الأرقام لا تكذب 

19 أكتوبر 2016 - 22:00

7 أكتوبر ليس رقما وتاريخا وموعدا فقط، هو محطة سياسية كبيرة في تاريخ المغرب، وسيكون لها ما بعدها. لماذا؟
أولا: لأن السابع من أكتوبر شهد، لثاني مرة في المغرب، تطابق الحقيقة الانتخابية مع الحقيقة السياسية. المرة الأولى كانت في 2011، عندما وصل حزب كان في المعارضة، وشبه مقصي من حظوظ المشاركة في السلطة، إلى تقلد المرتبة الأولى في الاقتراع العام، وكان هذا التحول قد تم تحت ضغط الربيع المغربي، وارتخاء قبضة الدولة حول الحياة السياسية، لكن هذه المرة الأمر مختلف الربيع العربي تحول إلى خريف والدولة استعادت المبادرة وأصبحت متحررة نسبيا ومع ذلك، حيث فاز المصباح بالمرتبة الأولى في اقتراع لم يكن مفتوحا كليا، وهكذا وجد الرأي العام أن هناك انسجاما بين الحقيقة السياسية وما أعلن من حقيقة انتخابية.
ثانيا: لأول مرة في تاريخ المغرب تخرج نتائج الاقتراع مناقضة كليا للمخطط السياسي الذي سبقها، حيث إن وزارة الداخلية وضعت إطارا سياسيا استباقيا للاقتراع، وسعت، بكل ما أوتيت من قوة، إلى ضبط السلوك الانتخابي للمواطنين مع التوازنات القبلية التي وضعتها على الورق، لكنها لم تستطع، رغم كل شيء، أن تحدث تأثيرا قويا في النتائج النهائية التي خرجت مختلفة تماما عما كان مخططا له، وكل ما فعلته الداخلية أنها أنزلت نسبة المشاركة في الاقتراع، وحقنت البام ببعض المنشطات، ورغم ذلك لم يحل الأمر دون وصول البيجيدي إلى الرتبة الأولى في الانتخابات، وحصوله على امتياز تشكيل الحكومة، وتثبيت عرف اختيار الأمين العام للحزب الفائز بمهمة البحث عن الأغلبية، رغم أن الدستور لا ينص على ذلك.
ثالثا: ما حدث بمناسبة هذا الاقتراع سيدفع الفاعلين جميعا إلى إعادة النظر في دور وزارة الداخلية في حراسة التوازنات الانتخابية، وقد يسهيل الطريق أمام ميلاد «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات»، والتي كانت الدولة على الدوام ترفض تأسيسها لأنها لا تريد أن تفقد السيطرة على ملف حساس مثل هذا. الآن يبدو أن كلفة استمرار ملف الانتخابات بين أيدي الداخلية أكبر من خروجه من تحت سلطة الإدارة الترابية، مادامت هذه الأخيرة أصبحت، لأسباب سياسية وثقافية وإعلامية واجتماعية، عاجزة عن التحكم في نتائج صندوق الاقتراع دون السقوط في المحظور، وهذا، لعمري، سيشكل قفزة نوعية في الحياة الديمقراطية.
الآن، لنعرض بعض الأرقام التي تسربت من أيدي حصاد والضريس عن الليلة الكبرى، في انتظار نشر النتائج التفصيلية لاقتراع السابع من أكتوبر.
الرقم الأول: ثلثا النواب الفائزين على قوائم البام أعيان، و21 فائزا من كتيبة 102، الذين وصلوا إلى البرلمان على متن الجرار، قادمون من أحزاب أخرى، أي 21 ٪‏، إما كانوا برلمانيين أو رؤساء جماعات في أحزاب أخرى وهم على التوالي (7 من الحركة، 8 من الأحرار، 4 من الاستقلال، 2 من الاتحاد الدستوري، 1 من الاتحاد الاشتراكي). هذا معناه أن البام يتغذى على الأحزاب الأخرى، ولا يمس كعكة البيجيدي الصلبة. وهذا معناه أيضا أن البام أعاد نفوذ الأعيان إلى الساحة الانتخابية، بعدما تقلصت سطوتهم نسبيا في العشر سنوات الماضية، وهذا يكشف إلى أي حد يصل منسوب المعاصرة والحداثة في السلوك السياسي للجرار، وليس فقط في الخطاب الإعلامي. 
الرقم الثاني: دخل حزب العدالة والتنمية إلى أكثر من 11 دائرة قروية أو شبه قروية لأول مرة، ونال فيها مقاعد مهمة، مثل فكيك وطرفاية وأزيلال وتارودانت وسيدي بنور وغيرها، وهذا الاختراق لم يكن ضمن الأطر التقليدية لهذه المناطق، مثل القبيلة والعائلة والنسب الشريف وسلطة الأعيان، بل إن مرشحي المصباح، الذين فازوا في هذه الدوائر، تقدموا إليها بقبعة سياسية وإيديولوجية، ولم يتوسلوا بالانتماء القبلي أو النسب الشريف أو سلطة المال أو الهيبة في الدائرة الانتخابية، وهذا التحول يعطي مؤشرات سوسيولوجية وسياسية عن دور هذا الحزب المحافظ في «عصرنة السلوك الانتخابي لدى المواطن»، والابتعاد به عن الخاتم التقليدي غير المنتج للممارسة الديمقراطية، في حين أن الأحزاب المسماة حداثية نجدها غارقة في ممارسات تقليدانية جدا.
الرقم الثالث: أصوات فدرالية اليسار الديمقراطي تجاوزت الأصوات التي حصل عليها الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية في 13 مدينة كبيرة (انظر حوار الخبير في شؤون الانتخابات مصطفى اليحياوي في الصفحة 9)، وهذا معناه أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد فقط حزبا صغيرا، بعدما كان كبيرا ثم متوسطا، بل إنه أصبح حزبا (يساريا من فوق ويميني من تحت) يخرج من المدن انتخابات بعد أخرى، وهذا معناه أن حزب عبد الرحيم بوعبيد يواجه خطر التحول الجذري من حزب يساري يمثل الفئات الوسطى الحضرية إلى حزب قروي يتوسل بسلطة الأعيان للبقاء فوق سطح المشهد الانتخابي، بدون جذور ولا قيم ولا رسالة في المجتمع، وهذا ما تكشفه لائحة برلمانييه القادمين من الصحراء ومن المناطق القروية (لم يحصل الحزب على أي مقعد في الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وأكادير وسلا وفاس ومكناس والقنيطرة… فيما حصل على مقعد في أوسرد التي تعتبر دائرة انتخابية بدون ناخبين، والجميع يعرف أن هذا المقعد يعطى كهدية ليس إلا).
مازال الوقت مبكرا لاستيعاب الدولة والأحزاب لحجم الزلزال السياسي والانتخابي الذي حدث يوم السابع من أكتوبر، لكن، لا يخلو التذكير الآن من فائدة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

wqgdhv منذ 7 سنوات

hello

مواطن ح ع منذ 7 سنوات

الاتحاد الشتراكي عرف صراعات داخلية جعلت اغلب المنتسبين اليه وانا واحد منهم يبتعدون عن السياسة اضافة الى تعالي قياديه عن الانصات للقاعدة الشعبية.أهم شيء في المرحلة المقبلة هو البحث عن الطرق الكفيلة بتقريب الشباب من العمل السياسي باشراك مختصين في علم الاجتماع .الديمقراطية تتطلب ديمقراطيين .

mohamed منذ 7 سنوات

تبارك الله ماقدمه الأستاذ بوعشرين وما يقدمه من المقالات جد موضوعية وواقعية حتى الأرقام التي أعطاها قبل الانتخابات بالنسبة للأحزاب كادت أن تكون طبق الأصل

ابو انس منذ 7 سنوات

لا اتفق معك السي توفيق نتاءج الانتخابات لم تفرز الحقيقة السياسية لان تدخل السلطة شوه المعطيات واخفى الحقيقة التي كانت ستكون صادمة بالتالي احقية العدالة والتنمية في تصدر المشهد لا عبار عليه لكن الحصيلة كانت مرشحة للارتفاع استقطاب البام لنواب واعيان سابقين من احزاب اخرى ومحاصرة اخرين بسلوكات تحدت عنها الجميع ساهم في تشويه المشهد السياسي ادا الحقيقة تبقى محسوسة وليست ملموسة

سمير منذ 7 سنوات

3 ملايين قررت ل 38 مليونا كما تقول لأن ال 35 مليونا الذين لم يصوتوا يحسبون أنفسهم عايقين و ال3 ملايين أغبياء... لهذا لا داعي لأن تحتج و تستنكر هذا الوضع...

ettahiri2010 منذ 7 سنوات

هذا التحليل وهذاه الارقام برهان على الانحطاط الذي وصلت اليه الاحزاب المعلومة.والسبب في هذا السقط تصرفات قادة هذه الاحزاب والهيآت التي تسيرها. فالقادة انشغلوا بتحصين مواقعهم بابعاد الاصوات التي كانت تنادي الىنهج طريق جاد ووضع برامج ومشاريع لتقوية القواعد والمساهمة في تحسين عيش المواطنين . وبدل ذلك افتعلوا معارك مع الخصوم السياسيين ،اضطرتهم الى اطلاق اتهامات لا اساس لها من الصحة وللتغطية على تشتت افكارها وتفكك مكوناتها بدات تطلق من حين لاخر افكارا تضن انها ستجلب عطف بعض الطبقات من المواطنين (التساوي في الارث بين الجال والنساء -نمودجا) متناسية ان بعض الاحكام الدينية لايمكن المساس بها الا من المختصين وكيف ماكان الحال فان عموم الشعب لايقبل المساس بها. وكل هذا وغيره من الاخطاء ادى بهذه الاحزاب الهاوية.والان على قادتها ان يراجعوا افكارهم ومواقفهم بطريقة عقلانية ويستنتجوا ما يجب استنتاجه للخروج من هذا المستنقع الذي سقطوا فيه.

rachid morino منذ 7 سنوات

الى صاحب الرد 8 simo عليك ان تعلم اخي ان 99 في المائة من المغاربة يؤيدون ماقلت، لكنهم لايرون بدا من الرد على امثال بوعشرين و بو وبو لسبب بسيط هو ان المسرحية لم تعد تضحك ولا تبكي

simo منذ 7 سنوات

اسف سيدي توفيق اللي يحسب بوحدو تا يشيط ليه لقد اعتمدت ارقاما هي في الاصل غير صحيحة ف 77℅ من المغاربة لم يكلفوا انفسهم حتى عناء النظر لبوكيمونات الاحزاب اتناء العرس الذي ادعيت و 23℅. الباقية لم تمدنا الداخلية و لا طالبت الاحزاب بعدد الملغات منها و ليس الملغات بسبب رعشة اليد في رسم العلامة او لعدم فهم من الناخب بل تلك التي حملت اشنع الاوصاف و النعوت لالنتخابات و للاحزاب و لدولتكم المزعومة من قبيل : سيرو ت...... يا اولاد الق..... و من قبيل الله ينعل ......... و من قبيل و االشفارة و من قبيل وا عقنا بييييييكم و غيرها هذه النعوت التي ان اخضعت لدراسة في علم النفس و الاجتماع و ووو لخلصت كلها الى ان الشعب مل و سام مسرحياتكم و حتما لن يقنعه خبير تجميل متلكم همه الاوحد وضع طبقات من المساحيق على وجه عجوز اسمها العدالة و التنمية و لكن و الشيء بالشيء يذكر هو الارقام لقد تبقى فقط ستون في الماءة تقاسمتها كل الاحزاب و اليك الصادم عدديا سكان المغرب حسب الاحصاء 42. مليون اكثر من 28 مليون هم فوق سن 28سنة المسجلون 16 مليون يعني اكثر من الثلث لم يتسجل بالتالي مقاطع الذين صوتوا لم يتجاوزو الثلث يعني 5ملايين و شي شوية الملغاة حسبها نتا يعني ثلاثة ملايين قررت ل ثمانية و ثلاثين مليون و حسب ا با توفيق

mohammadine منذ 7 سنوات

ثلثا نواب البام من الأعيان,,,,,حصاد لم يقل هذا,هذا قولك.ما ذا عن سمير عبد المولى؟أليس من الأعيان؟حين كان الشعبي من مناصري البيجيدي لم يكن من الأعيان وحين ترشح ابنه في قائمة البام أصبح من الأعيان...ما هذا الهراء المتمسح ب.....

رابح منذ 7 سنوات

الارقام الاتية فاجئت كلا من البجدي وداخلية البصري وحصاد: -9 مقاعد برلمانية للبجدي في اول دخول للبرلمان ايام البصري الذي كان يريد تدجين التيار الاسلامي بمنحه مقعدين او ثلاثة , وتفاجأ القادة الاسلاميون لانهم لم يقدروا وزنهم في الساحة تقديرا كافيا -47 مقعد بعد ذلك فأدركت السلطات العليا ان الصعود الاسلامي حقيقة داهمة بينما لم يكن يفكر الاسلاميون سوى في المشاركة في الحكومة دون قيادتها -107 مقعد مع الخريف العربي قذف الاسلاميين الى قيادة الحكومة في لحظة لم يكونوا مستعدين سياسيا ولا من حيث التجربة والتمرس على دواليب الحكم والادارة , لكن شخصية بنكيران غطت على كل شيىء ولعبت دورا كبيرا في مواجهة الاحزاب التقليدية والوافد الجديد الذي كان همه الوحيد تشطيب البجدي من الخريطة , فاعطت محاولاته نتائج عكسية

عبدو منذ 7 سنوات

يا كاتب التاريخ ما دا جد حتى استثنيتنا....اترانالا نصلح اد تركتنا....ففيها الهلاك و الملاك و كل من وطءت قدماه الثرى....

أيمن منذ 7 سنوات

ما الجدوى اذن من انقاد الاتحاد الاشتراكي الذي هو على شفى حفرة من القبر؟

M.KACEMI منذ 7 سنوات

في سياق المقال، أرى شخصيا أن من أكبر إيجابيات انتخابات 7 أكتوبر، مع ما تلاها من تفاعلات، كونها أفقدت الأحزاب التي لا تعول على القواعد الشعبية ولا تقيم لها وزنا، أفقدتها الثقة أخيرا في سطوة "التحكم" على الحياة السياسية. نتمنى أن يعمق التشكيل الحكومي المرتقب هذا المعطي الجديد ويكرسه، لغاية تطهير المشهد السياسي للبلد من كل أعطابه

ابراهيم منذ 7 سنوات

حتى الاطفال مع الاسف ! الذين هم مستقبل البلد يعلمون تدخل السلطة لصالح الحزب المعلوم في الحملة الانتخابية بغباوة قل نظيرها.نتسال اذاكان جل رجال واعوان السلطة وذويهم ومن كلفوه من الاعيان والناخبون واصدقؤهم ومعارفهم يعلمون ما وقع في انتخابات 7 اكتوبر من اجل صعود ذاك الحزب اليس هذا ذبح للديمقراطية ؟كيف تقولون بان نسبة المشاركة في التصويت لا ترقى الى المرغوب فيه.وانتم من نفر الكثير من الذهاب الى صناديق الاقتراع بتصرفات السلطة المكشوف ايام الحملة الانتخابية.ان تصرفات السلطة الغبية هي التي جعلت الكثير يغير رأيه ويصوت للحزب المتقدم وهذا يبين تقدم الوعي عند المواطنين اكثر من السلطة

alhaaiche منذ 7 سنوات

le compte a rebours a commencé Mettez vos ceintures.

التالي