توفيق بوعشرين: سر هجوم بنكيران على «البام»

01 سبتمبر 2015 - 22:00

خطب في كل مكان، وعود على اليمين واليسار، شعارات تملأ الدنيا، منشورات تحت جل الأبواب، ملصقات كبيرة ووجوه عديدة، نوايا طيبة توزع بدون تحفظ… إنها أجواء الحملة الانتخابية للرابع من شتنبر المقبل، حيث الدعوة موجهة إلى حوالي 15 مليون ناخب للتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار حوالي 30 ألف مستشار جماعي وجهوي، سيُكلفون بإدارة المدن والبوادي لست سنوات قادمة.

الحملة الانتخابية هذه السنة ساخنة خاصة أن رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، اختار استراتيجية انتخابية ذات طابع سياسي عنوانها الهجوم على حزب الأصالة والمعاصرة، باعتباره «الشيطان الأكبر» للتجربة الديمقراطية الفتية في المغرب، وقد نجح في جر خصومه إلى الساحة التي يتقن اللعب فيها، وهي الهجوم على رموز المعارضة (إلياس العمري وحميد شباط وإدريس لشكر) باعتبارهم أدوات في مؤامرة ضد الحكومة التي تكافح الفساد وتناهض التحكم، وتسعى إلى إنصاف الفقراء وحماية الاستقرار، على حد زعم بنكيران. بمعنى آخر، نحن في حملة برلمانية لانتخابات جماعية، أي عِوَض التنافس حول من يدير المدن والقرى أفضل، ومن يقدم خدمات القرب أحسن، أصبحنا أمام من يحافظ على الاستقرار، ومن يهدد الديمقراطية، ومن يتحالف مع الفساد والاستبداد، ومن يريد أن يتقدم بالمغرب إلى الأمام، ومن يريد أن يرجع به إلى الخلف.. بنكيران لم يخطئ العنوان في حملته الانتخابية. هو يعرف أننا إزاء انتخابات محلية وليست برلمانية، لكنه يريد أن يضرب عصفورين بحجرواحد.

أولا، خوض حملة انتخابية بنفس سياسي قادر على جلب اهتمام الناس وتعاطفهم وتوظيف شعبيته في الشارع وأسلوب تواصله القريب من الناس، وترك البرنامج المحلي للمرشحين وللآلة الانتخابية للحزب، وهو، ثانيا، يريد أن يضعف البام، وأن يظهر للذين مازالوا يراهنون عليه أنه جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل. في أكادير رجع بنكيران إلى 2003، حيث اشتكى من مخطط كان جاهزا لحل حزب المصباح واتهامه بالمسؤولية عن الأحداث الإرهابية التي حدثت في 16 ماي. هنا بنكيران يصفي حساباته القديمة والجديدة مع خصومه حتى قبل تأسيس البام سنة 2009.. الرسالة واضحة.

«البام» ليس حزبا ولا توجها سياسيا ولا برنامجا انتخابيا ولا خطا إيديولوجيا.. البام تعبير صريح عن خوف جناح في السلطة من الديمقراطية وصندوق الاقتراع ومفاجآته. والجرار خُلق وفي فمه ملاعق من ذهب وفضة ليكون بمثابة فرامل سياسية للتحكم في سرعة الحياة الديمقراطية، وصادف أن الذي يركب هذه العجلات والذي يتقدم بسرعة اليوم هم الإسلاميون، ولهذا رفع الحزب راية التصدي لـ«الخوانجية» وللمد الأصولي والظلامي. لو كان اليسار فوق الموجة الشعبية ذاتها لحمل الحزب ذاته شعار حماية المقدسات والدفاع عن الإسلام و… و… لكن بأي وسيلة يريد «البام» أن يحارب الإسلاميين الآن؟ هذا هو السؤال.

«البام» يريد أن يحارب أصولية المجتمع بأصولية الدولة، ويريد أن ينافس «البيجيدي» في صندوق الاقتراع بالأعيان ومساعدة الإدارة، ويريد أن يوقف الزحف الأخضر ببقايا المد الأحمر الذي يحمل شعار المطرقة والمنجل في خلطة عجيبة لا لون لها ولا طعم.

الذي كان مؤهلا ليصارع الإسلاميين على قاعدة فكرية وإيديولوجية وسياسية هو حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان عنوان مشروع ديمقراطي حداثي في المغرب قبل أن يدخل إلى غرفة الإنعاش، ويصبح حزبا يستعين بخدمات ولد العروسية في مراكش وشاحنات بلفقيه في كلميم، أما «البام» فإنه جاء يحمل ثلاثة أهداف لم يحقق منها شيئا إلى الآن حسب ما أزعم: 

أولا: جاء ليصد الإسلاميين ويضعف من نفوذهم في الساحة السياسية وفي عمق المجتمع، ويخيف منهم الغرب ونخبه في الداخل والخارج. الذي حدث أن الإسلاميين من وقت تأسيس «البام» إلى الآن حققوا مكاسب لم يكونوا هم أنفسهم يحلمون بها.. كانوا مهمشين في المعارضة وها هم بعد مجيء «البام» وأحداث الربيع العربي يمدون أرجلهم في رئاسة الحكومة، وزعيمهم أصبح أشهر من نار على علم. 

ثانيا: جاء «البام» بادعاء رفع نسبة المشاركة في الانتخابات التي نزلت إلى مستويات خطيرة في 2007، دارت العجلة ولم يتحقق هذا الهدف في 2009 ولا في غيرها، واتضح أن الذي رفع نسبة المشاركة في انتخابات 2011 حيث فر «البام» من المواجهة هو الحراك المغربي الذي خرج إلى الشارع، وأتى بغنيمة الدستور الجديد والانتخابات الأقل تزويرا. إذن، الانتعاش الديمقراطي، وارتفاع منسوب الحرية والتنافس بين الأحزاب هو الذي يرفع نسبة المشاركة وليس «عقاقير الدوباج الحزبي». 

ثالثا: ادعى البام في شهادة ميلاده أنه جاء ليفتح المجال السياسي للشباب وللنخب الجديدة وللمرأة، والذي حدث دراماتيكي بالفعل، أول من أطلق النار على «البام» هم الشباب الذين خرجوا في 20 فبراير حاملين شعارات حل «البام» وطرد رموزه من الساحة. كل ما نجح فيه «البام» هو أنه قام بأكبر تجميع للأعيان، وأعطى هؤلاء قوة سياسية كبيرة لم تكن لديهم عندما كانوا موزعين على قبائل الأحزاب.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

السفيرة منذ 8 سنوات

احييك اخي على تعليقك الجيد جدا والحمدلله ان الوطن لا زال بخير مادام هناك اناس لم تغشى الورقة الزرقاء اعينهم عن فهم المشهد السياسي الذي نعيشه

Abdellah منذ 8 سنوات

صدقت سياسة هذه الحكومة تتبني على تحسين ظروف عيش الطبقة الكادحة على حساب الطبقة المتوسطة. أما الفساد وناهبي ثروات البلاد والعباد فلا قبل له بهم.

medo منذ 8 سنوات

هذا الرجل .بن كيران. يتعرض للهجومات و الضغوطات من كل الجهات: من علمانيي الوطن، من دوزيم، من قناة ميدي1 ، من حكومة الظل، من الدولة العميقة، من التماسيح و العفاريت، من لوبيات المحروقات، من لوبيات العقار، من لوبيات رجال الأعمال الفاسدين، من الأحزاب المهترئة، من صحف الإسترزاق المدفوعة الأجر، من المواقع الصفراء الباحثة عن الشهرة، من منظمة "فيمين" و جمعيات الشواذ، من جارة الشر الجزائر، من بعض دول الخليج العدوة للحركات الإسلامية، و الجديد الذي اكتشفناه بوضوح مؤخرا الهجومات المنسقة من فرنسا و لوبيها الموجود في المغرب... و السبب هو أن الرجل يعمل بجد و صدق من أجل رقي و ازدهار المغرب و يدافع عن مصالح البلد في كل مكان، خصوصا بعد إعلان البنك الدولي أن المغرب سيصبح قريبا من الدول الصاعدة، مما زاد من أعدائه و خصوصا فرنسا و إسبانيا و الجزائر، لكن المهم رغم كل هذه الضربات تحت الحزام الرجل صلب و متشبت بقرارته... لكن في النهاية أنتم الحكم أيها الشعب و بيدكم صنع التغيير المنشود، هذه فقط وجهة نظر خاصة بي و لا أفرضها على أحد، لأنه في تقديري الرجل يحتاج الى دعم أكبر من الشعب في هذه الفترة

hassan منذ 8 سنوات

أنا غير منتمي بل غيور على بلدي وسط هذا الزخم من التجادبات. لديك فساد فساد وجب محاربته لديك مسؤول فاسد وجب محاسبته. أنا أشجعه وأشجع غيره إن عفوت عنه. هل رئيس الحكومة لديه سلطة تنفيدية أم هو قاضي. هل الدستور يمنحه الحق في العفو عن المختلسين. من جهة أخرى أريد أن أرد عن التعليق الذي رد على تعليقي وقال ماذا ننتظر من رئيس الحكومة. ماذا ينتظر ناخب من منتخبه. الإصلاح ولكن ليس على حساب البسطاء والمستضعفين.

moroco منذ 8 سنوات

لا أعرف ماذا كنت تنتظر من العدالة والتنمية؟؟؟؟ الحزب له تجربة حديثة في التسيير الحكومي الحزب تخذ إجراءات قوية لايقاف النزيف الحزب تقدم بمشاريع ذات طابع تضامني واجتماعي الحزب فعلا تمكن من ضبط الأمور ورد الكثير منها إلى جادة الصواب لازلت أجهل ماذا كان بعض الناس ينتظرون؟؟ ترى هل سيوفر الشغل لجيوش العاطلين في الوظيفة العمومية؟أم تراه سيعمل على تسديد ديون المغاربة عند شركات السلف ؟ماذا نطلب فعلا؟؟؟؟ في الحاضر أرى أن الطبقة المتوسطة هي أكثر تضررا من سياسة بن كيران لانه يرفض أن ييمنحها زيادة أو تخفيضا ضريبيا على الدخل ،غير هؤلاء خاصة المستضعفين فهم يشغلون بال بنكيران الذي لن يدخر جهدا في توفير العيش الكريم لهم والله أعلم

زهير منذ 8 سنوات

الألة الإنتخابية و الإعلامية للمصباح بدأت في الدوران ولا أضن أن دخان الجرار قادر على التعتيم على نور المصباح

hassan منذ 8 سنوات

لماذا نمجد الكاتب ونترك التعليق عن التحليل وحيتياته. لماذ نغوص في الشكليات ونترك الأفكار هكذا سنبقى سطحيين ولن نفهم شيئا. أنا غير منتمي لأي حزب وكنت في 2011 متعاطفا مع العدالة والتنمية. ولكن هذا الحزب خذلنا نحن الكثيرين ولنا الحق في التعبير عن رأينا كمغاربة ليس لنا أطماع سوى أن من يمثلنا يكون صادقا ولا يخاف لومة لائم سواء تماسيح أو أرانب أو غيرهم... فقط نريد برنامجا صادقا وصحافة محايدة وإعلام نزيه وحكومة نزيهة تتراجع إلى الخلف أو على الأقل تعترف بفشلها في تحقيق ما كانت تطبل به. تجدر الإشارة إلى أنني مغربي غير منتمي لأي حزب ولكن مغربي متعاطف مع البرامج الصادقة والهادفة والفعالة والسياسيين والإعلاميين النزهاء. أتقبل النقد وأعشق الإصلاح والشفافية. وشكرا

سعيد منذ 8 سنوات

كلام بسيط حول صراع هوياتي. لكن أين الشعب؟

marocaine منذ 8 سنوات

Bravo bouaachrine vous nous avez fait ouvrir les yeux un peu.

الإدريسي العلمي منذ 8 سنوات

نعم نجح حزب الأصالة والمعاصرة في جزء كبير من مخططه بإعادته خلط أوراق اللعبة السياسية في المغرب وتأزيم الأوضاع داخل عدد من الأحزاب التاريخية أو التقليدية وتركيز الصراع السياسوي فيما بينه وبين حزب العدالة والتنمية. صحيح أن البام لم يوفق في القضاء نهائيا على بنكيران وإخوانه، لكن الفرصة المناسبة لذلك قد تتوفر في القادم من الأيام لا سيما إذا هزمت الأوضاع المتردية في البلاد تجربة الإسلاميين في الحكومة او طغت أزمة دولية ما على مجرى الأمور . وحينها لن يتردد البام في إقبار غريمه الى يوم يبعثون. ذلك أن ما يفرق بينهما جوهري ايديلوجي عقائدي وليس خلافا سياسيا عاديا . فلن يكتفي اي منهما بأقل من الانتصار بالضربة القاضية.

عبدو2014 منذ 8 سنوات

شكرا السي بوعشرين تحليلك منطقي و مقنع ولوأنه سيجلب لك المتاعب مع حكار الشعب و مصاصي دمائه.فمزيدا من التألق

عبد الغفار منذ 8 سنوات

ظهره وليس ضهره

mossa منذ 8 سنوات

سوف يدير التاريخ ضهره للاسلامين .كما ادار ضهره للاشتراكين.لسبب . واحد فقط: السقوط في التقة العمياء للشعبية خاصة مع خطيبهم بنكران.

ايوب منذ 8 سنوات

مقال واضح مزيدا من التألق ان شاء الله

youssef منذ 8 سنوات

احســــــن صحفـــــــــــــــي

أم مريم منذ 8 سنوات

تحبليل في المستوی ! شكرا توفيق بو عشرين علی الموضوعية والحيادية

youssef منذ 8 سنوات

fi samim si toufi9

ابراهيم منذ 8 سنوات

جميل جدا أستاذ مع أسلوب سلس ومقنع جدا سلمت أناملك

احمد منذ 8 سنوات

ضحكتني أبا بوعشرين

التالي