اسعيدي: هناك اختراق مغربي بدرجة معينة لتنظيم داعش

28 نوفمبر 2015 - 23:00

أصبح المغرب في الفترة الأخيرة مرجعا إقليميا ودوليا في محاربة الإرهاب وجذوره من تطرف وانحرافات دينية. مرجعية تنبني بالإضافة إلى فعالية مقاربته الأمنية، على وصفة شاملة بات يحرص على تسويقها دبلوماسيا ودوليا، حيث كانت له في لحظة «الربيع العربي» أجوبة أخرى مختلفة عما ساد على امتداد الرقعة العربية.

في الحوار التالي يتحدث ابراهيم اسعيدي استاذ الدراسات الأمنية والعسكرية بجامعة قطر، عن طريقة اشتغال المخابرات المغربية، والطرق التي مكنتها من تحقيق التميز وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية وتقديم معلومات مهمة للأجهزة الأمنية الأوربية.

 

 كيف تقرأ مسألة التركيز على المساهمة المغربية في تفكيك خلية عبدالحميد أباعوض بعد الاستهداف الإرهابي لفرنسا؟
أعتقد أن المغرب استثمر جيدا ورقة الإرهاب لتحسين وتقوية موقعه مع الاتحاد الأوروبي. فهو شريك اقتصادي وسياسي، والآن، بفعل المساهمة الثمينة التي قدّمها لفرنسا، أظهر قدراته وأكد دوره كشريك أمني فعال يُعتمد عليه، خاصة على مستوى العمل المخابراتي. لقد أصبح المغرب، بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، شريكا يُعوّل عليه بالنسبة إلى أمن أوروبا. وهذا الربح الاستراتيجي، حققه بفضل اعتبارات أخرى، إضافة إلى ما ذكرت، منها نجاحه في مراقبة الحيز الجغرافي الخاص به، بدليل أنه تعرض لضربات إرهابية منذ 2003 حتى الآن، لكنها كانت قليلة جدا، في مقابل قدرته الكبيرة على تفكيك الخلايا الإرهابية وإفشال خططها في الأصل.
 هل يتعلق الأمر بطرق خاصة تشتغل بها المخابرات المغربية وتجعلها قادرة باستمرار على إفشال الخطط الإرهابية؟
الطريقة التي تشتغل بها المخابرات في العالم واحدة، ولا أظن أن المخابرات المغربية تشكل استثناء في ذلك. لكن يبدو لي أن هناك فعالية أكثر، وهو ما يمكن تلمسه من خلال مؤشرات قوية: أولا، هناك فهم جيد وحقيقي للتنظيمات الإرهابية، فالمعلومات التي قدمتها المخابرات المغربية لنظيرتها الفرنسية، تكشف أن هناك تتبعا دقيقا لمجال وعناصر هذه التنظيمات، ومن تم فعالية الخلايا أو الشُعب المختصة داخل جهاز المخابرات في ملاحقة هؤلاء. ويمكنني القول إن المخابرات المغربية، على خلاف مخابرات كثير من الدول الأخرى، لها معرفة دقيقة ومتينة للثقافة الإرهابية. هناك مؤشر ثان، وإن كنت لأتوفر على معطيات محددة، فأنا أزعم أن هناك اختراقا مغربيا بدرجة معينة لتنظيم داعش، ويظهر ذلك من عدد المقاتلين الكبير الذين التحقوا بداعش، والذي تجاوز 3 آلاف شخص، وطبيعي أن يكون من بين هؤلاء عيون لعناصر تجمع المعلومات وترصد عن قرب مناطق التحرك داخل التنظيم. وثالثا، هناك ملف العائدين، وهذه نقطة أساسية في عمل أي مخابرات، لأن هؤلاء إن عادوا إلى بلدهم ولم يُكتشفوا ويُراقبوا، ثم بعدها قاموا بعمل إرهابي، كما حدث في فرنسا، فهذا يعتبر دليل فشل للمخابرات، وأعتقد أن المغرب يراقب النقاط الحدودية جيدا ويستفيد من هؤلاء العائدين كمصدر معلومات ثمينة ودقيقة، كونهم، خلال عملية التحقيق معهم، يحكون تجاربهم الخاصة وسط داعش.
 هل هذه هي عناصر التميّز فقط، في العمل الأمني المغربي ضد الإرهاب؟
طبعا يُعد محاربة الإرهاب عملا مخابراتيا بالأساس، وفي المغرب هناك مستويين لعمل المخابرات: الأول تشترك فيه مع غيرها من المخابرات، والثاني خاص بها ولا نجده في دول أخرى.
على المستوى الأول، تجمع المخابرات المعلومات عن التنظيمات والعناصر الإرهابية بمختلف الوسائل الممكنة، سواء عبر التنصت على الهواتف، ومراقبة الوسائط الاجتماعية والبريد الإلكتروني، واستعمال التكنولوجيا الحديثة المتطورة التي أنهت مفهوم السرية في عمل الدول، خاصة في غياب أمن تكنولوجي. أما المستوى الثاني فهو خاص بالمغرب، وأقصد هنا شبكة المقدمين والشيوخ ومن يساعدهم في الأحياء والعمارات، وهي شبكة واسعة جدا تستطيع المؤسسات الاستخباراتية المغربية مراقبة كل المشتبه فيهم بدقة. وإذا كانت التنظيمات الإرهابية عادت إلى الأساليب التقليدية في التجنيد والاستقطاب، وهو ما يشكل تحديا للمخابرات الأوروبية مثلا، فإن المخابرات المغربية تجد نفسها في قلب هذا التحول، نتيجة المزج الفعال بين التكنولوجي والبشري.
هل معنى ذلك أن المخطط المعلن عنه منذ صيف 2014 لمواجهة تهديد داعش، والذي تم إشراك الجيش عبر آلية «حذر»، في تنفيذه، أثبت فعاليته؟
ما قلته لا يعني أن المغرب في منأى عن الإرهاب، لذلك لابد من الحذر والتأهب الدائم. ومخطط «حذر»، الذي هو استنساخ لنظام Vigipirate، وجوهره رفع درجة التأهب إلى الحالة التي يمكن فيها الجيش التدخل لتقديم مساعدات للأجهزة الأمنية، يؤكد أن هناك تهديدا حقيقيا لا محالة، بين الدرجتين الثالثة (البرتقالية) والرابعة (الحمراء).
وفي رأيي، فإن النجاح الحقيقي للمغرب يكمن في إقرار الحكامة الأمنية، وبناء أجهزة أمنية ومخابراتية مهنية وفعالة، وهذا يلزمه استثمارا حقيقيا في الرفع من التكوين والتدريب وتجهيزها بالتكنولوجيات الحديثة.
* أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية بجامعة قطر

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي