الدغدغة المخيفة

24 مارس 2017 - 15:36

لست من أنصار « العدالة والتنمية ». نظرتي للحياة تختلف عن نظرة هذا التنظيم. ميولاتي الفكرية تختلف كثيرا عن الأسس التي يقوم عليها. ومع ذلك لا أملك سوى الاعتراف لك بأنني، في لحظات خاطفة، استسلمت لدغدغة عرقي الأمازيغي، حين علمت بتعيين السوسي سعد الدين العثماني، رئيسا للحكومة، وتكليفه من طرف رئيس الدولة بتشكيل الفريق الحكومي، وحين تابعت ذلك التصريح المقتضب الذي أدلى به بـ »تاشلحيت ».

لا أخفيك أن هذه الدغدغة، التي تسللت إليّ في غفلة مني، أربكتني وأحسستني بالحرج أمام كل ما أؤمن به، وبـ »الشمتة » من عرقي السوسي الذي أعتز به، ولكني دربت النفس طويلا على الاحتراز منه.. بـ »الشمتة » من « الهوية »، هذا المفهوم الهلامي المنفلت الذي أتهيب منه كما يتهيب غيري من الأفاعي أو العقارب.

المهم سارعت – وأنا أداري حرجي أمام نفسي- إلى لملمت نفسي ومحاصرة هذه الدغدغة حتى لا تسيح أكثر في مساحات أوسع من كياني ويصعب عليّ التحكم فيها. وانتبهت مرة أخرى إلى أننا نعيش على حافة فوهة بركان هادر.

نعم، المجتمع المغربي متعدد الهويات، والكائن المغرب نفسه متعدد الانتماءات، فهو أمازيغي، عربي، إفريقي، أندلسي، صحراوي (نسبة إلى الصحراء الكبرى وكونها الذي لا نهاية له)، فرنسي، إسباني.. إلخ.

قد يكون الأمر ناتجا عن ديكتاتورية الجغرافيا التي جعلت هذه البلاد في مفترق طرق عرف ويعرف، على مر العصور والأزمنة، حركة « إنسانية » كثيفة.

قد يكون الأمر بفعل مزاج التاريخ الذي جعل هذه الرقعة متلقى لكثير من الحضارات والثقافات، فقد كانت طريقا وسوقا (للقوافل قديما وللمستعمر حديثا)، وملاذا (للهاربين من الشرق والأندلس)، ومستقرا (للباحثين عن أرض جديدة) وحديقة خلفية (لآخرين).

هذا التعدد في الهويات والانتماءات قد يكون مصدر غنى وثراء ثفافي وإنساني، وانفتاح، كما يمكن أن يتحول إلى منبع للصراع ومكرس للعزلة والانكماش.

والحال أن تعدد الهويات يحتاج إلى الفرد الكامل في فردانيته والقادر على التحكم في دغدغات واحدة منها أو أكثر وتحويلها من مصدر للإقصاء والصراع، إلى منبع للثراء.

ففي هذا المجتمع مازال الكائن بعيدا عن مرتبة الفرد، وبالتالي يصعب عليه (أم يستحيل؟) أن يدبر هذا الكم الهائل من « الهويات » و »الانتماءات » التي يسبح فيها (أم يتخبط؟)، ويحولها، مثل كميائي بارع، إلى خلطة خاصة تكرس فرادته وتغنيها.

مازال هذا الكائن يستسلم بسرعة وبدون مقاومة تقريبا إلى دغدغة واحدة من تلك الهويات، فيرفعها فوق رأسه كلواء يتمترس خلفه، فيدفع الآخر بدوره إلى التحصن وراء واحدة من هوياته ويقصي الأخريات. قد أحسست بهذا الأمر هذه الأيام في التركيز عند الحديث عن تشكيل الحكومة، على « التكتل السوسي » ضد « المعسكر الفاسي ».

أخشى أن يتحول – بشكل من الأشكال- هذا التعدد الانتمائي لدى الكائن المغربي، إلى ما سمّاه أمين معلوف في أحد مؤلفاته بـ »الهويات القاتلة ».

نعم، قد تصير الهويات قاتلة فعلا، إن أمعنا في الاستسلام إلى دغدغتها وإغراءاتها.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Yassar منذ 7 سنوات

انا مواطنة مغربية لا أتكلم اي لغة أمازيغية و لكنني أعتز بهويتي ذات الروافد المتعددة ، و قد أحسست ، مثل كاتب هذا التعليق، باعتزاز كبير و أنا أستمع الي السي العثماني و هو يستقبل ضيوفه باللغة الامازيغية. هذه من ميزات بلدنا العزيز الذي كان الاختلاف فيه دائما نعمة و قوة ، و سيبقي كذلك ما دامت الحكامة سديدة و الحكمة سائدة !

Mohamed منذ 7 سنوات

يا أخي ليست هناك أي ”الشمتة” هي فقط في رؤوس الأغبياء، لا فرق بيننا إلا بالتقوى، والتقوى يدخل ضمنها حسن الخلق، حسن المعاشرة و حسن العمل. تحياتي. مجرد رأي.

التالي