حبل السرة العصي

16 مايو 2015 - 00:51

تؤثث هذه الأيام استقالة أو إقالة كل من الحبيب الشوباني، وسمية بنخلدون، وعبدالعظيم الكروج من حكومة عبد الإله بنكيران، كل جلسات المقاهي والبارات ودردشات الشبكات الاجتماعية (ولا أستبعد الحمامات كذلك). وكل التعاليق تمر بسرعة على الكروج، الذي كان وزيرا منتدبا باهتا مكلفا بالتكوين المهني، لتقف بشكل مستفيض عند حالة الحبيب وسمية اللذين أصابتهما سهام الحب التي يطلقها «كيوبيد»، ابن الإلهة فينوس في الميثولوجيا الرومانية، من قوسه. غلبت السخرية على جل التعاليق التي تخصهما، ولم يخل بعضها من الشماتة من الوزيرين السابقين، خاصة وأن الوزير السابق متزوج ويعتزم أن يرتبط بزميلته في الحكومة والحزب، بل وانتشر خبر يفيد بأنه أخذ معه زوجته الأولى لخطبة الثانية. ورأى الكثيرون، خاصة الذين يتوقون إلى التخلص من التعدد، أن من يرخي الزمام لـ «عواطفه» – بالأحرى «أهوائه» أو «نزواته»- ويستسلم لها، تكون عاقبته غير محمودة.

شخصيا يراودني السؤال التالي: ألا يمكن أن نقرأ في ثنايا إعفاء الوزير والوزيرة إشارة من الجهات العليا، التي يوجد بيدها الحل والعقد في هذه البلاد، إلى عدم رضاها عن التعدد؟ لا أملك جوابا قاطعا حقا، ولكن ذلك الخيط الرهيف من الأمل الذي أتشبث به رغم كل شيء، يجعلني أقول: ربما.. ولكن هل تكفي الإشارة للتصدي للتعدد الذي، وإن قلّت حالاته بشكل كبير جدا، فهو مازال له حضور صامت، ويكشف أن المجتمع المغربي سجين محافظته وإن أخفى جدرانها بما تيسر من مظاهر العصرنة (وليس الحداثة)؟. فحتى تلك النخبة، التي كان يُفترض فيها النهوض بمهمة جر هذا المجتمع نحو الحداثة، تستحسن خلسة التعدد ولا تسعى إلى التخلص منه ولا تجد غضاضة في تكريس هذه «المحافظة» وإخفائها فقط، بلبوس العصرنة لادعاء الحداثة، ولعل أبرز مثال على هذا كون ربع أعضاء مجلس المستشارين تقريبا، وهو مبدئيا يضم ممثلي النخبة الاقتصادية والمحلية، مرتبطين بأكثر من زوجة حسب إحصاء أوردته مجلة «جون أفريك».

في تقديري ليس هناك أسوأ من «محافظة» النخبة الحداثية – بالأحرى التي يظن أفردها أنها حداثية – أولا، لأن الميل للمحافظة يكون كامنا هناك في لا وعيها، وتملك الوسائل (الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية وحتى الثقافية) لفرض تصورها المشوه لحداثة محافظة.. حداثة مبتورة من أهم مكوناتها: الفرد (التعدد فيه إلغاء كامل وشامل لفردانية المرأة)، والقطيعة مع التراث بشكل ما، بل على العكس من ذلك، فأفراد هذه النخبة يتشبثون بالتراث، وهنا تنطبق ملاحظة عبد الله العروي على كون من يتشبث بالتراث «هو في الغالب أكثر الناس جهلا به».

ثانيا، لأنها تكرس المعتقدات المحافظة للمجتمع بدل السعي إلى تحريره من قيودها. ومنها أن المغاربة مازالوا يعتبرون أن التعدد «عملا بطوليا» يقوم به الرجل، جنسيا (علامة على الفحولة، العمود للفقري، لمفهوم الرجل في مجتمعنا)، واجتماعيا (مظهر من مظاهر الشهامة لأنه يساهم في القضاء على العنوسة).

إن التعدد، من تلك المظاهر التي تؤكد أن مجتمعنا المغربي مازال، رغم كل مظاهر العصرنة الخارجية، غير قادر على قطع حبل السرة العصي مع التقاليد (التي كانت اجتماعية وثقافية قبل أن توضع في قوالب دينية) لبناء علاقة جديدة معها، كما يؤسس الرضيع روابط أخرى مع أمه تختلف عن تلك التي كانت بينهما لما كانا ملتصقين بذلك الحبل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي