دموع التماسيح 

27 أبريل 2015 - 20:39

اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، وذرفوا الدموع على 1000 مهاجر سري قضوا نحبهم في عرض البحر الأبيض المتوسط في أقل من أسبوع، وبالضبط في شواطئ إيطاليا.. أطلقوا كلاما جميلا في الهواء حول هذه المأساة وأسبابها وصورها الصادمة، لكنهم عندما مروا إلى الحلول مسحوا دموع التماسيح، وبلعوا ألسنة الرحمة، ونزعوا معاطف الرهبان، وقرروا اتخاذ إجراء واحد فعال وقوي لمنع المهاجرين السريين من ركوب أهوال البحر، وللحفاظ على أرواحهم على الشاطئ. ماذا قرر زعماء أكبر وأغنى تجمع إقليمي في العالم؟ قرروا قصف مراكب الهجرة السرية قبل إقلاعها محملة بالنفوس البشرية!

يا سلام.. كم هي أوروبا إنسانية وحنونة ومتفهمة لمشاكل الجنوب ولآلام الآخرين! لم يتخذوا قرارا لصرف 10 أو 20 مليار أورو لمساعدة البلدان المصدرة للهجرة، ولم يقرروا تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات، وتخفيف الحصار المضروب على المهاجرين العرب والأفارقة الراغبين في الانتقال إلى الضفة الأخرى، ولم يقرروا التدخل لإخماد الحروب وبؤر التوتر التي تدفع البشر إلى مغادرة مسقط رأسهم بحثا عن الأمان ولقمة العيش… لم يفكروا في كل هذا لأنهم لا يستمعون إلا لرجال الأمن وحرس الحدود، لهذا قرروا قصف المراكب المعدة لنقل المهاجرين إلى عرض سواحل الإلدورادو الأوروبي، حتى لا يموت أحد في مياههم الإقليمية، وحتى لا تضغط صور المأساة على صانع القرار، وحتى لا يهتم الرأي العام في أوروبا بمشكل لا أحد من السياسيين يريد تحمل كلفة حله… الحل أن يموت المهاجرون واللاجئون والفقراء والجوعى والخائفون في بلدانهم، وألا يصدروا أزماتهم إلى الاتحاد الأوروبي. هنا لا أحد يسمع صوتهم ولا أحد يدافع عنهم، إذن، ليموتوا في شواطئهم لا في شواطئنا…

هذا الحل الجبان هو نفسه الحل الذي تقترحه النكتة الفرنسية كعلاج للعنصرية.. تقول: «هناك حل جذري للعنصرية في أوروبا، وهو حل سهل وعملي ونهائي ولن يكلف شيئا.. لنرحل كل الأجانب من أوروبا إلى بلدانهم الأصلية، وعندها لن يجد اليمين المتعصب مبررا ليكون عنصريا.. لن يجد المبرر في اليوم الموالي لتنفيذ هذا القرار. لن يعثر اليمينيون على مسلم أو أسود أو أجنبي ليحرضهم على أن يكونوا عنصريين…».

هذا هو الحل الذي يقترحه الاتحاد الأوروبي اليوم، بعد أن جرب الهجرة الانتقائية، وبعد أن جرب الأسوار الشائكة، والترحيل القسري، والإبعاد المؤدى عنه، وإغراق المهاجرين في عرض البحر، وتعزيز ترسانة كاملة لحماية حدوده… ها هو الآن يمر إلى السرعة القصوى.. سيقصف المراكب التي تنوي حمل المهاجرين إلى أوروبا، وكأن هذه المراكب مسجلة باسم شركة دولية متخصصة في الهجرة السرية تحمل أعلاما خاصة وأسماء خاصة ورقما دوليا لرحلاتها! هذا ضحك على الذقون، وضوء أخضر لاستعمال القوة العسكرية لقتل المهاجرين في موطنهم وقبل أن يقلعوا صوب الجنة الأوروبية.

أوربا عاجزة عن حل مأساة قوارب الموت، ومأساة عشرات الآلاف الذين يهربون من الحرب والجوع والفوضى والفقر وعدم الاستقرار قاصدين القارة العجوز. إذا كنا نعيش في قرية واحدة، وإذا كنا نغني كل يوم للتضامن الدولي والتعايش الإنساني والمسؤوليات المشتركة، وإذا كانت الدول كلها وقعت على ميثاق الأمم المتحدة ودخلت إلى البيت الزجاجي في نيويورك كأسرة واحدة متضامنة في السراء والضراء، فعلى الجميع أن يتحمل جزءا من فاتورة الحفاظ على حياة وكرامة البشر، وعلى الغني والقوي أن يقدما المثال عن التحضر البشري، وأن يمدا يد العون إلى المحتاج… كل القوانين الوطنية تعاقب الشخص الذي لا يمد يد العون إلى المحتاج، وتجرم هذه الأنانية، لكن في مجتمع الدول لا يوجد قانون ولا أعراف ولا إنسانية ولا رحمة…

الهجرة ظاهرة بشرية لها تاريخ عريق، وهي أقدم من الدول والحدود والتأشيرات وجوازات السفر. أوروبا التي تبني أسوارا من حديد على نفسها اليوم هي أكثر قارة استفادت من الهجرة إلى أمريكا واستراليا وآسيا وحتى إفريقيا. لقد رحلت أوروبا قبل قرنين ونصف مئات الآلاف من غير المرغوب فيهم لأسباب عدة، دينية واجتماعية واقتصادية وحتى إجرامية، إلى أمريكا، وحلت مشاكل كثيرة بهذه الهجرة، ومن بريطانيا لوحدها هاجر بين الحربين العالميتين الأولى والثانية أكثر من 11 مليون إنجليزي إلى أمريكا واستراليا ونيوزيلندا وغيرها. إسبانيا هي آخر بلد في أوروبا استفاد من هجرة ملايين مواطنيها الذين هربوا من فقر بلدهم وقمع فرانكو وتعصب الكنيسة، والآن نسوا كل هذا التاريخ، واتفقوا على حظر الهجرة في وجه الأفارقة والعرب. هذا ليس له اسم غير النفاق والأنانية والعجز الأخلاقي والسياسي عن تحمل المسؤولية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عمر علي منذ 8 سنوات

أوروبا تجني ما زرعته في أفريقيا. بعد تراجيديا الاستعمار جاء الاستقلال الصوري حيث فرضت الدول الاستعمارية حكاما لصوصا سمحوا للشركات الأجنبية بالاستمرار في سرقة الذهب و الماس و البترول و الأخشاب والمعادن وأخذ الرجال للحرب و لإعادة بناء أوربا. بعد خمسين عاما من الاستقلال ما زالت أفريقيا السمراء كما تركها الاستعمار وقد تشكل جيل من الشباب اليائس الذي ليس لديه ما يخاف على ضياعه ولدى أوروبا الكثير مما يطمع فيه .

fadid منذ 8 سنوات

je confirme ton avis

فريد منذ 8 سنوات

عاشت أوربا

ليلی منذ 8 سنوات

يا سيد توفيق ماذا ستفعل أوربا مع العالم الثالث إن الدول المتخلفة غير مستعدة لتحقيق أقلاع إقتصادي هل أوربا ستأوي العالم المتخلف باكمله هذا غير ممكن هناك من تستقبله أوربا وتطعمه من جوع و تآمنه إنسانيا لكنه يحن لعهد القمع الذي يعيش فيريد أن يفجر العالم الكافر الذي آواه وكونه و درسه أحسن تكوين سيدي توفيق يجب أن تعلم أنه لولا أوربا و أمريكا و تقنياتهم التي تساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان لدك العرب و العالم الثالث بصفة عامة شعوبهم دكا سيدي توفيق لولا إنسانية الغرب و حقوقه لما اسطعت أنت ولا غيرك كتابة سطر واحد تنتقد فيه أي مسؤول كيفما كان نوعه حتی و لو سرق أموال الشعب عن بكرة أبيها سيدي توفيق لو كان فقهاء المنابر يملكون سلطة القرار في العالم لحرموا الإنترنت و التلفزة و حتی العازل الطبي كي تسود الأمة سيدي توفيق الله يكثر خير الغرب لولاهم لكنا لازلنا نموت بالملايين و بالطاعون و الجذري و الحصبة و الحكة و الكزيمة و لما نفعتنا أدوية العرب و أعشابهم سيدي توفيق بوعشرين لا أعلم لماذا تهاجمون الغرب أنتم معشر الصحفيين و أنتم تعلمون أنه لولا الغرب لأغتصبت الحقوق و سيطرت اللحی علی الحريات و كرامة الإنسان سيدي توفيق لولا الغرب لرأيت البغدادي يصول و يجول في أخواتنا و زوجاتنا بدعوی السبي سيدي توفيق عاشت الحرية حتی و لو جاءت من عند الشيطان لا من عند البغداي وقانون السبي و بيع اليزيديات و ذبح بني البشر علی الشواطیء لإخافة اوربا تحيا الحرية و يحيی الغرب حاميها

مغربي على قد الحال منذ 8 سنوات

الاتحاد الاوربي هو زواج مصلحة لا حب فيه فتاريخهم تاريخ حروب لم تنقطع الى ستين سنة خلت, اما حاضرهم فاليونان وتعاملهم مع ازمتها ورفض بريطانيا استقبال المزيد من البولنديين يؤكد ذلك لكن للمفارقة فالدول التي اسسها مهاجروهم اغلبها متقدمة: نيوزلندا واستراليا وامريكا وحتى جنوب افريقيا دول رائدة عمليا لو تفتح اوربا ابوابها سيهاجر كل الافارقة وستصبح اوربا افريقيا ثانية ولا احد سيستفيد... رفاهية اوربا نتيجة عمل وتضحيات الاوربيين لقرون طويلة ولا حق لاحد ان يطالبها باستقبال كل بؤساء العالم فلا احد منا يقبل ان يقتحم عليه متشرد داره عنوة بدعوى حاجته لذلك

التالي