إيميلات المدام

22 نوفمبر 2016 - 22:00

2060 رسالة كانت كافية لإدخالها متاهات سياسية وقانونية، انتهت بسقوطها من على منصة التتويج برئاسة البيت الأبيض.. مدام هيلاري كلينتون، التي اعتزلت السياسة قبل أسبوعين، تورطت في جريمة استعمال إميل شخصي غير محمي لبعث رسائل تتصل بموضوعات حساسة داخلية وخارجية عندما كانت كاتبة دولة في الخارجية الأمريكية ما بين 21 يناير 2009 و1 فبراير 2013، حيث عثرت FBI على إيميلات المدام مبعثرة في أكثر من حاسوب، ما جر عليها تحقيقا قانونيا، انتهى بعدم توجيه أي اتهام إليها السنة الماضية، إلى أن اقترب موعد الاقتراع، فخرج المدير العام للأمن الداخلي يعلن إعادة فتح التحقيق بناء على معلومات جديدة توصل إليها المحققون، على إثر تقرير نشرته صحيفة بريطانية عن تورط زوج كبيرة مساعدي هيلاري (هوما عابدين) في علاقة جنسية إلكترونية مع قاصر. هنا فتح المحققون إيميلات الزوج والزوجة، فعثروا من جديد على إيميلات هيلاري التي وصفت بكونها حساسة وتتعلق بأسرار الدولة.. هنا كانت الضربة قاضية، حيث بدأ الفارق في استطلاعات الرأي يتقلص بين هيلاري وترامب، الذي قفز على الفضيحة، مصورا هيلاري بأنها فاسدة «جمعت أموالا لمؤسستها بطرق مشبوهة» وغير مسؤولة، ومتورطة في تعريض أمن الأمريكيين للخطر، لأنها اختارت إيميلات غير محمية لمخاطبة الإدارة والسفراء ومراكز القرار. الأمر لم يقف هنا، بل اتُّهمت هيلاري بأنها لجأت إلى الإيميل الخاص بها لتهرب من الرقابة المؤسساتية على أعمالها، ذلك أن القانون في أمريكا يجعل الحياة الخاصة والعامة للمسؤول الحكومي تحت الرقابة والتسجيل، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والمراسلات البريدية واللقاءات الرسمية وغير الرسمية، وحتى الهدايا التي يتوصل بها المسؤول الحكومي تكون تحت المراقبة، مخافة أن توثر على سلوك أو قرار الوزير أو الرئيس بما يضر بالمصلحة العامة والأمن القوم.، هنا أصبحت ورطة كلينتون أكبر، فهي لم تخرق إجراءات أمنية روتينية فحسبن، بل هي لجأت إلى استعمال بريد خاص لإخفاء معلومات ومعطيات ومراسلات لا تريدها أن تظهر لدى الأرشيف الرسمي لوزارة الخارجية، ولا تريد لأحد أن يطلع عليها.
هكذا خسرت مدام هيلاري فرصة الوصول إلى أرفع منزل للقرار العالمي، حيث استغل الشعبوي ترامب الفرصة لتسديد ضربة قاضية إلى كلينتون، بعدما مهد الطريق لنفسه بدغدغة مشاعر الفئات غير المتعلمة من الناخبين ببرنامج غير واقعي وعنصري حتى.
هذا طبعا يجري في أمريكا، أما عندنا في المغرب، فإن البلاد تمشي كلها بالهواتف والأوامر الشفوية، والإيميلات غير المحمية، والرسائل المفضوحة، ولا وجود لنظام مضبوط يقنن اتصالات الوزراء وكبار مسؤولي الدولة، ويجعلهم تحت مراقبة مؤسساتية وقانونية لحماية المصلحة الوطنية والأمن القومي.
عندما نشرنا وثائق بريمات مزوار وبنسودة في صفقة «عطيني نعطيك»، التي كان المفعفع يحصل بمقتضاها على 90 ألف درهم علاوة شهرية لوزير للمالية، في حين يعطي هذا الأخير 100 ألف درهم للخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، قامت ضجة حول ما سمي بتسريب وثائق سرية إلى الصحافة، وعندما ذهبنا إلى المحكمة لمؤازرة موظف ومهندس اتهما زورا بتسريب الوثائق إلى الجريدة، اكتشفنا ،أثناء المحاكمة، غيابا تاما لأي نظام لأرشيف القرارات التي يصدرها الوزير أو كبار المديرين في وزارة المالية، ودهش الجميع عندما اكتشفوا أن أصل الوثائق التي نشرتها «أخبار اليوم» اختفت من الإدارة، وجرى سحبها للتغطية على نظام الريع الضارب أطنابه في واحدة من أهم الوزارات في المملكة، أكثر من هذا، لم يسقط أحد من المتورطين في هذا الريع، فوزير المالية أصبح وزير خارجية، والخازن العام مازال يسود ويحكم في إمارته الغنية، رفقة مديري المالية الآخرين الذين لا يقترب أحد من ميزانياتهم واعتماداتهم، سواء الأصلية أو الإضافية.
كان لويس الرابع عشر في فرنسا يملك ويحكم ويقرر في مصير البشر، وكان كلامه يعتبر بمثابة قانون، إلى أن تطورت فرنسا، فجاء الحكماء وقالوا له: «يا جلالة الملك، لا اعتراض لأحد من رعيتك على جعل كلامك قانونا، كيفما كان هذا الكلام، لكن، لو تكرمت فجعلت رجال القانون يكتبون أقوالك حبرا على ورق حتى يعلم به كل الناس، ويسهل على المحاكم والمقاطعات الرجوع إليه»، فوافق الملك الذي كان يردد: «L’état c’est moi»، لكنه لم يفطن إلى الحيلة إلا عندما أصبح يتناقض في أقواله، ويوقع الناس في حيرة من أمرهم، لأن المكتوب صار شاهدا على الملك، وأصبحت تناقضاته عارية أمام الناس، حتى اجتمع مرة البرلمان الفرنسي لمناقشة مراسيم الملك، فغضب لويس الرابع عشر، ولبس ثياب الصيد، واقتحم البرلمان، والسوط بيده، طالبا من سكانه أن ينفضوا مانعا إياهم من مناقشة قراراته، وفي الليلة نفسها حل البرلمان، وأقام مجلس خاصا ملكيا تحت وصاية الملك. بعد وفاته تغير كل شيء، وجاءت الثورة فقلبت الموازين، وبقية القصة معروفة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ايمن منذ 7 سنوات

و ذكر فان الذكرى تنفع المومنين صدق الله العظيم

mustapha منذ 7 سنوات

لو اطلع اغلب المغاربة على مشروع الدستور 1908 , الذي كان المغرب يحاول من خلاله مسايرة العصر والبحث عن بصيص من الديموقراطية قبل ان يفترسه الاستعمار, وسط ظلام دامس كانت تتخبط فيه البلاد, لتبيّن كيف كان ولا يزال التخلف ينهش البلاد من قدميها الى قمة رأسها .فمشروع دستور 1908 منع استعمال الوسائل الوحشية لتعذيب المواطن وجلده , ودستور 2011 لم ولن تنزّل مقتضياته المتعلقة بادنى حقوق الانسان المغربي كالتعليم , التعليم الذي هو فطب الرحى في اخراج البلدان من الظلمات الى النور , نور العلم والشغل والنظام والانضباط ,والحرية والصحة وووو وكل مظاهر الحياة الكريمة

ملاحظة ... منذ 7 سنوات

لولا زيارة صاحب الجلالة إلى مدغشقر ما كان يمكن الوقوف على ما عليه الفساد حتى الدبلوماسي منه ، فكيف إذا كان الأمر بهذا الحجم من الفساد ، أن نجد من يدافع عن قضيتنا الوطنية ، إنها لمفارقة كبيرة وغريبة ، وحيث انه لا مراقبة ولا متابعة داخليا وخارجيا ... يجد مسؤولون المجال فارغا لفعل كل شيء ... هذا ما تم الكشف عنه وما خفي ربما كان أعظم في أمكنة أخرى ، فأية صورة سيأخذها عنا الآخرون إذا كانت الأمور تتم بهذا الشكل ، ولماذا نلاحظ بعض الإخفاقات الديبلوماسية ... لهذا في أمريكا متابعة كل ما يتعلق بالمسؤولين يندرج في الدفاع عن الأمن الوطني نظرا لمواقعهم ولمسؤولياتهم ، أليس للمغاربة امن وطني وقضايا مثل القضية الوطنية وصورة يجب ان تكون محترمة من جميع الدول ...

alhaaiche منذ 7 سنوات

إيميلات المدام tu as oublié d'ajouter les 12 millions de dollars volé au Marocains, et offert a la fondation Hilary Clinton.et mentionné par Trump dans un discours dans une video, aux Américains, Welina Dehka, Taleb itleb, Ou Mertou tssedek

alhaaiche منذ 7 سنوات

أما عندنا في المغرب، فإن البلاد تمشي كلها بالهواتف والأوامر الشفوية، والإيميلات غير المحمية، والرسائل المفضوحة، ولا وجود لنظام مضبوط يقنن اتصالات الوزراء وكبار مسؤولي الدولة، Bgaer Allal, Les vaches de Allah, au Pays de Bouzebal.

Hassan منذ 7 سنوات

Bravo, nous avons compris la leçon de Louis 14

التالي