توفيق بوعشرين: إعلام هذا أم علب «سيراج»؟

31 أغسطس 2015 - 22:00

فيلم إيريك وغراسيي مازال يلهم الكثيرين للحديث عن علاقة الصحافة الفرنسية بالقصر الملكي. أول أمس اعترف الصحافيان اللذان غادرا الحراسة النظرية في باريس بأنهما دخلا في صفقة مالية مع ممثلي الملك حول نشر كتاب مزعج، لكنهما أنكرا تهمة الابتزاز. ولأنهما كانا أمام تسجيلات وصور وعقود وأموال «كاش» في أيديهما، فقد حاولا حجب الشمس بالغربال، وإثارة نظرية المؤامرة عساها تفيد في التخفيف من قوة الفضيحة. الملف الآن بيد القضاء، والتهمة وجهت إلى الاثنين بشكل رسمي، وقد أطلق سراحهما بكفالة، ووضعا تحت المراقبة القضائية. الوسط الصحافي الفرنسي، الذي اعتاد أن ينظر من فوق إلى المملكة الشريفة وشؤونها، مصدوم، وهو يعرف أن مصداقيته أو جزءا منها على الأقل قد أصيبت بأضرار جانبية كبيرة يصعب محوها من الذاكرة. من هنا فصاعدا سيتعرض أي كتاب، أي مقال، أي تحقيق عن شؤون العرش العلوي للشك، للريبة، للتساؤل حول خلفيات النشر ودواعيه وتوقيته، وهل هناك صفقة أم لا وراءه؟ العجوز جيل بيرو، صاحب كتاب «صديقنا الملك»، انتبه إلى هذا الضرر، وقال للإعلام الفرنسي: «إن فضيحة إيريك وغراسيي ستجعل كل الكتب الصادرة عن القصر الملكي في فرنسا محل شك».

لكن دعونا ننقل فيلم «إيريك وغراسيي» إلى المغرب، ولنجرب أن نوسع زاوية المعالجة أو التصوير، ونسأل عن أسرار حرفة كاملة نشأت في المغرب وانتعشت حديثا بشكل لافت، حيث تكفل ممونو حفلات دعائية «تريتورات» بتأسيس شبكة من العلاقات الزبونية مع أوساط صحافية من الدرجة الرابعة في فرنسا وأمريكا وإسبانيا… وتعاقدوا معها على نشر أخبار دعائية عن المغرب، جلها لا تأثير له على القرار السياسي في الغرب، ولا على سمعة الرباط في الإعلام الدولي، وكل هذا مقابل هدايا وسفريات وتحويلات وإقامات في فنادق مراكش… وكل شيء بمقابل، وكل عمل بأجر، وكل تحرك بعمولة، وكل سفر بأظرفة «كاش». 

إذا كان الملك محمد السادس شخصيا قد قرر فضح إيريك لوران وكاترين غراسيي في فرنسا، ورفض أن يدفع للصحافة الغربية كما يفعل كل الملوك والرؤساء العرب من أجل شراء الصمت أو اقتناء المدح الكاذب، وإذا كان الجالس على العرش قد رفض منذ توليه الحكم مدحه في الأغاني الوطنية ونظم الشعر في شخصه بمناسبة وبدون مناسبة، وقال المداحين والمنافقين القدماء والجدد: «امدحوا محمد رسول الله عِوَض أن تمدحوا محمد بن الحسن». إذا كان هذا توجها رسميا لأعلى سلطة في البلاد، فمن من الأجهزة والمؤسسات والأشخاص مازال يمول ويشرف ويشجع على صرف المال العام على مقالات مخدومة في صحف مغمورة في العالم، ويعيد إنتاجها في الداخل للضحك على الذقون؟ ومن من الأجهزة والمؤسسات والأفراد والمسؤولين مازال يدفع المال الكثير لإنشاء شبكة من الصحافيين المتملقين الكذابين، الذين يخيل إليك أنهم ابتلعوا كميات كبيرة من «السيراج» من كثرة مسحهم الأحذية… من من الأجهزة والمؤسسات والأفراد واللوبيات تريد أن تجعل من صحافتنا المعطوبة أصلا منابر وإذاعات ومجلات تتنافس على من يمدح الملك أكثر، ومن يهاجم منتقدي السلطة بشراسة كلب بيتبول مسعور؟ من يريد أن يجعل من صحافتنا نسخا رديئة لجريدتي «لومتان» و«الصحراء»؟ 

كانت في السابق جريدتا «لومتان» و«الصحراء» بمثابة لسان القصر الذي يدافع به عن نفسه في مواجهة غارات صحف المعارضة. اليوم، من كثرة الصحف والمجلات والإذاعات والكتب الصادرة بمناسبة وبدون مناسبة، وبعضها مضحك لكن كلفته عالية… صارت «لومتان» و«الصحراء» تبدوان صحيفتين «مهنيتين» تعرضان أخبار الأنشطة الملكية بدون تعليق وبدون «تبحليس» وبدون مهاجمة الإعلام المستقل، وبدون نسج مؤامرات وحكايات مسلية عن استهداف بنكيران لسلطة الملك.

كان أنورين بيفان، نائب رئيس حزب العمال البريطاني قديماً، يقول: «أقرأ الصحف الصفراء بمواظبة حماسية لأنها مصدري الوحيد للقصص الخرافية».

عندما كتب الصحافي الأمريكي رتشارد منيتير، بدون حياء، سنة 2012  في مجلة فوربس، الصادرة في نيويورك، أن حكومة بنكيران تقود المغرب إلى النموذج الإيراني، وأن المملكة مهددة في نموذجها السياسي والاجتماعي، وأن شخصين فقط يمكنهما أن ينقذاها، هما محمد السادس وأوباما، كتب يشبه الرباط بطهران عندما كانت إيران مثل الشيطان في أمريكا، ووجد من يعيد ينشر هذه المقالات بلغة الضاد رغم أنها تضرب سمعة البلاد في الخارج، ثم لما انتقدنا هذه الكتابات، وانتقدنا من يطلب خدمات هذا «البزناس»، رفع دعوى قضائية ضدنا بالوكالة وطلب 100 ألف دولار، ثم لما صدر تقرير وزارة العدل الأمريكية وعليها اسمه «كلوبييست» يشتغل لحساب جهات في المغرب لم يستحي، ولم يسحب الدعوى التي مازالت أمام القضاء، وسنرجع إلى تفاصيلها وحيثياتها مع بداية جلسات المحاكمة الشهر المقبل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

الإدريسي العلمي منذ 8 سنوات

رب ضارة نافعة! أتمنى أن تشكل قضية الصحافيين الفرنسيين المتهمين بالابتزاز مناسبة للتوقف مليا عند الدور الخطير الذي يلعبه الاعلام في ظل عالم تطغى فيه الماديات. صحيح أن علاقة الصحافي والمثقف بالسلطة علاقة مركبة، وقتما كانت "سمنا على عسل" فالموضوع فيه إن. وإذا شابها تضارب وتعارض فالموضوع كذلك فيه شيء من أخوات إن. هل هي في آخر المطاف علاقة مصالح ليس إلا ؟ يود المرء ان يحافظ على إيمانه بأن الإبداع الثقافي والإعلامي ليس منتوجا كغيره ولا بضاعة يحكمها المال وسوق العرض والطلب وتبادل المصالح، وأن ما حصل في باريس مع "لوران قيت" هو استثناء وشدود عن القاعدة التي تنزه غالبية أهل مهنة المتاعب عن الجشع والطمع وبيع الذمام في فرنسا وغيرها.

M.KACEMI منذ 8 سنوات

المشكلة أن الأقلام النزيهة الواقفة في صف المجتمع صارت تقل بشكل مخيف. يبدو أن سلطة المال لا تجد من يردعها، وكأنها فوق سلطة القانون

التالي