تـحـقـيـق : الخارطة السرية لـ"أذرع" البغدادي في المغرب

19 مارس 2017 - 19:31

عبيد أعبيد – عمد تنظيم “داعش” الإرهابي، منذ أول ظهور رسمي له، متم يونيو 2014، إلى لفت انتباه العالم، إلى وحشيته، وجرائمه المتتالية، التي استهلها من عقره، ثاني أكبر مدينة في العراق “الموصل”.

وعلى الرغم من ادعاء التنظيم، كونه يطمح إلى بناء “دولة خلافة”، في حدود بلاد العراق والشام، غير انه على ما يتبناه من اعتداءات إرهابية، خارج حدوده، وصلت حد مدن أوروبية، وكذا محاولاته الفاشلة في بلدان عربية، منها المغرب، يكشف حجم الخطورة، التي يشكلها التنظيم على الأمن القومي لشعوب المنطقة المغاربية بالدرجة الأولى، ناهيك عن الاختراق الإرهابي الحاصل على حدود الجارة الشرقية، الجزائر.

“الخلايا النائمة”.. الهاجس الأول للأمن المغربي

ويرجع هذا “الاختراق” للتنظيم، حسب ما تجمع عليه التقارير الاستخباراتية المغربية والأجنبية، خاصة منها الاسبانية، إلى وجود “آلة تجنيد” في البلدان المغاربية، ضمنها المغرب، وبنيات تحتية تسهل من حركيّة المجندين، وتمويلهم، على الرغم من الحذر الأمني.

ويبلغ عدد الخلايا الجهادية، المفككة على يد المخابرات المغربية، منذ 2013، حسب أرقام رسمية، قدمتها وزارة الداخلية، في متم 2016، حوالي 27 خلية جهادية، لكن دون أن تكشف معطيات دقيقة عن عدد الخلايا ذات الصِّلة، بتنظيم ابو بكر البغدادي.

غير أن معطيات رسمية، كشفها وزير الداخلية، محمد حصاد، تفيد تفكيك 8 خلايا داعشية، خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2015 إلى ماي 2016، مقابل 14 خلية خلال سنة 2014، من بينها خلية “الفنيدق”، التي جرى تفكيكها مع بداية عام 2016، والمتكونة من 5 أفراد أعلنوا مبايعتهم لأبو بكر البغدادي، تأكد أنهم متورطون في الترويج لمقاطع فيديو تبرز انجازات التنظيم.

معطيات أخرى، صادرة عن عبد الحق الخيام، رئيس “المكتب المركزي للأبحاث القضائية”، الجهاز التنفيذي للمخابرات الداخلية “ديستي”، في ندوة صحفية، متم يونيو الماضي، عقب تفكيك إحدى الخلايا الداعشية، بالبلاد، يفيد ان عدد الخلايا الجهادية ذات الصِّلة بتنظيم “داعش” الإرهابي، وصلت حوالي 18 خلية، دون الإشارة، إلى ما إن كانت كلها، ذات صلة بـ”داعش”.

المكتب المركزي للابحاث القضائية -الخيام - تصوير عبد المجيد رزقو

وبالتدقيق في وتيرة التفكيك للخلايا الداعشية، في المغرب، يلاحظ المتاعب عن كثب للوضع الأمني، بالمملكة، ان حالة الاستنفار الاستخباراتي، بلغت درجاتها القصوى، خلال أسبوعين، عرف فيهما المغرب، فترة سياسية حساسة، تمثلت في ثاني انتخابات تشريعية، جرت في ظل دستور 2011، حيث أعلن “المكتب المركزي للابحاث القضائية”، تفكيكه لخلية جهادية لنساء داعشيات، لهن صلة ب”داعش”، قال إنهن كن يُخططن لأعمال إرهابية يوم اقتراع سابع أكتوبر، بأحزمة ناسفة، ليعقبها بأربعة أيام، تفكيك خلية ثانية، في كلميم وطانطان، ثم ثالثة، في تطوان، وذلك في ظرف أسبوعين فقط.

القلعة رقم “1” للدواعش المغاربة

تقر تقارير أمنية رسمية، في المغرب، ان حصة الأسد، من “الدواعش” المغاربة، المتوجهين، لجبهات القتال في صفوف تنظيم “داعش”، ينحدرون من خمس مدن مغربية، هي على التوالي، طنجة، فاس، الدار البيضاء، تطوان، سلا.

وهي المعطيات التي كشفت عنها آخر مذكرة للمديرية العامة للأمن الوطني، تفيد ان المدن الخمس المذكورة، هاجر منها إلى جبهات القتال لأجل دولة البغدادي، حوالي 67.8 بالمائة من المقاتلِين المغاربة، في حين مضَى باقِي المقاتلِين المغاربة من مدن أخرى.

وبحسبِ الارقام الرسمية، الصادرة، عن أكبر جهاز أمني في المغرب، فإنَّ طنجة، تعد أول مدينة مصدرة للدواعش إلى صفوف تنظيم “داعش”، بعدمَا كان إسهامها بـ16.6 فِي المائة، منْ مجمل المقاتلِين المغاربة، متبوعةً بـفَاس التِي نالتْ 15 فِي المائة.

أمَّا الدَّار البيضاء فحلَّت ثالثة فِي الترتيب بإرسالِ 13.8 فِي المائة، تليها تطوان بـ13.4 في المائة من حصَّة المقاتلِين المغاربة، بينمَا جاءتْ سلَا (توأمة الرباط)، خامسةً على مستوى المدن المغربيَّة، بـ9 في المائة، بحسب المعطيات ذاتهَا.

معطيات حديثة أخرى متطابقة، كشف عنها كل من “مرصد الشمال لحقوق الانسان”، و”المركز المغربي لدراسة الإرهاب والتطرف”، تفيد أن القلعة رقم “1” للدواعش المغاربة، تتحدد في مثلث “تطوان- الفنيدق- المضيق”، وهي ثلاث مدن تقع في أقصى شمال المملكة، على الحدود مع سبتة ومليلة، الثغرين المغربيين المحتلين من قبل إسبانيا.

أسئلة عالقة

وعلى الرغم إقرار هذه الأرقام والمعطيات الرسمية بالمغرب، بتنامي أعداد الدواعش المغاربة، في صفوف التنظيم الإرهابي (الأرقام الرسمية تستثني الدواعش المغاربة القادمين من بلدان أوروبية)، إلا أنها تظل قاصرة في الكشف عن طرق وقنوات التجنيد من داخل المملكة.

واستطاع هذا التحقيق، جرد حوالي 360 تقريرا صحفيا، أعدته صحف أمريكية، فرنسية، بلجيكية، وإسبانية، تحدثت باستفاضة، منذ يونيو 2014 (تاريخ تأسيس داعش)، عن طرق تدبير الدولة، لملف الدواعش المغاربة، والخلايا المفككة، وإحصاءات ودراسات ذات صلة، صادرة إما عن مراكز دراسات أجنبية متخصصة، أو عن أجهزة أمنية أوروبية.

وعلى الرغم من استنادها لمعطيات بحثية، وأخرى عن جهازي “الانتربول”، و”الأوروبول”، حول الشأن الـأمني بشمال أفريقيا،  تغيب عن مجمل هذه التقارير الأجنبية، المعطيات الفنية والتقنية، لعمل تنظيم “داعش” الإرهابي، بخصوص طرق تجنيد مقاتلين من المغرب، وقنواته، ووسطائه، ووسائلة المعتمدة.  

وبذلك، تظل أسئلة عالقة، حول طرق عمل آلة التجنيد للمقاتلين المغاربة، وقنوات تصديرهم لجبهات القتال في سوريا والعراق؟ وأيضا، عن الجهات التي تقف خلف هذا التجنيد داخل وخارج الوطن؟ والبنيات التحتية والتمويلية المسخرة لذلك؟

الدواعش المغاربة بعيون الدولة

الأرقام الرسمية، التي كشفت عنها الدولة، تفيد أن العدد الإجمالي للدواعش المغاربة، المتواجدين بدولة أبو بكر البغدادي، لا يقفز عن 1622 مغربي.

معطيات، جاءت على لسان عبد الحق الخيام، المدير العام للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، وهو جهاز تنفيذي لجهاز الاستخبارات الداخلية “ديستي”، في ندوة صحفية، متم يونيو 2016، أفاد فيها ان 50 من المقاتلين المغاربة الـ1622، يقاتلون في صفوف جبهة “النصرة”، التي تحولت في وقت لاحق إلى جماعة “فتح الشام”.

وضمن المعطيات الرسمية ذاتها، أن حوالي 198 مغربيا، عادوا من جبهات القتال فيه تنظيم “داعش”، في الوقت الذي قلت منهم 55 عنصرا.

وعن النساء المغربيات، والأطفال، تفيد أحدث الأرقام الرسمية، الصادرة عن “المكتب المركزي للأبحاث القضائية”، ان حوالي 226 مغربية، التحقت بداعش، منذ صيف 2014، قبل أن تقرر 52 منهم، للمغرب.

الأرقام نفسها، تشير إلى معطيات مخيفة، تقول ان عدد الأطفال المغاربة، بدولة البغدادي، يبلغ عددهم 329 طفلا قاصرا، عاد منهم، 15 طفلا فقط، أفادت تقارير أمريكية، ان أغلبهم إلى جانب أطفال من جنسيات أخرى، يخضعون لتداريب قاسية، لتهييئهم لجبهات الموت.

دواعش مغاربة بجنسيات أوروبية

نعم، التقارير الأمنية للدولة، تشير إلى وجود مغاربة مغرر بهم، تم استقطابهم إلى صفوف التنظيم الإرهابي، غير أن تقارير استخباراتية أخرى، تكشف وجود المئات من مواطنيها، ذات أصول مغربية، يتواجدون في مختلف نقاط القتال في صفوف التنظيم، بل منهم، قياديين كبار، أشهرهم، منفذ اعتداءات باريس، الملقب بـ”أبو عوض”.

تقرير صادر عن مركز المخابرات الإسبانية، تلاه وزير الداخلية الإسباني، خورخي فرنانديز دياز، في مؤتمر إقليمي أوروبي، بمدريد في شتنبر 2015، كشف ان عدد المعتقلين الإسبان، منذ يونيو 2016 بلغ 157 مقاتلا، أغلبهم من أصول مغربية.

وذهب التقرير ذاته، الذي نشرته ثاني أكبر الصحف الإسبانية “إلموندو”، إلى حد اعتبار ان الإسبان من أصول مغربية، يشكلون 60 في المائة، من الجهاديين المحسوبين على إسبانيا.

وهي معطيات أمنية “سرية”، عمدت الحكومة الإسبانية، لتسريبها، للصحافة، بغية التخلص من إحراج تصديرها لمقاتلين لـ”داعش” على حساب المغرب.

معطيات أخرى، سربتها الصحافة البريطانية، عن جهاز المخابرات الخارجية البريطاني، المسمى “المكتب الخامس”، في أكتوبر 2016،  ذكر ضمن معطياته، أن البريطانيين، من أصول مغربية، يصل عددهم في تنظيم “داعش”، إلى 53 عنصرا.

وتتحاشى الأجهزة الأمنية الأوربية، ذكر أية تفاصيل حول موضوع مقاتليها في صفوف التنظيم، يبرر “الاتحاد الأوروبي”، الأمر، كون المعطيات، تظل تحت إمرة جهاز الأمن الأوروبي “الأوروبول”، والبوليس الدولي “الأنتربول”.

تضارب أرقام

وعلى الرغم من الأرقام الرسمية بالمغرب، التي على الأقل، تقطع الشك باليقين، وتؤكد وجود مئات المغاربة، ضمن من بايعوا أبو بكر البغدادي، في بلاد العراق والشام، تظل في المقابل، أرقام أخرى، مسربة عن أجهزة إستخبارات أجنبية، تفيد أن أعداد الدواعش المغاربة، في صفوف التنظيم الارهابي، مهولة ومخيفة.

في أبريل 2015، نقلت صحيفة “الواشنطن بوسط”، عن تقرير استخبارتي هندي، أرقام جديدة، عن الجنسيات المقاتلة على جبهات الموت في التنظيم.

وضمن مما ذكرت، أن أعداد المقاتلين الحاملين للجنسية المغربية، يفوق 2500 عنصرا، قالت إنهم يقاتلون في الصفوف الأمامية.

وجاءت هذه المعطيات، ضمن تحرك جهاز الاستخبارات الهندية، ودخوله على خط مراقبة تحركات التنظيم لتجنيده هنودا مسلمين مقيمين في دول الخليج.

تقرير حديث أخر، أًصدره مركز “بوي” البريطاني للأبحاث، قدر عدد المغاربة في صفوف التنظيم بـ1500 مقاتل.

وذهب التقرير البريطاني، إلى حد إظهار أن المغاربة يشكلون، ثالث جنسية مقاتلة في صفوف التنظيم، بعد روسيا، التي بلغ عدد حاملي جنسيتها أكثر من 2700، فيما تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول المصدرة للمقاتلين، إذ بلغ عدد حاملي جنسيتها 3000 مقاتل.

وفي تاريخ، يونيو 2016، بثت قناة “الحدث”، الدولية -السعودية، “تقريرا خاصا”، استندت فيه لمعطيات وزارة الداخلية السعودية، أفادت فيه أن عدد المغاربة في معسكرات التنظيم، وصل إلى 1354 فرداً، ضمنهم 220 فردا قيد الإعتقال، بينما 276 قتلوا في معارك دامية.

وبذلك، تظل مجمل المعطيات، بما فيها الرسمية بالمغرب، تجزم أن أعداد الدواعش المغاربة، في الريف السوري، والشمال العراقي، تفوق الـ1500 عنصرا، وفق معطيات محينة، في حدود متم 2015.

لكن، إلى جانب العدد، كيف هو دورهم النوعي داخل هرم وهياكل التنظيم ؟ وما الذي يميزهم عن غيرهم من المقاتلين في معسكرات البغدادي؟

الزعامات المغربية داخل هياكل التنظيم

البحث عن هذا جواب، قاد “اليوم24″، إلى معطيات خاصة بحوزة “مرصد الشمال لحقوق الإنسان”، الهيئة الحقوقية، المتابعة عن كثب لملف “الدواعش المغاربة”، أفادت المعطيات ان الزعامات المغربية، داخل هياكل التنظيم، تنقسم إلى صنفين :

الصنف الأول:  برز من خلال ما أبان عنه من رباطة “الجأش”، وقوة المواجهة والدفاع في المعارك العسكرية، وهو ما أهله لاحتلال مكانة بارزة في القيادة العسكرية للتنظيم، لعل أهمهم، أبو عبد العزيز المحدالي ( 25 سنة ) المعروف بالأمير أبو أسامة المغربي، ابن مدينة الفنيدق، الذي عين أميرا عسكريا (قتل في مارس 2015)، والأمير أبو البراء المغربي، وينحدر أيضا من مدينة الفنيدق، وهو الاسم الحركي، الذي يرجح أن يكون قد منح لعبد الرحمان العافية، والمنحدر ايضا من مدينة الفنيدق، ويرفض أعضاء التنظيم الإدلاء،  بآي تفاصيل عن شخصيته والأدوار الموكولة إليه داخل التنظيم الإرهابي.

https://www.youtube.com/watch?v=qmN7YeozE6U

الصنف الثاني : هو الذي برز كوجه إعلامي، من خلال توظيفه المتميز لوسائل الإعلام المختلفة، وعلى رأسها المواقع الإخبارية الالكترونية، وأهله ذلك، في كسب نقاط قوة كثير مكنته من التقرب لقيادة تنظيم أبو بكر البغدادي، والترقي السريع في الرتب العسكرية والإعلامية.

المهام الرئيسية للدواعش المغاربة

ولعل أهمهم، اشرف اجويد، المنحدر من المضيق، المعروف حركيا بـ”أشرف الأندلسي القرشي الحسيني”، الذي ألحق بالهيئة الإعلامية، التي تتكلف بنشر ايديولوجية التنظيم، وينشط بشكل مكثف على الموقع الالكتروني، التابع لداعش، وشبكات التواصل الاجتماعي “تويتر”، علاوة على محمد حمدوش، ابن مدينة الفنيدق، المعروف بـ”كوكيتو”، او “قاطع الرؤوس”، الذي مكنته التهديدات الإرهابية المتعددة لكل من المغرب واسبانيا، على شبكة اليوتوب ومواقع التواصل الاجتماعي، من بروزه، على اثر تسريب صورة له رفقة رؤوس مقطعة، وهو على متن شاحنة، حيث تم ترقيته إلى رتبة امير، ويترأس كتيبة متكونة من حوالي 300 مقاتل بولاية حلب، بعدما كان مجرد مقاتل عادي داخل التنظيم.

طريق التجنيد إلى جبهات الموت

حول سؤال طريق التجنيد، لصفوف تنظيم أبو بكر البغدادي، تشترك المعطيات، التي حصل عليها “اليوم24″، في نقطة واحدة، هي مفصل وصول الدواعش المغاربة، لجبهات الموت، في سوريا والعراق، وهي المرتبطة بـ”البوابة التركية”، التي تعتبر نقطة عبور شبه وحيدة، للمقاتلين القادمين من المغرب. لكن كيف تم تسهيل خروجهم من المغرب، علما بالحراسة الأمنية والاستخبارتية المشددة في مطارات المملكة؟

صحيفة “كود مورني توركي”، التركية، نقلت عن مصادر أمنية تركية، في شتنبر 2016، ضمن تقرير موسع، ان الدواعش القادمين من شمال إفريقيا، أوروبا، منهم مغاربة، يستعملون مطارات أوروبية بشكل عادي، في اتجاه تركيا.

أما المغرب، مركز “إركانو” المقرب من القصر الملكي الإسباني، أفاد في تقرير له، في ماي 2016، معطيات جديدة، تهم طريق التجنيد من المغرب، صوب دولة البغدادي.

وكشف أن مطار مدينة “مالقة”، بالجنوب الإسباني، يعد “نقطة استراتيجية”، لسفر الجهاديين المغاربة الراغبين، في الانضمام إلى صفوف “داعش”، عبر البوابة التركية دائما.

طريق المجندين المغاربة لجبهات الموت في دولة البغدادي

وعن أسباب اختيار هذا المطار، أرجع المركز، الأمر، إلى المراقبة الأمنية والاستخباراتية المشددة، التي يشهدها مطار محمد الخامس، الدولي، بالدار البيضاء، منذ انطلاقة الأزمة السورية.

وفي السياق ذاته، تحدث تقرير صحفي، لصحيفة “مالقة اليوم”، قبل صدور تقرير مركز “إركانو”، عن كون مدينة “مالقة”، الإسبانية، هو الثغر الذي اعتاد الدواعش المغاربة، القادمين من شمال المملكة، الاعتماد عليه، للوصول إلى البوابة التركية “آضنة”، حيث يكون مفترق الطرق للمقاتلين، صوب عاصمتي “داعش”، “الرقة” السورية، و”الموصل” العراقية.

وذكر، في معرض معطياته، أن مطار “مالقة”، استعمله جهاديون ينحدرون من مدينة سبتة المحتلة، ما بين أبريل 2012 وفبراير 2017، من أجل السفر نحو جبهات القتال بداعش.

الواقفون خلف التجنيد

الاستقصاء حول الواقفين خلف آلة التجنيد التي تشتغل على قدم وساق وسط الشباب المغربي، لا سيما في مدن الشمال (تطوان -الفنيدق- المضيق..)،  والوسط (فاس- سلا – الدار البيضاء..)، يتطلب حتميا آليات استقصائية خاصة، مطعمة بمعطيات أمنية، غالبا ما تظل “سرية”، ومحل تبادل دقيق وسري بين أجهزة مخابرات بلدان المتوسط.  

لكن في مقابل “مافيا التجنيد”، توجد بنيات لوجستيكة “داعشية”، تهدد الأمن القومي، المغربي والإسباني، على حد سواء.

هذا الكلام، منسوب لجهاز النيابة العامة الإسبانية، التي أقرت بـ”وجود بنية لوجيستكية قوية”، لاستقطاب وتجنيد المقاتلين الأجانب بالثغرين المغربيين المحتلين، لصالح “داعش”.

تقرير مفصل من 33 صفحة، أعدته النيابة العامة الإسبانية، أشار بصريح العبارة، إلى أن كل من المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية، تعتبران مصدر “تهديد للأمن القومي”، المغربي والإسباني.

وعن معالم هذه البنيات، أفاد التقرير القضائي الإسباني، ان شبكة معقدة على درجة عالية من التدريب، تعمل بنظام تواصلي شبحي، تعجز السلطات الأمنية عن السيطرة عليه.

وهي الشبكة، التي تعمل على طول مربع مغربي إسياني، هو سبتة – مليلية – مدريد – برشلونة.

وضمن المعطيات ذاتها، أن هذه الشبكة والبنية التحتية اللوجستيكية، بات التنظيم الإرهابي، يتحكم فيها عن بعد، ويسير فيها مجمل عمليات التجنيد، لمغاربة، مغرر بهم، سواء من المغرب، أو مغاربة حاملين لجنسيات أوروبية.

وأشارت أيضا، إلى تهديدات محتملة لجماعة جهادية تسمى “الأندلس”ّ، تابعة لـ”داعش”، قد  تنشط بالمدينتين المحتلتين.

حشيش “الجهاد”

“حشيش الجهاد”، هو عنوان لتحقيق نشرت أجزائه صحيفة “ليفانغوارديا”، الاستقصائية الإسبانية، تحدثت فيه عن “اجتماع أمني سري”، جمع بين الرباط، مدريد، وروما، بطلب من جهاز الأمن الأوروبي “الأوروبول”، لماذا؟.. من أجل بحث تنسيق أمني، لفك لغز “استغلال مافيا التجنيد لداعش، شبكتها المعقدة في منطقة المتوسط، لتهريب الحشيش قصد تمويلات مشبوهة”.

https://www.youtube.com/watch?v=DVr05XMnDnk

وبالرجوع إلى معطيات التحقيق، نجد أن جزءا من الحشيش المغربي، الذي يهرب إلى الخارج، يأخذ مسالكا، تؤدي به إلى تمويل “الجماعات الجهادية، في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، أبرزها التنظيم الإرهابي “داعش”.

الاستقصاء، الذي إستند في جزء من معطياته إلى تقارير أمنية إيطالية -فرنسية سرية، أفاد إنها تشير، إلى أن “مهربين مغاربة للحشيش، فتحوا طريقا جديدة لنقل هذا المخدر في سفن نقل السلع، أو الصيد”، أطلق عليه اسم “الطريق المتوسط الشرقي”.

لكن ما الذي يثبت استعماله لتمويل تنظيم “داعش” ؟

الجواب، نقلا عن التقارير الأمنية السرية، التي استند لها التحقيق، هو ان الكميات المهربة، من الحشيش المغربي، انتهت في موانئ تسيطر عليها جماعات جهادية وداعشية، وهو ما أطلق عليه إعلاميا بـ”حشيش الجهاد”.

نهاية موت محتومة

تفيد أغلب المعطيات التي بحوزة الأجهزة الأمنية الإسبانية والفرنسية، واستفاضت فيها الصحافة الأجنبية، إلى موت أغلب المقاتلين المغاربة، الملتحقين بتنظيم “داعش”، وذلك في سياق “تطمينات” من عودتهم إلى بلدان أوروبية.

غير أن أخر تقرير، صادر عن مركز دراسات مغربي، هو “المركز المغربي لدراسة الإرهاب والتطرف”، يكشف مآلاتها الدواعش المغاربة، المنحدرين من شمال البلاد.

 التقرير، أفاد ضمن دراسة احصائية، ان 54 % من الشباب ذات الفئة العمرية المحددة مـــــا بين ( 18 _ 25 ) سنة، لقوا مصرعهم، في جبهات القتال بسوريا والعراق، متبوعة بالفئة العمرية المحددة ما بين ( 26 _ 30 ) سنة و 6% فقط لأكثر من 31 سنة.

داعش الارهابي

2013  شكلت، حسب التقرير البحثي، ذروة الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة بالأراضي السورية والعراقية، في صفوف تنظيم “داعش”، بـ 58 %.

ويرجع ذلك، لاستجابة الشباب للدعوة التي أطلقها المشاركون في مؤتمر “موقف علماء الأمة من القضية السورية”، إلى وجوب الجهاد لنصرة سوريا بالنفس والمال والسلاح، معتبرين أن ما يجري في أرض الشام، من حزب الله وإيران وروسيا والصين، المعاونين للرئيس السوري بشار الأسد، هو “إعلان حرب على الإسلام والمسلمين”.

فيما تتقارب نسبة الملتحقين خلال سنتي 2014 و 2015 بين 17 % و 19 %،  بينما لم يتم رصد أية حالة التحاق بالتنظيمات المتطرفة بسوريا والعراق خلال سنة 2016، من المغرب.

لكن في المقابل، سجلت سنة 2016 أعلى نسبـــة، في عدد القتلى من المغاربة بسوريا والعراق بـ  38 %،  متبوعة بكل من 2015 ، 25 %، و 2014 بـ 25 %، ثم 8 %، سنة 2013، و 4 % سنة 2012.

داعش الارهابي

77 %، من المغاربة، المغرر بهم، وفق الدراسة، قتلهم التنظيم الارهابي “داعش”، في مواجهات قتالية، فيما قتل 21 %، منهم، عن طريق عمليات انتحارية، أو ما يصطلح عليه، في أدبيات الحركات الارهابية بـ”العمليات الانغماسية”، فيما قتل شخص واحد فقط، في عملية كمين ويتعلق الآمر بــ “الأميـــر ” أبو أسامة المغربي ( عبد العزيز المحدالي ).

كيف يتم التجنيد ؟

وفي مقابل، معرفة طريق التجنيد صوب جبهات الموت، في دولة البغدادي، يظل السؤال مؤرقا، حول الطرق التقنية والفنية، التي تعمل بها آلة التجنيد في المغرب ؟

الجواب يقود “اليوم24″، إلى رئيس “مرصد الشمال لحقوق الإنسان”، وأبرز الباحثين في “المركز المغربي لدراسة الإرهاب والتطرف”، محمد بنعيسى، الذي أفاد في حوار مع “اليوم24″، ان الحديث عن الطرق التقنية والفنية، التي تعتمدها شبكات تجنيد الشباب إلى جبهات القتال في صفوف تنظيم داعش الإرهابي، يجر الى مستويين اثنين.

 الأول، هو في الشكل، أي طرق الاستقطاب، حيث تم الانقال من الاستقطاب المباشر (المساجد مثلا الذي ركز عليه التنظيم نفسه)، إلى استقطاب عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، الذي يعتمد عليه تنظيم “داعش”، حاليا نظرا، لما لها من خصائص كالفاعلية، آمن، غير مكلف، لا يعترف بالحدود الجغرافية.

ولهذا فحسب محمد بنعيسى، فإن أكثر من 80 %، من الشباب الذين هاجروا إلى سوريا والعراق، تم استقطابهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، لكن طبعا مع توفر ما يسمى في أدبيات التنظيمات المتطرفة بالتزكية.

أما المستوى الثاني، يفيد الباحث، في معرض حواره مع “اليوم24″، هو المتعلق بالمضمون، ووجود الفرق بين تنظيمي “القاعدة”، و”داعش”، بحيث بات الأخير، يعتمد على قصف ذهن الشباب، بسيل من المعلومات والصور والفيديوات وبإخراج جيد، متوجها أساسا الى دغدغة مشاعرهم، وعواطفهم قصد استمالتهم، دون أن تترك لهم ولو هامش بسيط من حرية الاختيار.

قوة “آلة التجنيد”

وبقدر ما تطور الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، آليات رصدها ومتابعتها للتنظيمات الارهابية، بقدر ما تتأقلم، هذه الأخيرة مع تلك التطورات، وبالتالي تميل إلى تنويع طرقها ووسائلها من أجل تحقيق أهدافها، خصوصا مع انتقال المعركة من معركة عسكرية بالأساس، إلى معركة إعلامية /نفسية، تلعب شبكات التواصل الاجتماعي، دورا مركزيا فيها، يورد الباحث في قضايا الإرهاب، محمد بنعيسى.

وهنا، يوضح، بنعيسى، ان “الإرهاب لا يبحث كثيرًا في عدد الضحايا، بل صار يبحث أكثر في أن يسمع الناس به، ويعلمون عنه”.

——

وتخلص مجمل هذه المعطيات، إلى أنه على الرغم من كون سنة 2013، شكلت ذروة التحاق الشباب المغربي، المغرر به، إلى جبهات القتال في صفوف التنظيم الوحشي، ظلت آلة تجنيد التنظيم، في محنة أمام تشديد الأجهزة الأمنية المغربية، الخناق على خلاياه، وهو ما يظهر حسب هذا الاستقصاء، من توقف سيل الاستقطاب للتنظيم، منذ مستهل السنة الجارية 2017.

لكن في المقابل، يستمر شبح “الخلايا النائمة”، واقعا مرا في أعماق المدن المغربية الكبرى، ويشكل الهاجس الأول للأمن المغربي، معتمدا شبكة /آلة تجنيد وتعبئة معقدة تعمل عن بعد، عبر تكنولوجيا التواصل الحديثة، دون تدريب بالضرورة، داخل تنظيم أبو بكر البغدادي.

ليظل السؤال، حول مدى إحكام الأمن المغربي، سيطرته الكاملة على شبح إرهابي داعشي، تبين أنه يقطن في حاضنة شعبية عميقة، ولم تعد معالمه بادية كما اعتيد عليه، لا، بل وصار على تنسيق دائم بمهندسي حرب الإرهاب في دولة البغدادي؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Brahim منذ 7 سنوات

هناك خطأٌ جسيم في الخارطة الأولى.

التالي