سمسار العقارات يدخل سوق السياسة

23 يناير 2017 - 17:00

كإمبراطور مزهو بالنصر، أطل دونالد ترامب على حشد كبير من أنصاره من منصة الكابتول أول أمس، حيث أدى القسم أمام 750 ألفا من المدعوين إلى حفل تسلم مفاتيح البيت الأبيض من الرئيس الـ44 إلى الرئيس الـ45. هذه هي أمريكا، حيث حضر حفل تنصيب الشعبوي رقم واحد في العالم خمسة رؤساء مازالوا على قيد الحياة: الرئيس أوباما، والرئيس جورج بوش، والرئيس كلينتون، والرئيس جورج بوش الأب، والرئيس جيمي كارتر… هذا المشهد لا يحلم به الكثيرون حول العالم، ومنهم العرب.

أمريكا بلد كبير، وقوة عظمى موجودة ومؤثرة في كل العالم، أساطيلها في جميع البحور والمحيطات، وأقمارها الصناعية في كل السماوات، وثقافتها في كل المجتمعات. تكنولوجيتها في كل بيت، وشركاتها العملاقة بلا حدود. إنها دولة كبيرة ومشكلة كبيرة… لهذا، تابع العالم كله تنصيب تاجر العقارات، دونالد ترامب، رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية.. الرئيس الذي خرق كل القواعد والتقاليد والأعراف، وأولاها قاعدة الخبرة السياسية، وثانيتها الاعتماد على الحزب، وثالثتها التودد للإعلام، ورابعتها مراقبة اللسان قبل خروج سهامه، وخامستها ضمان استمرارية التوجهات الاستراتيجية للدولة.

دونالد ترامب سمسار عقارات جمع أكثر من خمسة ملايير دولار، لكنه لم يتقلد مهمة سياسية واحدة ولا منصبا إداريا، ولا تمثيلية شعبية قبل ترشحه للانتخابات الأخيرة. كل معرفته بالعالم تنحصر في البيع والشراء، وإقامة حفل لاختيار أجمل نساء الكون، والمشاركة في برامج تلفزيون الواقع. ترامب، وقبل أن يكسر الحزب الديمقراطي، هشَّم حزب الجمهوريين الذي تقدم باسمه للانتخابات، ورغم معارضة أقطاب الحزب له ولرعونته، فإنه فاز في الانتخابات دون دعم من المؤسسة الحزبية التي رجعت إليه خاضعة بعد انتصاره على كلينتون. ترامب يكره الصحافة والإعلام، ويعتبر السلطة الرابعة أسوأ ما خلق الله في هذا الكون. وفي المقابل، يعتمد دونالد على التواصل المباشر مع الرأي العام عبر حسابه في التويتر، الذي يضم 20 مليون متابع، وخطبه المباشرة في التجمعات. أول حوار أعطاه ترامب لوسائل الإعلام التقليدية كان لصحيفة إنجليزية. ترامب لا يدير الكلام في فمه قبل إلقائه إلى الجمهور.. عفوي إلى درجة التقزز، يتحدث في موضوعات حساسة كما يتحدث رجل الشارع في الحانة مع أصدقائه. مرة قال عن منافسته كلينتون: « Comment peut-elle satisfaire son pays si elle ne satisfait pas son mari ? »

ترامب وافد جديد من خارج المؤسسة، جاء ليزيل كل شيء وضعته نخبة واشنطن فوق طاولة البيت الأبيض، بما في ذلك التوجهات الاستراتيجية للأمن القومي. يرى أن روسيا ليست عدوا، وأن علاقات ودية ممكنة مع بوتن. يدعو إلى تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران التي استغرقت كتابتها سنوات طويلة، ويتجه إلى محاصرة الصين تجاريا، واستفزازها في المناطق الحساسة من أراضيها، وكل هذا تحت شعار أمريكا أولا ومصالحها فوق كل اعتبار.

الطريق لن تكون سهلة أمام تاجر العقارات الذي اعتاد الصفقات المربحة. أول أمس خرج الملايين للتظاهر ضد برنامجه وضد تصريحاته وضد شعبويته وضد حماقاته، وهذه أول مرة يخرج الشارع الأمريكي للتظاهر في يوم تنصيب الرئيس الجديد، حيث يسود إحساس بأن ترامب لا يمثل كل الأمريكيين، وأنه غير قادر على علاج الجروح التي أصابت البلاد عقب حملة انتخابية صاخبة، لم توفر أي سلاح لم تستعمله… لهذا، يعتقد الكثيرون أن ترامب لن يكمل ولايته إذا لم يراجع قناعاته وطرق اشتغاله، وأن المؤسسة الأمريكية لن تستسلم له بسهولة.

كان وجه ميشيل أوباما العابس في حفل التنصيب صورة معبرة عن خيبة أمل أمريكا الأخرى التي تعارض ترامب، وتنتظر منه الأسوأ، لكن المحللين يَرَوْن في ترامب تعبيرا عن مرض أمريكا، ومرض الرجل الأبيض الذي لم يستطع أن يتكيف مع واقع العولمة، وضريبة السوق المفتوحة، وتداعيات الأزمة الاقتصادية، فراح يبحث عن حل سهل للمشاكل، فسقط في يد ساحر يزعم أنه قادر على إخراج البلاد من أزمتها، وأن قبعته السوداء فيها كل ما يطلب المشاهدون.

لسنوات، ظل الغرب ينتقد المجتمعات العربية، والشرقية عموما، ويشنع على نمو الانغلاق والتطرف والكراهية فيها، وميلها إلى الأصولية والقومية والشعبوية، ولم ينتبه إلى أن مجتمعاته هي أيضا معرضة للأمراض نفسها، رغم تطورها وتقدمها وحداثتها. هذا ما حصل، حتى صار الخوف برنامجا انتخابيا، وكراهية المهاجرين إيديولوجيا سياسية، ومعاداة الإسلام مذهبا فكريا، والانعزالية هروبا من الواقع.

قال ترامب، ذات مرة، في الحملة الانتخابية: “يمكنني أن أقف في وسط شارع فيفث أفينيو في مانهاتن، وأطلق النار على شخص ما، ولن أفقد أصوات الناخبين”. سنرى هل تصدق نبوءة السمسار، أم إن الرصاص الذي يهدد بإطلاقه يمكن أن يؤذيه.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الشعبوية منذ 7 سنوات

الشعبوية تقدم هكذا نوع من السياسيين ، لا يملكون فكريا سياسيا ولا منهجا اقتصاديا ولا رؤيى اجتماعية ، لكن في المقابل تنجح انتخابيا لأنها تعتمد على خطاب عاطفي شعبوي غير علمي يستهدف فئات معينة من المجتمع ، ولهذا ستنهار كل المكاسب التي تحققها الشعوب ، فكل المكاسب التي بناها اوباما بدأت في الانهيار وسنرى ما هو اخطر على المستوى العالمي ... اعتقد ان المغرب يعاني من الشعبوية ، الشعبوية التي تراءت على المستوى السياسي ونوعية الخطاب والممارسة ، الشعبوية على المستوى الاختيارات الاقتصادية الكارثية على الدولة وعلى المواطن على الخصوص ، الانعكاسات الاجتماعية والحقوقية نتيجة تلك الاختيارات . الشعبويون قليلا ما يقدمون افكارا في السياسة والاقتصاد . بنكيران تربى داخل مجالس الوعظ والارشاد يقدم دروسا أخلاقية تعبدية بعيدا عن السياسة ، فحتى تلك السياسة التي قدمتها الشبيبة الاسلامية لم تكن الا خدمة لمحاربة اليسار ، بدعوى محاربة " العلمانية والالحادية " والنزر القليل من المعارضة الذي مارسه بنكيران لم يات الا تحت غلاف ديني في صيغ ذات طابع ديني باسم الكبائر وليس نقدا سياسيا واقتصاديا منهجيا ، وعلى رأس ذلك الحركات الاحتجاجية حول الخطة من اجل ادماج المرأة في التنمية . ولا يوجد تراث فكري سياسي واقتصادي " بالمعنى الصحيح للحركة الاسلامية " بالشكل الذي تركته الحركة الوطنية انطلاقا من الفكر السلفي - علال الفاسي - او الفكر اليساري حيث تركت نظريات متقدمة على المستوى الاقتصادي والسياسي كعزيز بلال او عبد السلام المودن او بنبركة ... والذين كانوا ضحية سنوات الرصاص وجاء بعدهم عابد الجابري ... وفي محاولة لقراءة الفكر السياسي والاقتصادي لا نجد فيه كثيرا من الغموض والالتباس .

Kamal منذ 7 سنوات

« Comment peut-elle satisfaire son pays si elle ne satisfait pas son mari ? » هل قالها بالفرنسية؟

M.KACEMI منذ 7 سنوات

هذا وأفدح هو ما ستجنيه الإننسانية من خضوع الفكر والسياسة لسلطة المال. "هادي البداية ومازال مازال"

علال منذ 7 سنوات

لست المرة الاولى التي تنتج فيه الديمقراطيات تطرفا وانغلاقا ولكن ما يميزها عن باقي انظمة الحكم هو وجود المؤسسات والقدرة على تدارك الاخطاء تشرشل قال يوما ''قد تكون الديمقراطية نظاما سيئا، لكنها افضل من باقي الأنظمة''

رشيد الاسماعيلي منذ 7 سنوات

كان على الزعيم الجديد للتحالف أمقورن أن يستلهم شعارات ترامب التي قادته الى الفوز ويقول we gona make morroco bad again لأن الديمقراطية لا تصلح لنا ونحن الدين سنقرر بدل الشعب .

التالي