"انفصاليو الداخل".. سؤال المشاركة في الانتخابات

18 أغسطس 2015 - 00:18

لماذا يجب على من يسمون بـ»انفصاليي الداخل» أن يفكروا   بشكل جدي في المشاركة السياسية في الحياة العامة، وفي الانتخابات الجماعية المقبلة؟

سؤال أصبح اليوم يفرض نفسه على الفاعل الصحراوي، خاصة المصنف ضمن خانة «انفصاليي  الداخل»، من حيث أن المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة لها قيمة دستورية ومؤسساتية كبرى، مقارنة مع سابقاتها التي عرفها المغرب، منذ أول انتخابات جماعية جرت بعد استقلاله. لها أهمية من حيث أنها تجرى اليوم في ظل عدة متغيرات إقليمية ودولية وداخلية سياسية     كبرى تعطي لهذا السؤال راهنية مستعجلة لدى هذا       الفاعل، ويمكن إجمالها في ما يلي:

– هذه الانتخابات على الصعيد الدولي تجرى في ظل    معطيات أساسية وجب أخذها بعين الاعتبار من طرف  جماعة «انفصاليي الداخل»، يظل أهمها ثلاثة أحداث     عرفها العالم مرتبطة بسؤال الانفصال والاندماج وقيمة  المشاركة السياسية في الحياة العامة، أولها فشل أطروحة الانفصال باسكتلندا، وهو الفشل الذي أكد على أن  الذهنية المتحكمة في الفاعل السياسي الأوروبي، خاصة  المتأثر منه بالثقافة الديمقراطية الأنكلوساكسونية، الذي ظل  لسنوات متبنيا لخيار الانفصال، قد اعترف أخيرا بفشل  هذا الخيار، وأقر بألا مستقبل للشعوب إلا في ظل استمرار العيش المشترك، وتنظيم واضح لعلاقة المركز بالمحلي. هذا الفشل الذي تعزز أوروبيا في معقل الفكر    الانفصالي، عندما اتجه حاكم كتالونيا السنة الماضية      لتنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو الاستفتاء الذي لم     ينظم بفعل رفض أوروبي، إسباني، واصطدام هذا التيار  مع ترسانة دستورية وقانونية انصاع لها في النهاية،  ليتجه نحو تنظيم استفتاء رمزي فشل شعبيا وسياسيا في حشد أكبر عدد من المناصرين له. هذا التيار السياسي    الذي رغم لعبه على وتر الانفصال عن إسبانيا، فشل في   تحقيق انتصار انتخابي، بل مني بهزيمة سياسية، انتخابية نكراء بجهة كتالونيا، حيث اتجه الناخبون  للتصويت على من يطرح الحل لمشكلاتهم الاجتماعية، لا السياسية.

في المقابل، نجد النموذج التركي في تجربة المشاركة السياسية للأكراد، متجلية في حزب الشعوب  الديمقراطية، الذي حقق في أول مشاركة انتخابية له    نصرا ساحقا، وصف بالتاريخي، وجعل منه رقما صعبا في الحياة السياسية التركية.

إننا هنا أمام ثلاثة نماذج كلها أعلنت تجاوز منطق  الانفصال، وأن لا حل في الأفق إلا الحل السياسي،  ومشاركة المتبنين لخيار ولفكرة «الاستقلال» في الحياة السياسية العامة، كخيار ديمقراطي، سيعزز من فرصة التعبير عن مطالب ومطامح الساكنة محليا، وتعزيز حضورها المؤسساتي على الصعيد الوطني والمركزي.

– على الصعيد الإقليمي: تجرى هذه الانتخابات بعد ما  سمي بالحراك العربي، وهو الحراك الذي بدل أن يقوي من فرصة بناء نموذج ديمقراطي تحرري بالمنطقة،    أدى إلى دخول هذه الدول في تجربة قاسية، نتج عنها     تشريد وتقتيل شعوب بأكملها، بل يمكن أن نسجل رغم هذه الحروب، وما تبعها من دمار بالمنطقة، رفض هذه  الشعوب الانسياق وراء فكرة التقسيم، بل متشبثة برغبتها الملحة في وحدة أوطانها وشعوبها رغم كل الاختلافات الدينية والثقافية والإثنية بهذه الدول.

-على الصعيد الداخلي: تجرى هذه الانتخابات في ظل   دستور ما بعد حراك 20 فبراير، وهو الدستور الذي     أسس لفكرة الجهوية الموسعة، بل ذهب أبعد من ذلك    عندما اعترف ودستر المكون الثقافي الحساني، الذي     أصبح إلى جانب الثقافة العربية، الأمازيغية، مكونا ثقافيا أصيلا، وإقرارا دستوريا لهذا التنوع، والاختلاف  الثقافي، الذي وبلا شك لابد وأن ينعكس على مؤسسات  البلد.

لذلك يظل هذا الدستور مقارنة مع سابقيه من حيث   الاعتراف بالمؤسسات المحلية سياسيا، ثقافيا، مؤسساتيا، ثورة حقيقية، تؤسس لانتقال المغرب من مغرب المركز إلى مغرب الجهات المتعددة، المتضامنة، المتنوعة،  التي أعطت لخيار اختيار الناخبين لممثليهم محليا         وجهويا نوعا من الرقابة الشعبية المباشرة على مختلف  مؤسسات الجهة.

ليس فقط هذه العناصر الثلاثة ما يمكن أن تجعل من هذا الفاعل أن يفكر بشكل جدي في تدارك نفسه، وأن يقرر   بشكل جريء المشاركة السياسية في الحياة العامة، تكون الانتخابات المحلية المقبلة بوابتها، بل هناك عدة عناصر أخرى مرتبطة أساسا بملف الصحراء نفسه، وهما       عنصرا:

– الاعتراف الأممي بالحكم الذاتي كحل سياسي،  وكأرضية جدية قابلة للتفاوض، وخيار بديل عن خيار   تقرير المصير الذي سبق لأحد مبعوثي الأمم المتحدة أن أقر بصعوبة، بل باستحالة، تطبيقه للاعتبارات التي     ضمنها الهولندي فان والسوم في استقالته، وهي النزعة التي تعززت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير الذي أكد على ألا وجود لحل حقيقي في الأفق إلا الحل السياسي الذي يظل هو مبادرة الحكم الذاتي، التي لولا استجابتها لفكرة ومنطق تقرير المصير، لما لها من ضمانة تحققها لسكان المنطقة من تدبير شؤونهم محليا بمعزل عن سلطة المركز، لما حازت على هذا الاعتراف الأممي والدولي.

– قرار 2218 لمجلس الأمن الصادر هذه السنة الذي أسقط كل الأوراق التي كانت تراهن عليها البوليساريو   في صراعها مع المغرب، خاصة على مستوى القطع    نهائيا مع مطلب توسيع مهمة المينورسو لتشمل حقوق   الإنسان، نظرا للآليات الوطنية الجدية التي أكسبت لها  ولعملها مصداقية دولية ووطنية، «المجلس الوطني  لحقوق الإنسان»، كذا محاولات يائسة لطرح قضية الثروات الطبيعية التي لا حل لها إلا في ظل الجهوية  الموسعة والحكم الذاتي.

إن اللحظة التي تمر منها المنطقة، خاصة وأنها تسجل   في كل استحقاق نسبة عالية من المشاركة السياسية في  جل الاستحقاقات السابقة، تجعل من الضرورة أن يفكر  هذا «التيار» في مصلحة المنطقة وسكانها، فوق أي  اعتبار سياسي، أو حساب ضيق كضيق الأفق الذي وضعوا أنفسهم فيه، ومشاركتهم السياسية اليوم ستشكل  مخرجا مشرفا لهم ولما قدموه في سبيل الفكرة التي  لطالما آمنوا بها، وسيعفيهم من الاختباء المتكرر   والمفضوح وراء خطأ حقوقي زائف، كما أن انخراطهم  الإيجابي سيمكنهم من أن يكونوا في قلب معركة تنزيل   الجهوية الموسعة على أرض الواقع، التي تظل بالنسبة   إلى منطقة الصحراء مقدمة للمشروع الكبير، ألا وهو الحكم الذاتي، الذي إما أن يكونوا جزءا منه، وإما أن أي تأخر عن المواكبة وعن الانخراط في هذا الإصلاح سيزيد من تقديم حجمهم، ومن فصلهم عن واقع المنطقة، وعن حركيتها، ولن يجدوا أنفسهم إلا تابعين للبوليساريو ولقيادتها.

باحث

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

mari mery منذ 8 سنوات

انفصاليو الداخل يجب عليهم المشاركة في الانتخابات المقبلة لما لها من أهمية دستورية و ديمقراطية حداثية تتزامن مع المستجدات الحالية المتمثلة ربط المسؤولية بالمحاسبة

التالي