حشود غاضبة

02 فبراير 2017 - 14:21

يوم السبت (ما قبل) الماضي، خلال واحد من البرامج التلفزيونية الأمريكية الأكثر تأثيرا وشهرة، أي “Saturday NightShow”، أنهى عزيز أنصاري، أحد أشهر الفكاهيين بالبرنامج، فقرته اللامعة بالإشادة بملايين الأمريكيين الذين نزلوا إلى الشارع في كل ربوع أمريكا للتعبير عن معارضتهم لترامب يوم تنصيبه وقال: “إن التغييرات الأكثر أهمية لا يكون مصدرها الرؤساء، بل الحشود الغاضبة”. وختم كلامه متوجها إلى المتظاهرين: “إن كان ليوم تنصيب الرئيس الجديد معنى ما، فهو مشاركتكم في أكبر حشد غاضب رأيته في حياتي.. حظا سعيدا”.

في تقديري، هذه إحدى أهم مميزات الديناميكية التاريخية في 2017 حتى خارج الولايات المتحدة: ستقوم الشعوب بزعزعة قادتها حين تعتبرهم غير شرعيين أو عديمي الفاعلية. في الولايات المتحدة ترى أغلبية الشعب الأمريكي، التي صوتت ضد الرئيس الجديد، أن ترامب غير شرعي، وفي أوروبا تعتبر الأغلبية التي مافتئ حجمها يتوسع، حكامها عديمي الفعالية.

في الحالتين تعتزم الشعوب – التي صارت أفضل تكوينا وأكثر نشاطا على الشبكات الاجتماعية، وفي الجمعيات والانتخابات التمهيدية – التحكم في تصرفات الحكام بإلحاح أكبر، بل وحتى بطرق عنيفة لمّا يعتريها الغضب.

والواقع أن الغضب مافتئ يتوسع في كل الديمقراطيات لأن الاقتصاد صار أقوى من السياسة. وفي أوروبا سيتجلى هذا الغضب في صناديق الاقتراع، بكل من فرنسا وألمانيا وهولاندا، وذلك  بالتخلص من المسؤولين المنتهية ولايتهم، ومن الممثلين الرسميين للأحزاب الكلاسيكية. ولما ستفلح التحالفات وإجراءات التصويت في تحقيق هذه الأمر، سيظهر غضب الناخبين خارج صناديق الاقتراع، عبر المظاهرات والتمردات: سترفض أقليات، أو حتى أغلبيات، غاضبة نتائج صناديق الاقتراع، وإذا انتخب الأكثر ضعفا- كما هو الحال في الولايات المتحدة، مرشح الأقوياء، فستتم إعادة النظر في الديمقراطية نفسها.

إذن، بات من الضروري أن تقدم كل الأحزاب المتشبثة بالديمقراطية، في كل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مرشحين جددا، لهم برامج طموحة تندرج في إطار مشروع بعيد المدى، وتربط بين الخيارات الجيوسياسية الكبرى والقضايا التي تمس الناخبين بشكل مباشر.

إذا لم تكن الأحزاب الديمقراطية قادرة على الانخراط في التجديد المكثف لأطرها ومشاريعها، فسيتم التخلص منها: ستقوم الحشود الغاضبة بإزاحة النخب العتيقة من كرسي السلطة.

إن 2017 هي سنة الحقيقة. لقد بات القيام بثورة افتراضية (revolution vertuelle) عنيفة عنف ثورة دموية، شرطا أساسيا لبقاء الديمقراطية. ولا يجب أن تقتصر على تغيير الشخصيات السياسية، بل يتعين أن تتضمن تغييرا فعليا في علاقات السلطة.

إذا لم تأخذ هذه الثورة الطريق الصحيح، فإنها ستُفضي، كما حدث بعد العديد من الثورات، إلى عودة السلطة ذاتها بعد فترة من الوحشية. أما إذا تم تنظيمها بحكمة، فستسمح بانبثاق بلدان جديدة، متحررة من مخاوفها وأوهامها، ومنفتحة على الشباب، منبع الرفاه.

 

ترجمة مبارك مرابط عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي