الفصل الثاني للأزمة

27 أغسطس 2015 - 23:38

اندلعت الكثير من السخرية لما كتبت في 4 فبراير الماضي أن أزمة اقتصادية عالمية جديدة تهددنا، بل وكشفت مؤشراتها. والواقع أن ذلك التحليل يبدو أكثر واقعية اليوم، فالعالم يوشك على السقوط في مستنقع كارثة اقتصادية كبيرة، ولا أحد ينتبه إلى الأمر.

إذ لا أحد ينتبه بالخصوص إلى أن ما يجري في الصين يمكن أن يؤدي إلى كساد عالمي إذا لم نتصرف بسرعة، وبطريقة وقائية. فتطورات الحالة الصينية كانت متوقعة: لا يمكن لنسبة نموها التي كانت محددة في 10 في المائة سنويا أن تكون دائمة، وتباطؤها كان أمرا حتميا. فضلا عن هذا، فقدت الصين قدرتها التنافسية في القارة الآسيوية، حيث أخذت عدد من البلدان تستيقظ بدورها.

إن الإمبراطورية الصينية لم تفلح في خلق مؤسسات صناعية ضخمة ذات أحجام دولية تنتج «ماركات» عالمية، كما فعلت الولايات المتحدة واليابان في وقتهما.

والواقع أن كارثة «تيانجين» تزيد من حجم خطر تلك الأزمة الاقتصادية العالمية، بعد أن أصاب الشلل مدينة من 15 مليون نسمة –وهي من المواقع الأولى للتصدير والاستيراد بالبلاد. وهذا الشلل، فضلا عن أحداث مشابهة أخرى، يذكرنا كم يعاني هذا البلد من الرقابات التي تفرضها عليه متطلبات الحزب الوحيد.

إن عواقب هذا الوضع يمكن أن تكون كارثية على النظام، فالركود أدى إلى فقدان ثلث قيمة البورصة التي استثمر فيها 200 مليون نسمة من المنتمين إلى الطبقة الوسطى نصف مدخراتهم، التي وضعوها جانبا لتغطية مصاريف الصحة والتعليم الخاصة بأسرهم، وكذلك تقاعدهم الذي لا تتكفل به الدولة. كذلك، إذا تواصل تباطؤ النمو، فإن ذلك يعني تراجع الهجرة القروية، وهذا يعني بشكل آلي تراجع الطلب على السكن، ويهدد بالتالي العقار بالانهيار، وهذا سيدمر النصف الآخر من مدخرات هذه الطبقة الوسطى. ولا شيء أخطر على أي نظام من إفلاس طبقته الوسطى، التي تعد العمود الفقري لأي نظام اجتماعي.

إن تغيير سعر العملة لن يكون كافيا للحد من الانهيار، بل يمكن أن تكون له نتيجة عكسية، ويعمق الأزمة بوضع الصين رهينة لرغبات المضاربين الدوليين، وبحث بلدان أخرى على تغيير أسعار عملاتها للحفاظ على تنافسيتها.

والخلاصة أن الركود الصيني، إذا ما تأكد، سيفضي إلى الركود في البرازيل، وهذا الأخير سيتسبب في الأمر نفسه بالولايات المتحدة ثم في أوروبا. وهذا التهديد المهمل اليوم سيكون موضوع الساعة قريبا، وعلى أقصى تقدير خلال اجتماع وزراء مالية مجموعتي الـ20 والـ7  ‏(G20  وG7)  في إسطنبول خلال شهر شتنبر المقبل. إذ سيتعين على القادة الغربيين مناقشة خطة لإنعاش الاقتصاد، ولكن بلداننا لا تتوفر اليوم على هوامش مالية للحركة كما كان الحال في 2008. كما أن أبناكنا المركزية لم يعد بمقدورها خفض نسب الفائدة كما كان الحال في 2010.

إذن، ماذا بقي لنا لإنعاش النمو؟ يتمثل الحل الأكثر حمقا والأكثر سهولة في طبع مزيد من الأوراق النقدية، وهو الأمر الذي شرعت فيه كل من الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وحتى منطقة الأورو. ولكن هذا الأمر سيفضي إلى إفلاس المدخرين، أي المسنين حاليا(…) دون خلق فرص عمل وفتح آفاق للنمو بالنسبة إلى الشباب.

مازلنا نتوفر اليوم على كل الوسائل للحؤول دون حدوث مثل هذا السيناريو، بل حتى تجاوز الجمود المتمثل في عدم خلق مناصب شغل جديدة، وإن كان هذا الأمر يبدو اليوم أفضل وسيلة متاحة.

إن الاقتصاد العالمي يتوفر على إمكانات تحقيق نمو قوي.. نمو من صنف جديد، بشرط خلق آليات التنسيق والتوجيه والمراقبة على الصعيد الكوني.. بشرط التفكير في الاقتصاد وفقا لمصالح الأجيال القادمة.. بشرط مكافحة الريع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي، وتحفيز الابتكارات بكل أنواعها. هكذا كله يفترض الجرأة والثقة والشفافية، أي كل الأمور التي يكرهها السياسيون، مهما كانت الأنظمة التي ينتمون إليها.

مفكر فرنسي

ترجمة مبارك مرابط

عن «ليكسبريس»

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كمال العربي منذ 8 سنوات

مفهوم النمو الاقتصادي المبني على الإنتاج السلعي و على الاستهلاك يحتاج إلى مراجعة. المفهوم الجديد للنمو يجب أن يتضمن الرفق بالبيئة و تقليص الفوارق و جودة الخدمات.

التالي