توفيق بوعشرين :سينما وسياسة ودعارة

27 مايو 2015 - 22:30

 

لم تصبر الحكومة على الضجة الكبيرة التي أحدثتها اللقطات الصادمة التي سربها المخرج نبيل عيوش عن فيلمه «الزين للي فيك».. مرت إلى سلاح المنع من العرض في محاولة لإغلاق باب الجدل الساخن الذي إثارته المشاهد الصادمة المسربة عن فيلم حول الدعارة في مراكش…
ليس من عادتي أن أبدي رأيا في موضوع لا أعرفه، ومن ثم لن أناقش هنا فيلما لم أشاهده، لكنني مضطر، وقد أصبح الموضوع عاما بل وشاغلا للناس، أن أبدي رأيي فيه مساهمة في تنشيط الحوار دون ادعاء ترشيده أو تأطيره، فهذه ليست مهمة الصحافي وكاتب الرأي…
تحدثت مع المعنيين بقرار المنع أمس، وسألتهم: «لماذا لم تكتفوا برد الرأي العام على ما اعتبره استفزازات فيلم عيوش للمغاربة؟»، فقال المسؤولون: «الحكومة لها مسؤولية، ونحن لم نتحرك إلا عندما شعرنا بالخطر، وباحتمال تحول المشاعر الغاضبة لقطاعات واسعة من الرأي العام إلى نوع من العنف. ماذا لو اتجه بعض الغاضبين غداً إلى سينما وأحرقها لأنه رأى في الفيلم اعتداء على قيمه وأخلاقه؟»، قلت للمسؤول: «لكن هذا ليس مبررا كافيا لمنع فيلم خشية رد فعل محتمل لشاب غاضب. واجب الأمن أن يتصدى للذين يستعملون ‘‘شرع اليد’’. البلاد فيها قانون»، فرد المسؤول: «هناك أكثر من مبرر فرض هذا المنع. هناك صورة المغرب وسياحته في الخارج، مثل هذه الأفلام تلصق كليشيهات سلبية عن بعض المدن والدول يصعب مسحها. انظر الآن إلى الكليشي الذي ألصق بالتايلاند، تصعب إزالته رغم أن السياح الذين يقصدون هذه الوجهة لا يطلبون في غالبيتهم المنتوج الجنسي». قلت له: «أنا أتفق معك حول ضرورة الانتباه من قبل الفنانين والصحافيين، وكل من يبعث رسالة ما أو صورة ما عن مكان أو قضية أو إنسان، إلى قضية ترويج الكليشيهات قصدا أو بلاهة، لكن هذا التزام أخلاقي وليس قرارا إداريا. وظيفة المركز السينمائي المغربي ووزارة الاتصال أن يحاورا المخرجين.. أن ينبها إلى هذه النقطة، لكن ضمير الإنسان هو الحكم في نهاية الأمر». كلام لم يقنع المسؤول المغربي الذي قال: «وماذا عن صورة المرأة والإساءة إليها في مثل هذه الأفلام؟ ثم لا تنس أن قرار السماح بعرض الفيلم في المغرب يعني أن السلطات تعطيه شرعية، أي أنها تعترف به وبما قام به». قلت له: «ليس بالضرورة عندما تسمح الإدارة بعرض فيلم أو دخول كتاب أو نشر جريدة أنها تعطي كل هذه المنتجات شرعية أو تنزع عنها شرعية. أبدا، هذا إجراء تنظيمي وليس قرارا إيديولوجيا. الإدارة ليست طرفا في أي سجال فني أو صراع فكري أو خلاف إيديولوجي. الإدارة تسهر على التنظيم وعلى احترام القانون وعلى إدارة تناقضات المجتمع بالتي هي أحسن».
الفيلم سيحكم عليه الجمهور والنقاد الفنيون، الباقون عليهم أن يتابعوا المشهد وأن يستخلصوا الدرس. أنا شخصيا ضد المنع الإداري، وضد تدخل القضاء في موضوع فني، ومع إعطاء الكلمة للجميع ليعبروا عن آرائهم. علينا أن نتعلم كيف نصرف خلافاتنا وتناقضاتنا بشكل سلمي وحضاري. أقول هذا الكلام وأنا واحد ممن لا تستهويهم جل أفلام عيوش وغير عيوش، لكن هذه مسألة ذوق وثقافة، لكن لا يمنعني هذا من أن أحذر من انزلاق السياسيين إلى هذا المستنقع الذي يمكن أن يؤدي إلى تقاطبات إيديولوجية نحن في غنى عنها. لقد شرع السيد عيوش في البحث عن دور الضحية في فرنسا حتى قبل قرار الحكومة بمنع الفيلم، وهو يعرف أن الكليشي السهل موجود: «الحكومة الملتحية تهدد الفن والإبداع وحرية التعبير»، وكأن البلاد كانت سويسرا قبل مجيء بنكيران، وكأن الشعب المغربي ليبرالي وحداثي أبا عن جد…
الضجة التي وقعت حول فيلم «الغوايات الأخيرة للسيد المسيح»، لمخرجه مارتن سكورسيزي، سنة 1984، وكفلت له نجاحا وترويجا منقطع النظير، أغرت كثيرين في الغرب والشرق وفي الشمال والجنوب بتقليد هذا الأسلوب في صدمة المشاهد وإثارة الجدل واستثارة الفضول، لكن الذي لا ينتبه له المقلدون أن قصة فيلم المسيح كان وراءها كاتب كبير اسمه نيكولاس كازانتراكس، وأمامها مخرج كبير أيضاً هو سكورسيزي، وأن الأطياف الحميمة التي خطرت للشخصية التي جسدت السيد المسيح وهو مصلوب كان الغرض منها تبليغ فكرة جوهرية في الفيلم، وهي أن السيد المسيح بشر من لحم ودم ومشاعر، وأنه ليس إلها. الذين جروا خلف إحداث الصدمات لدى الجمهور واللعب على التابوهات نسوا أو تناسوا أن السينما إبداع أولا، فن ورؤية ولمسة، وبعدها يمكن مناقشة كل شيء، لكن بدون إبداع، الذي هو جواز المرور إلى الساحة الفنية، لا يمكن أن نتحدث عن لقطة هنا وكلمة هناك، عن قصة بلا حبكة وفيلم بلا سيناريو، ومخرج بدون نظرة إلى العالم والإنسان وقضاياه…

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ibrahim منذ 8 سنوات

يا سيد بوعشرين أنت منفتح أكثر من اللازم في بلد محافظ

مواطن من المغرب منذ 8 سنوات

بمجرد ما انتهى الكاتب من المقال حتى انهال عليه الجميع يعتقدون أنهم بهذه الطريقة سيبقون الجميع ولكنهم هم الخائفون أين هي حرية التعبير والابداع نحن باللملخص المفيد ضد المنع لسبب بسيط لم نرى الفيلم حتى يمنع

Rachid منذ 8 سنوات

في البداية تقول "ليس من عادتي أن أبدي رأيا في موضوع لا أعرفه، ومن ثم لن أناقش هنا فيلما لم أشاهده" تم تقول "أنا واحد ممن لا تستهويهم جل أفلام عيوش وغير عيوش، لكن هذه مسألة ذوق وثقافة" وفي الأخير تنسى الاختلاف في الذوق والثقافة وتقول "السينما إبداع أولا، فن ورؤية ولمسة، وبعدها يمكن مناقشة كل شيء، لكن بدون إبداع، الذي هو جواز المرور إلى الساحة الفنية، لا يمكن أن نتحدث عن لقطة هنا وكلمة هناك، عن قصة بلا حبكة وفيلم بلا سيناريو، ومخرج بدون نظرة إلى العالم والإنسان وقضاياه" أقول فقط ادخل على موقع IMDB العالمي واقرأ التعليقات من كل دول العالم و مدى التقدير الذي حضي به فيلم نبيل عيوش "علي زاوا" مثلاً. شخصيا سأنتظر مشاهدة الفيلم لأحكم، خصوصا لمخرج أعجبني في بعض أفلامه ولم يعجبني في أخرى، رغم أنني قليلا جداً ما أشاهد فيلم مغربي لآن أغلبهم أتبتوا أنهم فاشلين. ولن أعطي درسا في الإبداع لفيلم لم أشاهده لأقلل من وطأة منع الفيلم.

mounim منذ 8 سنوات

Pourquoi personne n a parlé de bidane?!!!! Pourquoi ttes les insulted etaient Sur abidar ...bidane le faite au il ait participé à ce film mérite autant de critiques et insultes ..ce comédien que je respectait bcp je n ai plus d estime pour lui ni lui ni naji vous avez vendu votre dignité pour l argent dommage...

ابو سليمان منذ 8 سنوات

سيدي الكريم ارسلت لجريدتك مقالا يوم 24 ماي وايضا بعث مقالا اليوم فلم اتلقى اي جواب ..المقال حول حشرة غريبة وكبيرة تصل حتى 6 سنتمترات تغزو الرحامنة الجنوبية وتهدد بشكل كبير مشروع الصبار الدي انفق عليه الملايين من الدراهم.في غياب تام للمسؤلين .اتمنى سيدي الكريم ان ينشر مقالي انه مرفوق بالصور

رضوان منذ 8 سنوات

لمادا منع الفلم ولا نمنع الدعارة هدا الفلم مجرد قصة واقعية ما يدور في مراكش ما يراه المخرج عيوش شيء حقيقي خرجو تساراو ا شوفو اش واقع راه الفلم بين غير 1 في المئة لي واقع في مراكش

احمد طاطوي منذ 8 سنوات

سمح ليا اسي بوعشرين ..هذه المرة جانبت الصواب ...يجب عليك ان تحدد موقفك بالظبط.. نعلم جيدا ان بني علمان يريدون تشويه القيم و تغيير هوية المغاربة والتطبيع مع الانحلال لن نسمح لهم ولو على جتتنا ...ان كان الاعلام في صفهم امثالكم للاسف فالشارع لنا نحن الشعب المغربي الغيور بعيدا عن الاديولوجيا ...نحن في بلد مسلم لسنا في فرنسا او النرويج ...الحداثة بمفهومهم لا تعنينا في شئ

طارق منذ 8 سنوات

لقد صدمت حقا عندما قرأت ”أنا شخصيا ضد المنع الإداري، وضد تدخل القضاء في موضوع فني ” فأنا أقرأ مقالاتك منذ تأسيس جريدة المساء. كما لو أنك تقول للمخرجين السينمائيين ليست أمامكم أية عوائق, ولا تخافو من المتابعة القضائية, نحن فقط سنترك ضمير الإنسان (المخرج) هو الحكم في نهاية الأمر, فهذا التزام أخلاقي وليس قرارا إداريا منطق غريب وعجيب !!!!! ماذا سنفعل مع عديمي الضمير وعديمي الأخلاق ؟؟؟؟؟ لو كان الضمير كافيا لما وجدت القوانين يا سيدي, فالمخرج قام بتضليل المركز السينسمائي لقد قام بتغيير السناريو

هشام ابو سليمان منذ 8 سنوات

اول من وجب محاسبته هو الصايل وحاشيته في المركز السنمائي ...... وانت سيدي تعرف توجهه المتسخ...الحكومة خافت على نفسها لا غير لو كانت تحب مصلحة الشعب لقطعت راس الحية..... هي الاخلاق تنبت كالنبات .......ادا سقيت بماء المكرمات فكيف تضن بالاولاد خيرا........وهم نشئوا بحضن السافلات ابيات اضن لمعروف الرصافي.

مجمد الكبير منذ 8 سنوات

يا سيد بوعشرين الاشكال ليس في الفيلم ولكن في القضبة التي يطرحها كظاهرة في مجتمع محافظ مهدد بالانهيار والتفسخ الاخلاقي والانحلال الاسري هذه آفة موجودة وبكثرة في المغرب والفيلم لم يأت بجديد الجميع يعلم انها موجودة ولكن لا احد يمكنه التعرض لها لأنها من الطبوهات ونحن نعرف جميعا ان السكوت عنها في حد ذاته يعتبر فعلا مساهما ومروجا ومشجعا للظاهرة لم يقنعني قول محدثك بان المنع جاء لصد الصاق كليشبهات بالمغرب غلى غرار تايلاتدا ..هذا تفكير متحجر فالمسؤول لا يجب ان يفكر ماذا يقال عن بلاده وماذا لايقال بل العمل للقضاء على السلبيات وليس الهروب الى الامام وليس الفيلم الذي كشف الظاهرة فكل من زار المغرب ومن لم يزره يعرف ان هذا موجود والكثير منهم يأتي لهذا الغرض وهو ما التصق خصيصا بالسواح الخليجيين وهي الحقيقة ما أردت الاشارة اليه كيف يمكن التخلص من هذه الآفة او الحد منها على الاقل هذا ما كنت انتظر مناقشته وما كنت أتمنى أن يتعرض له المسؤولون كل من موقع مسؤوليته من رجال دين وأصحاب قرار ورجال اعلام ومفكرين وسياسيين وجمعويين ...أين الحل لانريد ان نمنع فيلما فهذا أمر سهل ويتحقق بجرة قلم لكن كيف تقضي على الظاهرة قهذا هو بين القصيد

youssef77 منذ 8 سنوات

Si Bouachrine tu es notre meilleur journaliste arabophone au Maroc, mais je ne partage pas ton avis, j'aurais aimé que tu sois à coté du gouvernement dans cette décision, ce film à tacheté l'image du Maroc, ce n'est pas de la création, ce n'est pas de l'art ça

mohamed منذ 8 سنوات

لنتكلم بمنطق الديموقراطية....الأغلبية صوتت على حزب دي مرجعية إسلامية إدن هي تنتضر منه سياسة و اجراءات معينة و إلا ما فائدة الإنتخابات

يوسف منذ 8 سنوات

سؤال إذا كان مخرج الفلم يزني هل سيأتي للمنزل ويعلن فعلته لالالالالا إدن نحن أهل المغرب والعرب double face حلال عندما يصب في مصلحته والعكس صحيح إدن فل يعترف بالزنى فهو واقعه

Anas منذ 8 سنوات

ياأخي انتا ربما لم تعش خارج المغرب ولم تسمع كيف الاجانب يرون المغرب =دعارة وحشيش والمغربيات=مومسات وساحرات،والله العظيم ستستحي من قولي جنسيتك،في السنة الماضية سألني هندي صديق في الشغل ان أعرفه عل مغربية لأنه سمع ان المغربيات يحبون فقط الجنس، أما بالنسبة لمنع الفلم فهي مسؤولية الحكومة حماية الاطفال والمراهقين من التطبيع مع الكلام الساقط والدعارة ،اما الدعوة الي الحوار مع المنتجين هي فقط لكسب الىوقت حتي يروجوا للفلم ،اتقي الله يا بوعشرين في ابنائنا وبناتنا ورجع الي صوابك

مواطن اصيل منذ 8 سنوات

اسمحلي يا سي توفيق لست متفق معك في هدا الموضوع ، اد على هدا الاساس يمكن ان نسمح بعرض افلام بورنزغرافية في دور السينما و نترك للجمهور و النقاد الحكم عليه. هده اللقطات المسربة خليعة للغاية و لا يمكن قبولها مهما كان السياق الدي جاءت فيه. فهدا ليس فنا، الفن يستشف من اسمه. هدا عفن و مقزز ايضا. هده ليست حداثة ولا حرية بل خلاعة و مس بكل ماهو دوق و جمال.

Ahmed منذ 8 سنوات

أتفق مع بعض أفكارك لكن مذا يقول القانون في مثل هذا الإنتاج ومضمونه؟ أليس مضمونه كفيلاً بإثبات أنّه مخالف للقانون ويستوجب المنع؟ ثمَّ أنا لا أتّفق مع من يطالب بِإعطاء الفنّانين أو الصحافيين شيكّاً على بياض يمكنهم من قول أو كتابة أو فعل مايشاؤون فقط لأنهم فنّانون أو صحافيون لهم حقوق دون باقي البشر. كلُّ الناس وكلُّ المهن سواء في الحقوق والواجبات، ومن تجاوز يحِقُّ عليه العقاب.

حمدون بن بيهي منذ 8 سنوات

قال بوعشرين:"أنا شخصيا ضد المنع الإداري، وضد تدخل القضاء في موضوع فني " اذن انت مع عيوش يدير "شرع يديه"... كيف تسمح له بذلك،ولا تسمح لغيره بالمثل؟؟؟ هذا راه العفن ما شي الفن حتى أشهر المواخير تأبى أن يعرض ما يقع فيها أمام الملأ...فما بالك بمن يبحث عن "النجومية" بأعمال رديئة...

عزالدين منذ 8 سنوات

السي توفيق ماقاله المسؤول لا يمكن أن يعتبر التبرير الحقيقي للوزارة. هو حوار انتقائي كما امثلتك المنتقاة لدعم رأي مقرر مسبقا وليس وليد تحليل. تارة تتكلم عن مسؤولين ثم تمر للفردي الدي يعبر عن رأيه. المنع اداة لتجنب كلفة السماح. المنع موجود في كل دول العالم بميكانزمات و اليات عديدة. حتى في السيناريو اليوتوبي الدي هو منع المنع يجب تحقيق مجموعة من الشروط في سوق السينما: ان لا يكون هناك ريع و استغلال للنفود- تكافؤ الفرص في الحصول على التمويلات- محاربة التمويلات التي تأتي من جهات معادية للمغرب و قيمه - دمقرطة التمثيليات في القطاع- الشفافية في تدبير الشركات - فقط ادا كان هدا و أكثر يمكن ان نحتكم لاخلاق المخرج. بجملة واحدة لا يمكن للمجاري المتسخة الا ان تخرج وسخا.

التالي