ابو حفص يكتب :مراجعات لا تراجعات (الحلقة التاسعة)

02 يوليو 2015 - 22:48

 

انتقالي لمدينة فاس، واندلاع الحرب الأفغانية السوفياتية وتدفق العرب عليها

تعددت المدارس التي ساهمت في صياغة شخصيتي، من الصوفية إلى السلفية إلى الإخوانية المحلية والعالمية، كل هذا وعمري لم يتجاوز الثانية عشرة.

في هذا السن، قرر والدي مع أني ابنه الوحيد، إيداعي مدرسة قرآنية بفاس، لأعيد حفظ القرآن وأضبطه ضبطا تاما ومتقنا، استضافني الشيخ أحمد النجاري -رحمه الله- في بيته بأعماق المدينة القديمة لمدة أربع سنوات كاملة، تغربت فيها عن مدينتي وبيت أسرتي، وتعرفت على عالم آخر بعيد عن السلفية والسلفيين، سواء كان ذلك في بيت الشيخ نفسه وأسلوب التربية المغاير لما عشته مع والدي ،أو من خلال ترددي على مسجد القرويين وحضور دروس شيوخه حينذاك كعبد الكريم الداودي والأزرق وغيرهما، أو من خلال تعرفي على بعض رواد العمل الإسلامي بفاس كالدكتور عبد السلام الهراس والشيخ المفضل فلواتي والشيخ محمد الفزازي الأب والشيخ عبد الكريم العمراني.
بعد أربع سنوات من تجربة طفل بمدرسة بعيدة عن أهله، أتممت فيها ضبط القرآن وقواعد ترتيله، ولم أتخل فيها عن دراستي النظامية ، بل واظبت على التفوق في المسارين، وبعد سنة بثانوية مولاي ادريس، أحد أعرق الثانويات بالمملكة، عدت لبيت أسرتي بمدينة الدار البيضاء، لكنني للأسف لم أجد إلا والدتي في انتظاري، أما والدي فقد كان بعيدا يخوض تجربة من نوع آخر وفي بلاد بعيدة وبعيدة جدا.
بدأت القصة سنة 1979م حين احتل الاتحاد السوفياتي دولة أفغانستان الإسلامية، فتداعت الحركات الإسلامية بكل مكوناتها من علماء ومشايخ وتنظيمات وتيارات ومتعاطفين لنصرة الشعب الأفغاني، وحج شباب المسلمين من كل فج عميق تلبية لنداء الجهاد الذي أطلقه كل علماء ذلك الوقت، بما فيهم كبار مشايخ السلفية بن باز وبن عثيمين والألباني، و كان من أبرز الداعين لنصرة الأفغان الدكتور عبد الله عزام ، ابن حماس والاخوان المسلمين، والذي جاب مختلف دول العالم مستنفرا كل الشباب المسلم، ومستنفرا معه أموال أثريائهم، خاصة بدول الخليج، ساعده في ذلك نجاحه في عقد علاقات طيبة مع مختلف زعماء الفصائل الأفغانية الجهادية، كسياف ورباني وحكمتيار ويونس خالص، مما جعل له قبولا ومحبة عند كل الأطراف.
بل تطورت دعوة الشيخ عبد الله عزام من مجرد استنصار واستنفار إلى صياغة فكر جهادي جديد على الساحة، أساسه اعتبار الجهاد أهم فروض الأعيان بعد توحيد الله تعالى، أي أعظم من الصلاة والزكاة وباقي الأركان، ورؤيته تحرير كل بقعة سبق أن حكمها المسلمون يوما، من الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، إلى بلاد الأندلس غرب أوربا، وأنه ما ما دام شبر من كل هذه البلاد ليس تحت حكم المسلمين، فالجهاد فرض عين على كل المسلمين حتى يكتمل التحرير.
كل هذا كان يتم تحت غطاء أمريكي، مما لا يعني عمالة المجاهدين للأمريكان، ولكنه لعبة المصالح وتقاطعها، فقد كانت الولايات المتحدة تخوض حربا باردة مع العدو السوفياتي الأحمر، وكانت تحتاج لدخول السوفيات في معركة تستنزف قدراتها العسكرية، وتفكك وحدتها السياسية، وكان احتلال أفغانستان مؤهلا للعب ذلك كله، وذلك فعلا ما سيكون، فلهذا كانت نفرة الشباب نحو أفغانستان برضا أمريكي تام، بل أوحت إلى حلفائها بدعم ذلك التدفق الهائل وتسهيله وتشجيعه، فكان يكفيك التوجه الى المملكة العربية السعودية لتحصل علي تذكرة مجانية أو بثمن بخس إلى إسلام آباد، وهناك في باكستان تجد عشرات المضافات والبيوت خاصة ببيشاور المتواجدة على الحدود مع أفغانستان، لتستقبلك وتمولك وترسلك لمعسكرات التدريب والإعداد.
تفاعلت الحركات الإسلامية بدورها مع الحدث، إيمانا منها بضرورة نصرة الشعوب المسلمة ضد المحتلين والغاصبين، ولعل مما شجعها على ذلك الرضا الأمريكي الذي يضمن لها عدم الاصطدام مع الأنظمة، فأسست الجمعيات المساندة، ونظمت المهرجانات الخطابية ، واستجلبت الهبات والتبرعات، وأرسلت أو تساهلت في التحاق أعضائها بميادين الحرب في أفغانستان.
في ظل هذه الأجواء الحماسية أسس الدكتور عبد الكريم الخطيب بمعية بعض إخوانه (الجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني) ، كان الجمعية تنظم مهرجانات خطابية، ومعارض للصور والكتب، وتطبع بعض الرسائل الصغيرة للتعريف بها، وتستقبل بعض الطلبة الأفغان وتتكفل بدراستهم، كما كانت تسير قوافل الأدوية والإغاثات الإنسانية للشعب الأفغاني الشقيق.
كان دعم القضية الأفغانية سببا في بداية تعامل الدكتور عبد الكريم الخطيب مع شباب الحركة الإسلامية ، خاصة شباب جمعية (الجماعة الإسلامية) ،نظمت الجمعية مهرجانات ضخمة في رحاب الجامعات، وتناول الكلمة فيها شباب جمعوا بين حسن البيان وقوة الحماس، كان من بينهم المقرئ أبو زيد والعربي بوسلهام وغيرهم .
الجمعية كانت سببا أيضا في لقاء والدي بالدكتور عبد الكريم الخطيب، والذي رآى في والدي حماسه وتعاطفه مع القضية، فقرر توظيفه فيما يتناسب مع عمله الطبي، وإرساله إلى هناك مرفوقا بكميات مهمة من الأدوية، كان هذا أواخر الثمانينات، يوم بدأت مغامرة والدي في أفغانستان.

في الحلقة القادمة: كيف التحق والدي بأفغانستان؟ وكم بقي هناك؟ وماذا قرر بعد عودته؟ وكيف كان التحاقي به؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي