ابو حفص يكتب :مراجعات لا تراجعات (الحلقة 12)

06 يوليو 2015 - 00:30

من أفغانستان إلى الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية

مع حرص والدي على أن أستوعب واقع الحركات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، فقد كان حريصا أيضا على أن أتعرف على الحضارة الغربية، وأستوعب واقعها بجيده ورديئه ، ولهذا كان حريصا على الاستفادة من التذاكر المخفضة جدا التي تمنحها شركة الخطوط المغربية لوالدتي التي كانت موظفة بالشركة، فلهذا زرت وأنا لا زلت صبيا فرنسا وإسبانيا وهولندا ، وزرت لمرتين وأنا في طور المراهقة الولايات المتحدة الأمريكية، الأخيرة منهما ذهبت وحيدا ومكثت طول الإجازة الصيفية أتجول بين معالم الدولة ومتاحفها وأزاول مختلف الأشغال في بلاد العم سام.
هذا الحرص من والدي على قراءة كل ما يحيط حولي ، ورغم صرامة تربيته، إلا أنه لم يتدخل يوما لتحديد وجهتي الدراسية، كنت أعلم أنه يود لو كان توجهي أدبيا، بفعل ميوله الإسلامية، لكنه لم يفتحني في الموضوع، وترك لي كل الحرية في الاختيار، فكان توجهي علميا بفعل ارتفاع درجاتي في كل المواد وخاصة العلمية منها.
نلت شهادة الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية بالدار البيضاء، وولجت كلية العلوم بجامعة الحسن الثاني، شعبة الفيزياء والكيمياء، وداومت على حضور السنة الأولى بالكلية، وكنت أنوي الاستمرار في الدراسة والمواظبة، لكن زيارة لي للمدينة المنورة قصد العمرة كانت محطة تحول في حياتي، فقد قررت بعد زيارة للجامعة الإسلامية وانبهار بإمكانياتها وقربها من قبر النبي صلى الله عليه وسلم تحويل الوجهة نحو الدراسات الشرعية.
بولوجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ولجت عالما جديدا ومختلفا من التكوين والتأهيل، تلقيت كل معالم المنهج السلفي وأصوله، كل أبجدياته وتفاصيله، فمع أني كنت حاملا لكتاب الله تعالى، وكنت على اطلاع منذ صعري على أدبيات الحركة الإسلامية، بل حتى نصيب من العلم الشرعي، لكن دخولي للجامعة أصابني بنوع من الإحساس بالجهل وقلة المعرفة.
أحاط بي جمع من الشباب السلفي الذي لم يتوقف عن سدر كم هائل من المعلومات أمامي، مما أصابني بالانبهار والإحساس بالضعف، والاستغراب من كوني كنت أعتبر نفسي طالب علم مقارنة بزملائي وأبناء حيي، لكن هذه الرفقة الجديدة أشعرتني بأن معلوماتي لم تكن بذلك العمق الذي تجعلني أنال لقب (طالب علم) ، وهو اللقب الذي يحرص عليه الشباب السلفي ويبذلون كل نفيس من أجل نيله، زاد من ذلك البرنامج المكثف الذي تعتمده الجامعة الإسلامية في منهجها الدراسي، والذي جعلني أجد نفسي لا شعوريا منجذبا إلى منهج جديد كنت إلى زمن قريب عدوا له وخصما.
بدأت بالتهام كل ما كنت أتلقاه في الجامعة الاسلامية، كان نجاحي في كل دورة بمعدل بتجاوز التسعين من المائة، كنت مجدا في الطلب، أواظب على دروس الجامعة ومعها دروس الحرم النبوي بل وبعض الدروس الخاصة في بعض البيوت والمساجد الخاصة، حرصت على حضور دروس كبار مشايخ كبار المنهج السلفي بن باز وبن عثيمين متى تيسر حضورهم لمكة والمدينة، خاصة موسم رمضان وموسم الحج .
لم أكتف بكل هذا، الرفقة التي أحاطت بي فتحت لي عالم مدرسة الشيخ الألباني، كنت أعرف الشيخ طبعا وسمعت بعض أشرطته، لكنه لم يكن يطربني بفعل موقفه السلبي من الجهاد البوسني ضد الصرب، ولذا لم أكن مهتما بمنهجه وتصوره وإن اعتمدت كغيري على تصحيحاته وتضعيفاته الحديثية، لكنني اليوم غير ذلك الذي كان بالأمس، أقبلت على منهج الشيخ بكل لهف،استمعت لكل سلسلة (الهدى والنور) التي جمعت كل مسموعات الشيخ ، أقبلت على كل كتبه ورسائله التهمتها التهاما، اقتنيت لمكتبتي كل كتب تلاميذه:ابراهيم شقرة وعلي الحلبي وسليم الهلالي وعدنان العرعور ومشهور حسن سلمان وعيد عباسي وأبي إسحاق الحويني، قرأتها بكل انبهار بهذه المدرسة التي ترفع شعار الدليل ونبذ المذهبية وما يسمونه الحزبية.
أعجبت كثيرا بكتابات الشيخ بكر أبو زيد،بلغته المعقدة، وتأصيلاته التي تبدو مبهرة لطالب مبتدئ مثلي، حفظت كتب بن عثيمين وشروحاته عن ظهر قلب، خاصة شرحه على ( زاد المستقنع) الذي كنت أحس بمتعة في مطالعته،كنت يوما بعد يوم أغرق في أجواء المنهج السلفي التقليدي.
في الحلقة القادمة: يوم أصبحت مدخليا…..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ramzi منذ 8 سنوات

si tu aurais terminé tes études en physique ou chimie tu serais peut etre plus utile à ta nation, biensur si tu crois au concept de nation

التالي