ابو حفص يكتب :مراجعات لا تراجعات (الحلقة20)

14 يوليو 2015 - 01:00

 

اليوم الذي أصبحت فيه جهاديا

لم يمر وقت طويل على استقراري بمدينة فاس، حتى طلب مني تولي الخطابة بمسجد البركاني بحي بنسودة، كنت قد حللت بالمدينة أواخر سنة 2000، وبدأت خطبة الجمعة بالمسجد المذكور بداية شهر شتنبر عام 2001، عرف المسجد إقبالا واسعا بحكم ما استطعت بناءه من سمعة خلال الأشهر التي مضت، وإن كانت فترة قصيرة، لكنني بفضل نشاطي الذي كان دائبا، وحركتي بمختلف الأحياء ودور القرآن خاصة خلال شهر رمضان، أصبحت صاحب صيت ذائع عند مختلف التوجهات وليس التيار الجهادي لوحده، مما جعل الإقبال على المسجد كبيرا.
لم يمر على بداياتي بالمسجد سوى أسبوعا أو أسبوعين، حتى عرف العالم حدثا اهتزت له كل البشرية، وكان نقطة تحول في التاريخ المعاصر، أربع طائرات نقل مدني يحول اتجاهها وهي في الأجواء الأمريكية لضرب أربعة أهداف فتصيب ثلاثا منها، برجي مرز التجارة الأمريكي بنيويوك ومبنى البنتاغون، حصيلة الضحايا قاربت الثلاثة آلاف والجرحى والمصابون بالآلاف.
إن كانت من قضية جمعت بيني وبين التيار الجهادي وقتها فهو شعور الكراهية المشتعل في قلبي تجاه الولايات المتحدة وأمريكا ، وإن كان من تحول عرفته بعد عودتي للمدينة فهو إستعادة كل ذلك الماضي الذي عشته من خلال تعاطفي مع الجهاد الأفغاني وزيارتي لأفغانستان وتعاطفي مع كل القضايا التي عرفت حروبا مسلحة بين المسلمين وغيرهم، من فلسطين إلى أفغانستان والفلبين وإيرتريا وأبخازيا والبوسنة وكوسوفا والشيشان، هذه التربية الجهادية التي نشأت في أحضانها جعلتني متعاطفا ومتضامنا مع كل التنظيمات التي تحمل راية الجهاد بوضوح كما كنت أفهم الوضوح وقتئذ، وكان على رأس هذه التنظيمات طبعا تنظيم القاعدة، وكان الشيخ أسامة بن لادن بما سمعت عنه وقرأت عنه وعرفت من أخباره أيقونة النضال عندي ورمز الحق وآخر ما جاد به الزمن من أبطال الأمة الذي لايقلون في بطولتهم ولا في مجدهم عن صلاح الدين الأيوبي ولا عن نور الدين زنكي ولا عن عمر المختار ولا عن غيرهم من الأسماء البارزة في تاريخ الكفاح والجهاد.
كان تتبعي للرجل وإعجابي به منذ السنوات الأولى التي حل بها بأفغانستان، إذ كيف يترك رجل ملياردير كل أسباب الرفاهية وحياة النعيم، ويستبدلها بكهوف جبلية في أفقر بلاد الأرض، كانت آثار الرجل ورمزيته ظاهرة خلال زيارتي القصيرة لتلك البلاد، مضافات على حسابه الخاص، طرق عبدها، معسكرات أقامها ، وحيثما حللت وجدت له أثرا.
تابعت خروجه من أفغانستان وحصاره تحت الإقامة الجبرية ببلده،ثم هروبه إلى السودان، وتحالفه مع البشير، ثم طرده منها بعد أن ترك بها الطرق المعبدة والمصانع المشيدة، وعودته إلى أفغانستان في حماية الطالبان،أذكر ذلك المقال الذي كتبه عبد الباري عطوان بجريدة القدس العربي يحكي فيه تفاصيل رحلته ولقائه بالشيخ أسامة، كان يحكي قصة أسطورة من أساطير العهود الغابرة، كل هذه المسيرة تركت في نفسي إعجابا شديدا بالرجل، في غياب نموذج العالم العامل الصادح بالحق الذي كنت أتصوره وأبحث عنه.
أذكر صبيحة ذلك الثلاثاء، فتحت قناة الجزيرة فإذا صور مباشرة من نيويورك ودخان النيران يتصاعد عبر السماء، وعلى الشريط خبر هجوم إرهابي على الولايات المتحدة عبر الطائرات، أخذت وقتا طويلا لاستيعاب بل تصديق ما حدث، بحثت بين القنوات لعل الصورة تزداد وضوحا فما زادتني إلا تأكيدا ، سقط البرج الأول ثم الثاني ونحن نتابع على المباشر، بدأت درجات اليقين تتصاعد ، ومع كل دقيقة أستعرض كل ما ذاقته كثير من بلاد المسلمين من ويلات على يد الأمريكان وساستهم، تذكرت دعمهم الدائم للكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا واقتصاديا، تذكرت حصارهم للعراق وملايين الأطفال الذين ماتوا تجويعا وحاجة للدواء، تذكرت تدخلهم في بلاد الجزيرة العربية واستغلالهم لخيراتها، تذكرت استكبارهم واستضعافهم لكل الشعوب وإذلالهم لأنظمتها وقياداتها، دار بمخيلتي كل التاريخ المليء بالمحطات السوداء في علاقة أمريكا وساستها بالإسلام والمسلمين، وتراءت أمامي صور كل الذين ذاقوا ويلات السياسة الأمريكية.
مع كل هذا الغل الداخلي الذي أكنه للولايات المتحدة، ومع كل الحماس الذي استرجعته بمخالطة التيار الجهادي وتحركي في أحضانه، آخر شيء كان يمكن أن أفكر به هو إن كان ذلك الفعل شرعيا أم لا، إن كان الذين قتلوا أبرياء أم لا، إن كان الهجوم على الآمنين في مقرات أعمالهم دينا أم لا، تملكني شعور النصر والفخر والزهو والتشفي بكل ما تحمله هذه الكلمات من أحاسيس.

كنت ليلتها مدعوا لمناسبة كبيرة بوادي الزحون بالمدينة العتيقة، وكان المجمع كبيرا والحضور ضخما، وعلى سطح من سطوح المدينة قريبا من جامع القرويين وضريح المولى إدريس أكبر، ألقيت كلمة بالغة الحماسة والانفعال، وأعلنت أن يوم الحادي عشر من شتنبر هو يوم العرس الأكبر الذي لم تكتمل أطواره بعد، وأنه آن للمسلمين أن يفرحوا ويبتهجوا ، وآن لعدوهم أن يرسل الدموع كما أرسلوها عقودا بل قرونا، لم أجد في كتاب الله تعالى ما يناسب الحديث بهذه القوة والحماس أفضل من بدايات سورة الحشر : (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المومنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)…. فالذين كفروا من أهل الكتاب بوش ومن معه، ماظن العالم أن ينهزموا، وظنوا أن ترسانتهم العسكرية واحتياطاتهم الأمنية مانعتهم من الله ، وأتاهم الله في عقر دارهم من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب حتى فر بوش ومن معه إلى مخابئ تحت الأرض، وخربوا بيوتهم بسياساتهم وبهجوم المجاهدين عليهم….
هكذا صورت المشهد ، وهكذا أنزلت الآيات على ما وقع ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي أصبحت فيه جهاديا……

في الحلقة القادمة: كيف حولت كل دروسي إلي حديث عن الجهاد وأحكامه؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي