سمر انقلابي!

20 يوليو 2016 - 16:45

عصام واعيس
تابعت الانقلاب العسكري المحبط في تركيا، ليلة وقوعه، متقلبا، بصفة رئيسية، بين ثلاث قنوات تلفزية، باحثا عن جديد المعلومات المتدفقة إليها من مسرح الأحداث. « الجزيرة » و »سي إن إن » (الإنجليزية)، و »أورو نيوز »، ثم من باب الفضول وإتمام التأمل في تعبير اللقطات والتعاليق المنقولة عن عقيدة كل وسيلة إعلامية، يَممتُ صوب قناة إخبارية مصرية في تلك الليلة الانقلابية البيضاء.
في البدء كنت أقفز بين القنوات الثلاث وكل همي أن أرى ما يجري من ثلاث زوايا علّي أحيط بأكبر قدر مما يجري مع أردوغان وشعبه وأحلامه وجيش بلاده، بالصوت والصورة ومن وسائل إعلامية لها دُربة وخبرة في التغطيات الساخنة، وإذا بي ألاحظ بسرعة أني في الحقيقة كنت أتحرك بين ثلاثة مواقف شبه رسمية، بين ثلاث فكرانيات إعلامية، بين ثلاث نظارات ومراكز قرار إقليمية ودولية هي أمريكا وقطر وأوربا ثم، وفي حدود أقل ومن باب الفضول كما قلت، القاهرة.
من على شرفة أوروبا، « أورو نيوز »، كان الخبر يقول: « عملية انقلابية تجري في تركيا »، مع صورة مظلمة وصوت متقطع وشح بيّن وظاهر في المعلومة واللقطات، وانقطاعات متكررة في الصوت، وكاميرا مثبتة على منظر مظلم ثابت، لا يترجم ما يقوله الشريط الأحمر أسفل الشاشة، الذي يقتضي الحركة أو أصوات إطلاق نار أو أي شيء يتحرك، ليقول للعالم إنه « انقلاب »..
على « سي إن إن »، لم أفهم كيف أحضرت القناة للبلاتو بسرعة البرق عميلا سابقا في وكالة الاستخبارات المركزية وجنرالا متقاعدا ومحللين سياسيين، واحد يتحدث عن تاريخ الانقلابات وكيفية تنسيقها، والثاني يقول للقناة إنه باعتبار آخر اتصالات أجراها مع قادة بالجيش التركي كان يستبعد حدوث انقلاب في هذا التوقيت، دون أن يستغربه تمام الاستغراب، ومحللين يتحدثون عن أردوغان الذي أحكم قبضته على مفاصل الدولة وضيق على الإعلام وقمع المعارضة، وكان النقل التلفزي موزعا بين لقطات البلاتو ولقطات واسعة جدا (extreme wide shots) وغير واضحة من مسرح الأحداث، وأخرى لبلاتو مكتب القناة في تركيا.
على شاشة « الجزيرة » كان الأمر مختلفا تماما. كان الانقلاب فاشلا، وأنصار الرئيس يملؤون الشوارع، واللقطات المنقولة أوضح وأقرب، بين لقطات واسعة ومتوسطة، وأخرى عبر الهاتف، ومراسلين منتشرين في مجموعة من النقاط. وحتى في تلك الساعة التي بدأت تؤكد فيها « الجزيرة » تقريبا فشل الانقلاب، وتنقل للعالم أخبار أردوغان حيا يُرزق واستسلام بعض الجنود والأعداد الكبيرة التي نزلت استجابة لنداء الرئيس وتنقل الصور الحية من شبكة مراسليها، بالكاد غيرت « أورو نيوز » لفظ « عملية انقلابية » بـ « محاولة انقلابية »، فيما تحدثت « سي إن إن » عن عدم وضوح الوضع بعد في البلاد، قبل أن يتضح لها الوضع! بفارق زمني مهم مع « الجزيرة ».
متابعة تغطيات هذه القنوات في لحظات المحاولة الانقلابية، أي في اللحظات السابقة « لاتضاح الأمور »، كان يترجم مواقف سياسية شبه رسمية يجري تصريفها عبر إعلام مهني ومحترف.
تغطية « الجزيرة » لم تحمل تقريبا أي مفاجأة وصارت على الخط مع سياسة القناة القطرية وتوجهاتها إبان أحداث مماثلة سابقة منها على وجه الدقة الانقلاب المصري – مع الفارق الفلكي بين الحالتين في مآلهما طبعا- أما « سي إن إن »، فآثرت انتظار اتضاح الأمور!، مثل الموقف الأمريكي، الذي ظل بدوره ينتظر اتضاح الأمور قبل تأكيد دعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا، وكان تعاطي « أورو نيوز » مع المحاولة الانقلابية قريبا من القناة الأمريكية، قرب أوروبا من أمريكا.
أما القناة المصرية التي طرقت بابها، بعد إعلان القنوات الإعلامية الثلاث التي ذكرتها فوق فشل الانقلاب ودخولها في تحليل تطورات ذلك وتداعياته، فكانت لازالت تتحدث عن « سيطرة الجيش على السلطة » وبيانه التلفزي والأهداف النبيلة لقادته، ودندنات قريبة من « تسلم الأيادي يا جيش بلادي »…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي