في ساعة جدّ متأخرة من الليل، رنَّ جرس الهاتف بمنزلي. مِن الطرف الآخر سَمِعْتُ صوتًا آمرًا يقول:
ـ «كن غَداً الأحد باكراً بمقر الوزارة»!
كان الزملاء أمام مكتب المدير يَتَساءَلُونَ في ما بينهم عَنْ سِرِّ حُضُورِنَا العَاجِل. وَوَجَدَتْهَا الكَاتِبَةُ الخَاصَّةُ فُرصةً مواتية لتَتَسَلَّى بِخَوْفِ زَمِيلٍ لنَا، كان المسكينُ ـ في نَظرِ المُدِير ـ مُتّهَمًا ولو لم يَأْتِ أَيَّ فِعْلٍ، ولِكَيْ تُضاعِفَ هُمُومَه قَالتْ لنا غامِزَةً:
ـ «أَوَّلُ مَنْ سأل عنه المُديرُ هُو زَمِيلُكُمْ هذا»!
وقبل أن تواصِلَ تَخْوِيفَهَا، رَنَّ الجَرَسُ إيذَانًا بِدُخُولِ فَريقنا إلى مَكْتَب المُديرِ. كان الرجل على عَجَلَةٍ من أمْرِهِ، يَعْكِسُ ذَلِكَ لِبَاسهُ الرِّيَاضي، بِوَجْهٍ عَابِسٍ وبِدُونِ تَحِيَّةٍ صَاحَ فينَا:
ـ «لاَ شَكَّ أنَّكُم سَمْعتُم بخَبَر تَعْيين المَلِك نَصَرَه الله لأعْضَاء المَجْلس الدُّستُوري»!
ولأن مُعْظَمَنَا لاَ يَهُمُّه الأمْرُ، ومِنْ بَابِ الكَذِبِ فَقطْ. أبدينَا عِلْمَنَا بطَأْطأَة رُؤوسِنا، وتَسَاءَلْتُ عِنْدئذٍ: «مَا عَلاقتُنَا نَحن القضَاةُ بِهَذَا المَوْضُوع؟ وهَلْ نَمْلِكُ مِسْطرةً مّا تَقْتَضِي إعْلاَنَ حملَةٍ لَيْلِيَّة شَرِسَة لِتَفْعِيلها في هَذَا الصَّبَاحِ البَاكِرِ»؟ ثُمَّ وَاصَل المُدِيرُ:
ـ «اسْتدْعَيْتُكُمْ جَمِيعًا..» وَقَبْلَ أنْ يُتِمَّ الجُمْلًةَ فُتِحَ البَابُ على شَبَحِ زَمِيلَتِنَا وَهي تَتَصَبَّبُ عَرَقًا وَتَقُولُ: «أَعْتَذِر عن التأخير، أرْجَعَنِي زَوْجي مِنْ سَفَرٍ عَاجِل، تَرَكْتُهُ يَنْتَظِرُ بِمرْآب الوزارة».
لمْ يَأْبَه المُديرُ بمَا تَقُولُ وَأَضاَفَ:
ـ «اسْتَدْعَيْتُكُم لِتحْرِير تَهْنِئةٍ مُوَحَّدَةٍ من الوزير تَليقُ بِمقامِ أعضَاءِ المَجْلس الدُّستْوري، ثم أختَفى عَنِ الأَنْظَارِ» !!
نَظَرْنَا إلى بَعْضِنَا البَعْض، مِنَّا مَنْ أشرف على سنّ التَّقَاعُدِ، وَمِن بينِنَا رُؤسَاءُ أقْسَامٍ، وقاَضية مُنِعَتْ منَ السَّفَرِ. أُخُرجْنَا مِن مَنَازِلِنَا لِتَهْنِئةِ أعضاء المَجْلسِ الدّسْتوري، وتَذكَّرتُ يوم طُلِبَ مِنِّي أنْ أَستجدي الرَّاحِل علي يعْتَة بمقتضى كِتَابٍ كَي يتَفَضل بالحضور إلى الوزارة للإفادة في موضوع شكاية مَّا، فأضعنا يومين كاملين في إبْداء الكلمات المُنَاسبة، ولأنّنِي جدّ مُتأكِّد أنّنَا لنْ نَتَّفِق على صياغة جُملة واحدةٍ ممّا طُلِبَ مِنّا، انْزَوَيْتُ بمكتبي وَكَتَبْتُ:
من وزير العدل
إلى الأستاذ الفاضل عضو المجلس الدستوري
«يُشرفني بمناسبة تَفَضُّل مولانا المَنْصُور بالله صاحب الجَلالَةِ الحسن الثَّانِي بتَعيينكم عُضْوا بالمجلس الدستوري، ولِمَا تَحْمِله هَذه البَادِرَة مِنْ أسْمى مَعَاني الثِّقة المولوية في شخصكم، أنْ أُقدِّم لكم أصْدَق التَّهانِي، بالتوفيق والسداد».
تَلَقَّفتِ الكاتبة الورقة، وقدْ اعتادت على ذلك. عندما عُدت إلى قاعة المداولة، وَجدت الزّمَلاء وقَفُوا عِنْد عبارة: «سَلام تَامٌ بوجود مَولانَا الإمام» وَزَمِيلُنا الخَائفْ يَصُبُّ جَامّ غضَبِهِ على موظف بسيط قائلا:
ـ «افتح مَخْزن الأرْشيف، وَهَاتِ كِتابَ التَّهاني».
فَيُجِيبُهُ الرَّجُلُ:
ـ «المكتب مُقْفَل، إنَّه يَومُ أحدٍ».
تَركت المَكان، وعِند باب المرآب كان زَوجُ زَمِيلتنا القاضية يقطع المَمَرَّ جِيئَةً وَذَهَابًا، ثم سألني:
ـ «مَا الخَطْبُ».
قلت له: «كُنَّا نُهَنِّئُ أَعْضَاءَ المَجْلِس الدُّستُوري».
ـ «هل جَاؤوا إلى هُنَا فِي هَذَا الصَّباح البَاكر»؟
ـ «لا. فقط، أصْدرنَا بالإجْمَاعِ كِتَابَ تهنِئةٍ» !
رَفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَه يَسُبُّ وَيَلْعَنُ. لَمْ أَتَبَيَّن قَذِائفَ المُفْردَاتِ !!
عِند وصولي إلى المنزل، هَاتَفَتْنِي الكَاتِبة قائلة:
ـ «سَلِمتِ الجَرَّةُ، لمْ يُبد المدير اعتراضا على مَا كتَبْت، ظَنَّ أنّها عَمَلٌ جَمَاعي، وظن القُضَاةُ أنه تم تأجيلُ المُهِمَّة»!
عندما أجدُ عَمَل الوِزارات يَسيرُ على الوَتيرة نَفْسها، أتَذكّرُ هَذِه الوَاقِعة التي مَرَّ عَليها أزْيد مِنْ عقدين من الزَّمَانِ، فَأَبْتَسِمُ آسِفًا!!
شريط الأخبار
ثلاثون شابا يستفيدون من ورشة للتصوير الفوتوغرافي بسلا
تجمع دعم العائلات المغربية المطرودة من الجزائر يستعد لتخليد ذكرى المأساة
بولندا وأوكرانيا يكملان عقد المتأهلين إلى بطولة أمم أوروبا 2024
منح شهادة الجودة للمعهد الوطني للصحة
فوزي لقجع يترأس ملتقى مفتشي الملاعب بالرباط المنظم من طرف “كاف”
الوقاية المدنية تنتشل جثة تلميذ قضى غرقا في قناة للري ضواحي أزيلال
مدرب منتخب الجزائر لأقل من 20 سنة يصفع عددا من لاعبيه في مشهد عنف غير مألوف
العادات والتقاليد المتوارثة في الجنوب محور إصدار جديد من مجلة “سلسلة تراث”
قبل أيام من انعقاد الجموع العامة… الزوات يعلن تقديم استقالته من الوداد البيضاوي
الألعاب الإفريقية بأكرا… المغرب يظفر بتسع ميداليات اثنتان منها ذهبيتان