل في الالتزامات المالية الأسرية والعائلية وتشارك فيه في بناء الثروة المشتركة،بل أحيانا تبنيها وحدها ، وفي الالتزامات الجبائية والاقتطاعات والرسوم الجمركية و في كل ما يرتبط بتواجدها كمواطنة لا يمكن أن يكون عادلا إلا حين يساوي بين الجنسين في قسمة ما يتم توارثه. إن امرأة تمنح الحياة وتمنح الجنسية وتمنح الاسم لا يمكن ان تُبْخَسَ حقها في قسمة عادلة للإرث بحجج تراثية فقهية انتفت وجوبيتها وراهنيتها وحتى منطقيتها في ظل مجتمع المشاركة الفعلية والتامة. إن مجتمعا يعترف بالقدرة والاهلية لابنة أو أخت أو زوجة لتسافر خارج الحدود من أجل العمل ولتساهم في تحمل أعباء الحياة ولا يعترف لها بالأهلية والحق في ان تنال حقها نصفا عادلا تاما ويشهر في وجهها ورقة الدين والشرع والكفر لهو مجتمع سكيزوفريني غير مستقيم . دون هذا المكتسب لا يمكننا ان نتحدث عن أي عيد وعن أي حصيلة ولا عن أية مساحة يمكن أن نحتلها نحن كنساء محظوظات تعملن لتعلن أنفسهن وتتملكن أمر أنفسهن. فخارج نطاق الإسفلت توجد نساء تعملن كعبدات أو كأجيرات مقابل اللقمة، بالطبيعة أو بالنسل، وكل رأسمالهن إرث من أب أو زوج يحرمهن منه جور تراثي أصولي وحتى عرفي ينبغي العمل على هزه بل وإسقاطه ، ليس حربا ولا ضغينة ولا حتى توسيعا لحيز التواجد ، بل فقط من أجل كرامتهن ومن أجل الحق كقيمة إنسانية مطلقة تتجاوز الصراعات البليدة بين مجرد رجل ذكر وامرأة أنثى.
كل عام والثامن من مارس امتحاننا العسير.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي