انتهى الكلام..

14 أكتوبر 2016 - 11:11

أسفرت نتائح انتخاب السابع من أكتوبر عن عدة حقائق يجدر بالنخبة السياسية المغربية التألمل فيها، وقراءة المستقبل في ضوئها وعلى هديها، كما يجدر ببعض مكونات هذه النخبة تجنب البحث عن المشجب لتعلق عليه ما لا تريد الإعتراف به، او ما لا ترغب النظر إليه وجها لوجه.
تقول الحقيقة الأولى إن حزب ” العدالة والتنمية” انتصر في منافسة إقتراع مجلس النواب يوم الجمعة 07 أكتوبر 2016، وفوزه لا يمكن تفسيره بغير الأسباب الموضوعية المُفضية إليه. فمن جهة، حافظ على إرتقائه في سلم الظفر بالمقاعد منذ أول مشاركة له عام 1997، حين كسب تسعة مقاعد إلى أن وصل إلى 125 في الإنتخاب الأخير لمجلس النواب. وسيكون من باب الهروب إلى الأمام أو المزايدة عدم الإعتراف بهذه الحقيقة، أو البحث عن الأسباب الجانبية لتفسير هذا التصاعد الواضح والمتزايد. ما يجب الإقرار به ، دون تردد، أن ثمة طلباً إجتماعياً على حزب ” العدالة والتنمية”، و أن الجسم المُكون له، قيادةً ومناضلين، نجح في الإجتهاد في الوسائل الناجعة للمحافظة أولا ً على قاعدته الإنتخابية، وثانيا في إختراق أكثر المناطق الجغرافية والتعبيرات البشرية لتأكيد حضوره السياسي، والإقناع بأهمية المشاريع التي يُدافع عنها. وحتى على صعيد إدارة العمل الحكومي، أبانت تجربة خمس سنوات ( 2011 ـ 2016)، أنه استطاع النهوض من كبواته، ولم تنل منه رياح النقد والإعتراض كثيرا، بل ربما دعمته وقوت ساعده أكثر.. سيكون من باب إكثار الكلام وإضاعة الوقت البحث يمينا وشمالا عما يشكك في حقيقة إنتصار حزب العدالة والتنمية، وصيرورته القوة الأكثر قبولا وجاذبية في الحياة السياسية المغربية على الأقل في الزمن المنظور اليوم.
تُنبه الحقيقة الثانية على أن مقابل تصاعد حزب ” العدالة والتنمية” هناك تراجع ملحوظ للأحزاب سليلة الحرة الوطنية، أي الإستقلال والإتحاد الإشتراكي والتقدم والإشتراكية. وهو تراجع لا يمكن مرة أخرى تفسيره ب ” نظرية المؤامرة”، كما يحلو للبعض. إنه معطى سياسي وإجتماعي جدير بالتعاطي معه بقدر كبير من الموضوعية، وبنفس نقدي، شجاع وصريح. لابد من التذكير أن الخطاب المؤسس على ” الشرعية التاريخية”، أي المُستحضر لمقومات الكفاح الوطني، والنضال من أحل استرداد السيادة الوطنية وإرجاع الإستقلال على أهميتها، لم تعد مُقنعةَ، ولا قادرة على الإقناع، لسبب طبيعي هو أن الخريطة البشرية لساكنة المغرب تغيرت جذريا، فسبعون في المائة أو ما يقرب من المغاربة هم دون سن الثلاثين، وهؤلاء لم يعيشوا مرحلة الإستعمار، بل سمعوا عنها، ثم إن احتفالنا شهر نونبر المقبل بمرور ستين عاما على الإستقلال، كفيل بأن يجعل المسافة بين المواطنين وهذه الشرعية بعيدة ومتباعدة جدا.. لابد إذن من الإقتناع بوجود عجز ونقص واضحين في الخطاب المؤسس على الشرعية التاريخية، والعمل على النظر في إعادة بنائه على أساس “الشرعية الديمقراطية”، التي من أساسياتها ترجيح منطق المؤسسية، والإشتغال وفق متطلباتها وآلياتها، والإحتكام إلى الحوار، والإجتهاد بذكاء في ما يتجاوب مع تطلعات الناس ويُقنعهم بإمكانية تغيير الواقع وبناء مستقبل أفضل، عوض استدامة سجنهم في الماضي وبياضاته..وفي هذا الصدد، ومع تقدير كل التضحيات التي قدمتها الأحزاب سليلة الحركة الوطنية، لابد من الإعتراف بوجود اختلالات بنيوية داخل مجمل هذه الأحزاب، وإن بدرجات متفاوتة من حزب إلى آخر، وفي مقدمتها القضايا الجوهرية ذات العلاقة بالرؤية والإستراتيجية، أي بالخطاب، وتجديد التعاقب على المسؤوليات، والحرص على إعطاء نموذج عن القدوة في القيادة، وصياغة علاقة مستقلة وسليمة مع السلطة، وتغليب منطق الشراكة البناءة مع الحلفاء. ما هو ملاحظ بشكل مؤسف أن شبكة القيم من هذا القبيل ضعفت بالتدريجداخل هذه الأحزاب، ونمت أخرى فتحت الأبواب مشرعة أولا للتنكر لمُثل وأخلاقيات المؤسسين، ومكنت ثانيا تيارات غلبت ” الذاتي ” على ” الموضوعي”.
تبين الحقيقة الثالثة أن المجال السياسي بدأ يميل إلى نظام التقاطب ، أي السير نحو بناء أقطاب وكتل سياسية ذات أوزان كبيرة و شبه متوازنة، بعيدة بشكل ملحوظ عن الأحزاب التي تليها في الترتيب ، قد تؤكد هذا النتيجة المحصل عليها من قبل حزب ” الأصالة والمعاصرة”.. والواقع أن هذا المؤشر على واقعيته لا يصلح حجة للقياس والإقناع.. لأسباب طبيعية هي أن حزب الأصالىة الذي ضاعف عدد مقاعده عدة مرات وعمره لا يتجاوز سبع سنوات، يشكو من ضعف حقيقي في هويته ، فهو خليط من أعضاء ومناصرين يجمعهم حزب واحد، و”قلوبهم شتى”.. ثم إن شعار ” االحداثة” الذي يؤسس عليه خطابه بحتاج إلى كثير من التدقيق، والبناء والنضج لكي يُختبر، ويقع الإقرار بصدقيته.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي