قواعد اللعب تغيرت

28 نوفمبر 2016 - 22:00

يبدو أن جليد البلوكاج، الذي وضع في طريق ميلاد الحكومة الثانية لبنكيران، بدأ يذوب فجأة، بعدما أبدى زعيم العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، مقاومة كبيرة لمخطط إخضاعه من قبل «الأحزاب» التي تكتلت خلف الملياردير، عزيز أخنوش، الذي وضع شرطا تعجيزيا غير مفهوم لدخول حكومة بنكيران الثانية.. أقصد استبعاد حزب الاستقلال، والعدول عن مساعدة الفقراء بدعم مالي مباشر.
يوم أمس خطب أخنوش في بقايا الحزب في طنجة، وقال: «إننا نناقش دخول الحكومة لا الخروج إلى المعارضة»، وقبله أعلن الشيء نفسه إدريس لشكر الذي أحس بأن باللعبة ستدور عليه، وسيجد نفسه في المعارضة دون رغبة منه. بنكيران استعمل أسلحة بسيطة لمواجهة هذا البلوكاج؛ أول سلاح كان هو الشفافية والوضوح مع الرأي العام، حيث عمد إلى خوض المعركة أمام المواطنين، فأخبرهم بأسرار المفاوضات، وما كان يدور خلف الجدران مع زعماء الأحزاب الذين جاؤوا إليه يحملون رسائل الجهات التي تقف خلفهم. وهكذا، بدت الصورة واضحة لدى الناس، وانكشف المستور، وهذا من نقاط قوة بنكيران (الوضوح والصراحة مع الناس). هذا الموقف، طبعا، أغضب أخنوش ورفاقه، وخرجوا يروّجون حكاية «المجالس أمانات»، وكأن بنكيران أخرج أسرار غرف النوم، وليس أمورا تتصل بالشأن العام وتهم جميع المواطنين.
السلاح الثاني الذي واجه به بنكيران ألاعيب البلوكاج هو الوقوف في مكانه، ورفض دخول البازار السياسي الذي فتح مباشرة عقب إعلان النتائج، حيث قال وردد أكثر من مرة: «إنني لا يمكن أن أخلف وعدا قطعته لحزب الاستقلال، لأن هذا مناف للأخلاق والمعقول وشرف الكلمة». هذا الالتزام بالكلمة ليس له بعد أخلاقي فقط، بل له بعد سياسي وتفاوضي أيضا، فلو قبل بنكيران بشروط أخنوش ومن يقف خلفه، فإنه سيجد نفسه أمام دفتر تحملات مفتوح على شروط أخرى لن تنتهي إلا وقد أجهزت على روح انتخابات أكتوبر، وعلى رسالة المواطنين من خلفها… منذ اليوم الأول قال بنكيران إنه تصرف بشكل معقول مع الدولة، وإنه لا ينتظر غير سلوك مماثل، وإنه إذا فشل في تشكيل الحكومة، فإنه سيرجع المفاتيح إلى صاحبها وسيذهب إلى بيته. هذا الزهد في الكرسي والمنصب هو الذي جعل الطرف الآخر في ورطة، فإما أن يجلس مع بنكيران لحل رابح-رابح، أو الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها لن تخرج عن صيغة رابح-خاسر.
المشكل في الذي خطط لهذا البلوكاج أنه مازال ينظر إلى مغرب اليوم بنظارات الأمس، ولم يستوعب بعد أن شرعية الانتخابات صارت أقوى مما كانت عليه في السابق، وأن في المغرب حزبا منظما بطريقة جيدة، يجمع ما بين الولاء للنظام والاستقلالية في القرار، وأن السلطوية في البلاد تفقد مواقعها كل يوم، وأن الطبقة الوسطى لم تعد تقبل بقواعد اللعب القديمة في السياسة والحكم والانتخابات.
هذا البلوكاج الذي وقع فتح أعين قطاعات واسعة من الرأي العام على ضرورة تغيير نظام الاقتراع الذي يكرس البلقنة في المشهد الحزبي، وينعش الدكاكين السياسية التي تبخس قيمة العمل السياسي في أعين الناس، وفتح هذا البلوكاج أعين الناس على امتدادات «التحكم» وأساليب عمله العتيقة، وفتح البلوكاج أذهان الناس على التصنيف القديم للأحزاب بين إدارية ووطنية، وفتح هذا البلوكاج الأعين على الحاجة إلى إصلاحات سياسية عميقة لمواكبة دستور 2011، الذي اقترحت واحدة من لجنة كتابته ذبحه من الوريد إلى الوريد.
يقول عبد الله العروي عن سياسة الحسن الثاني إزاء الأحزاب السياسية: «كان الحسن الثاني يبحث عن جماعات وأحزاب أخرى تعدل الكفة السياسية باتجاه أحزاب الحركة الوطنية، وكل تصرفات إدريس البصري كانت تهدف إلى ذلك، إلا أن هذه السياسة صعبة التطبيق، إذ تتوخى متناقضين: أن يكون الحزب الموالي شعبيا، وفي الوقت نفسه طيعا، وهذا من قبيل تدوير المربع».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مصطفى منذ 7 سنوات

ان كان هذا صحيحا فلما لم يشكل السيد بنكيران حكومته من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ذون انتظار الاحرار او بالاحرى عزيز اخنوش؟

انتاك منذ 7 سنوات

الولاء للنظام واستقلالية القرار السياسي ؟؟؟؟

Imad mbirek منذ 7 سنوات

لو تسكتون قليلا

hafida ait hmou منذ 7 سنوات

الله اعطيك الصحة الصحفي النزيه الذي لا يبيع ذمته مقابل اموال الفاسدين والمفسدين

محسن ممتاز منذ 7 سنوات

ولمادا ينتظر اخنوش لتشكيل الحكومة وله 213 برلماني ما يشكل أغلبية فوق كافية .

brahim tourkhty منذ 7 سنوات

مازال الفشل الذريع والهزائم تتلاحق على التحكم ومن والهم ... يقول تعالى إن تنصرو الله ينصركم ويثبت أقدامكم، صدق الله العظيم.

amiche منذ 7 سنوات

احسنت اخي توفيق .الكلمة امانة اكتب ماتراه حقا وابتغي في ما تكتب رضا الله .واسال الله السداد والقبول.

جواد عراقي منذ 7 سنوات

مقال جامع شامل، أتمنى أن يقرأه الجميع، والفاعلون السياسيون خصوصا، قراءة علمية مجردة من كل انتماء حزبي أو إديولوجي أو مرجعي. فالسياسة إما عمل يتوخى المصلحة الوطنية والصالح العام، أو أنه يُنعت بالسياسي بهتانا وزورا.

كمال كمال منذ 7 سنوات

أشعر وكأن بنكيران يقاتل لوحده.. ولكن ليس طواحين الهواء.. بل عماليق حقيقية ما دام الشعب لا يصطف وراء من يظهر منه المعقول، وما دام يردد عبارة "كلشي تايجي من الفوق" وينسى أن هناك فوق من الفوق وهو الشعب ثم الله سبحانه وتعالى ـ ما دام هكذا فستبقى المعركة دائما قاسية الخسائر رغم الانتصار.

سيروا صوتوا عليهم منذ 7 سنوات

وأن الطبقة الوسطى لم تعد تقبل بقواعد اللعب القديمة في السياسة والحكم والانتخابات. عن أي طبقة وسطى تتكلم السي بوعشرين؟ لقد أصبحت طبقة فقيرة بعدما أجهز عليها شيخك بنزيدان بما تسميه أنت و شبيحته بالاصلاحات. ألم يجعل هذه الطبقة عرضة لأخنوش و أصحابه من مالكي شركات التزويد بالبترول؟ ألم يعري ظهرها لسياط الغلاء المستمر في جميع النتجات الغذائية؟ و سيزيدها فقرا عندما يطبق قراره الشائن بحذف مجانية التعليم. لماذا لم يطبق قرار الأجر مقابل العمل على 671 برلماني الجالسين في بيوتهم و يتقاضون 36 ألف درهم شهريا؟ وكيف نسي قول الله عز وجل "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" صدق الله العظيم

Marocain qui en a marre منذ 7 سنوات

من الأحسن ألا تكون للمغرب أي حكومة تضر بنا و لن تنفعنا في شيء و اللهم أدم علينا نعمة البلوكاج إلى أن يرث الله الأرض و من عليها!

مصطفى منذ 7 سنوات

طبيعة النظام السياسي وميل ميزان القوى لصالحه يجعله لا ولن يتخلى عن سلوك التحكم , واحكام لعبة الشطرنج . فطلب طرد الاستقلال من الحكومة , هو رغبة في عقابه على خروجه من حكومة بنكيران الاولى , واليوم ها هو التحكم يتجاوز الاستقلال , في انتظار حبك عرقلة اخرى , ستظهر أكيدا بعد تشكيل الحكومة , كما ان الاصلاحات المقبلة التي ستكون اشد وقعا على الطبقات المستضعفة والوسطى , ستضع العدالة والتنمية على سكة الهزيمة في انتخابات 2021

citoyen منذ 7 سنوات

بارك الله فيك سيد توفيق سر على بركة الله و لا تلقي بالا للمشوشين الطبالين للفاسدين اكتب ما تؤمن به اكتب ما تراه حقا و دافع عنه صحيح لن يكون الطريق مفروشا بالورود لانه حتى الرسل و الانبياء لم ينجو من كلام السفهاء لكن الحق يعلو و لا يعلى عليه بارك الله فيك مرة اخرى و دمت للحق ناصرا

التالي