إقحام الأم في السياسة

08 ديسمبر 2016 - 17:00

أدوار الأب في السياسة، عندنا، شبيهة بالاقتصاد، فالأب يستثمر في ابنه ليرث رأسماله السياسي بعده، وهي أدوار مؤطرة بالمثل المغربي القائل: “ولد لمعلم عندو النص فالصنعة” بالوراثة والقرب، أما النصف الآخر يأتي بالتوجيه والتأطير والقدرة أو الإرادة الشخصية للابن في أن يكون سياسيا أو لا يكون. أما أدوار الأمهات في السياسة، عندنا، فهي أشبه بالدين، في مستوييه التهذيبي والتوظيفي، نظهر الجوانب الشخصية فيها، ونُبعد أو نضمر ما يتعلق فيها بالشأن العام.
في رمضان الفائت، أجريت رفقة الزميل محمد أغبالو، حوارا مطولا مع رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، من جملة ما قال فيه: “أنا ما مطلوبش مني الرضا ديال جلالة الملك.. ديال الله والوالدة ديالي…”، فقامت الدنيا بالتأويلات ولم تقعد، حتى قيل إن تلك الفقرة من الحوار كسرت تقاليد حديث الوزراء الأولين ورجالات الدولة، عموما، عن الملك الذي لا تصح مقارنته كما لا تصح محاججته. وراج أيضا أن ذلك المقطع من الحوار المصور تسبب لبنكيران في غضبة ملكية، وما إلى ذلك من التأويلات والتهويلات.
إقحام بنكيران والدته- التي سبق أن قال إنها كانت السبب في تعاطيه للشأن العام، أي دخوله غمار السياسة- في حديثه عن علاقته بالملك، سبق أن ورد في مناسبات وسياقات أخرى، لعل أبرزها حكايته عن كيف سألته والدته وهي مريضة “بين اليقظة والغفو”، عندما كان الملك في أمريكا، قائلة: “واش سولتي فصاحبك” فحمل الهاتف واتصل، مؤكدا أنه فعل ذلك بإيعاز من والدته. وبصرف النظر عن التأويلات التي أعطيت لحديث بنكيران عن أن رضا الملك ليس مطلوبا منه، بل رضا الوالدة، فإن تعزية الملك له أعلت من شأن هذا الرضا: ” وإذ نشاطركم أحزانكم في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، فإننا نضرع إليه جلت قدرته أن يمتعك برضاها”.
إقحام الأم في السياسة قديم في تاريخنا المعاصر، وأبرز نماذجه هي رقية الشركسية، زوجة السلطان الحسن الأول، التي أقحمها الحاجب السلطاني أحمد بن موسى البخاري المعروف بـ”بّاحماد” في السياسة، بعدما أغراها بتنصيب ابنها مولاي عبدالعزيز، وعمره 14 سنة، خلفا لوالده، لقطع الطريق عن إخوته الأكبر منه، فكانت النتيجة أن السلطان الطفل اقترن اسمه بالدراجة أكثر مما اقترن بالسياسة.
ومن أطرف ما سمعته عن إقحام الأم في السياسة، هو ما قام به الحسن الثاني مع الزعيم الحركي المحجوبي أحرضان، فقد حكى لي محمد الحبابي، كيف أنه بعد أحداث 23 مارس 1965، بعث الملك الراحل في طلب عبدالرحيم بوعبيد مقترحا عليه قيادة حكومة وحدة وطنية، يكون المهدي بنبركة وزيرا للخارجية فيها، فأجابه بوعبيد بأن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يمكن أن يدخل حكومة غير منبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة، فقام الملك باستدعاء أحرضان، الذي حضر إلى القصر متوقعا مفاتحته في أمر الحكومة، لكن الحسن الثاني غيّر رأيه في آخر لحظة واكتفى بأن سأله: “آش خبار يمَّاك”. وبدل أن تتشكل الحكومة، أعلن الحسن الثاني حالة الاستثناء.
ختام القول؛ جميل أن يهتم بنكيران برضا والدته، رحمها الله، وأن يؤكد الملك في تعزيته على ذلك الرضا، لكن الأهم هو الخروج من “حالة الاستثناء” هاته، وتشكيل الحكومة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي